يبدو أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يعيش مفارقة سياسية عميقة في علاقاته مع المملكة المغربية. فمن جهة، يحرص في خطابه الداخلي على تغذية العداء التاريخي تجاه الرباط، ويقدّم نفسه حامي الحدود والمصالح الوطنية ضد ما يصفه بـ"الخطر المغربي". ومن جهة أخرى، يكشف تواصله مع الدوائر الأمريكية عن نوايا مغايرة تماماً، بل ومتصالحة، تسعى إلى طي صفحة الخلاف وفتح مرحلة جديدة من حسن الجوار.
وفقاً لتصريحات المبعوث الأمريكي الخاص لأفريقيا، مسعد بولوص، وهو رجل أعمال لبناني-أمريكي مقرب من الرئيس السابق دونالد ترامب، فإن تبون أبدى استعداداً صريحاً لتحسين العلاقات مع المغرب خلال لقائه به في الجزائر نهاية يوليو 2025. وأوضح بولوص في مقابلة مع قناة "الشرق نيوز" السعودية أن الرئيس الجزائري عبّر عن رغبة في إيجاد "حل نهائي وجذري لقضية الصحراء الغربية"، مؤكداً أنه يعتبر الشعب المغربي "شعباً شقيقاً".
هذا الموقف بدا صادماً مقارنة بما تروّجه وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية التي لا تتوقف عن بث خطاب عدائي ضد المغرب، محمّلة إياه مسؤولية كل الأزمات الإقليمية، من الأمن إلى الاقتصاد. ويكشف هذا التناقض عن سياسة مزدوجة: وجه متصلّب تجاه الداخل، ووجه دبلوماسي ناعم تجاه الخارج، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقوى العظمى.
منذ بداية ولايته، حاول تبون الموازنة بين المحورين الروسي والصيني من جهة، والمحور الأمريكي الغربي من جهة أخرى. لكنّ تحولات السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد اعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء عام 2020، دفعت الجزائر إلى إعادة تموضعها الاستراتيجي.
فقد بدأ النظام الجزائري، بحسب المراقبين، في مغازلة واشنطن ومحاولة بناء شراكة أمنية وعسكرية جديدة معها. ويُعدّ ظهور كبار القادة العسكريين الجزائريين، وعلى رأسهم الفريق مصطفى إسماعيلي، في مناسبات عسكرية أمريكية مؤشراً واضحاً على هذا التحول.
من الواضح أن الرئيس تبون يدرك أن استمرار القطيعة مع المغرب لا يخدم مصالح بلاده ولا استقرار المنطقة. فواشنطن، باعتبارها القوة العالمية الأولى، تمتلك النفوذ اللازم للوساطة بين البلدين، وهي الجهة الوحيدة القادرة على فرض تسوية متوازنة تضمن مصالح الطرفين.
لكنّ السؤال الجوهري يبقى: هل يمتلك تبون الجرأة السياسية ليُعلن أمام شعبه ما يقوله خلف الأبواب المغلقة للأمريكيين؟
الواقع أن النظام الجزائري لا يزال أسير "عقيدة العداء للمغرب" التي تحولت إلى جزء من خطاب الدولة وهويتها السياسية منذ عقود. غير أن الاستمرار في هذا النهج بات عبئاً أكثر منه رصيداً، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالجزائر.
إنّ الموقف الذي نقله مسعد بولوص عن تبون، مهما كانت دوافعه، يعبّر عن إدراك متزايد بأن استمرار الصراع الجزائري المغربي حول الصحراء بات عبثياً بعد خمسة عقود من الجمود. فالحل الواقعي اليوم، كما ترى القوى الغربية، يتمثل في مخطط الحكم الذاتي المغربي الذي يحظى بدعم متنامٍ في الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وعليه، فإن أي تحرّك جزائري نحو القبول بهذا الحل، ولو ضمنياً، سيمثل تحولاً تاريخياً في العلاقات بين البلدين، ويفتح الباب أمام إعادة بناء اتحاد مغاربي طال انتظاره.
لم تعد الشعارات العدوانية أو الدعاية المعادية للمغرب تجدي نفعاً في زمن تتبدل فيه موازين القوى بسرعة. فالمغرب اليوم قوة إقليمية صاعدة في إفريقيا والعالم العربي، والجزائر بحاجة إلى استقرار إقليمي أكثر من أي وقت مضى.
العداء لا يبني دولة، والمغربوفوبيا لا تصنع تنمية. آن الأوان لأن يدرك النظام الجزائري أن الشعوب المغاربية لا تريد الحرب ولا الانقسام، بل تريد مستقبلاً مشتركاً قائماً على التعاون والازدهار.
فكما قال أحد المحللين: "لا المغرب يمكنه أن يهاجر، ولا الجزائر يمكنها أن تغيّر جغرافيتها، والمصير المشترك أقوى من كل الخلافات."
0 التعليقات:
إرسال تعليق