الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، أكتوبر 19، 2025

الطابور الخامس كراكيز الداخل وأصابع الخارج: عبده حقي


لم يعد العدوّ يقف على الحدود ولم يعد يجلجل بالمدافع والدبابات، بل صار يتقنع بوجه بعض المواطنين، ويتحدث بلهجة البلد، ويخترق الشاشات بخطاب حربائي ومنمّق.

هكذا يتحرك الطابور الخامس دمى وكراكيز تُحرّكها أيادٍ من الخارج، تتخفّى تحت عناوين الحرية وحقوق الإنسان، لكنها تُدار من وراء الستار بخيوط استخباراتية دقيقة هدفها واحد: زعزعة استقرار المغرب من الداخل.

لم يعد الطابور الخامس مجرد خونة بالمعنى التقليدي الكولونيالي، بل أصبح شبكة من الكراكيز الإعلامية والسياسية والبطالة التي تلبس ثوب المعارضة وتتكلم بلغة النقد، لكنها تخدم أهداف خصوم المملكة.

قد يكون أحدهم إعلاميًا يتاجر بسمعة وطنه لقاء عائدات “تراند”، أو ناشطًا حقوقيا مزيفا يحوّل كل حادث بسيط إلى قضية “قمع” و”تظلم”، أو حتى أكاديميًا يقتات من تمويلات أجنبية مقابل نشر تقارير منحازة.

لقد تحولت منصّات التواصل إلى ساحات حرب غير مرئية، تتقاطع فيها خيوط المال الجزائري، والدعاية المعادية، والأقلام المأجورة التي تتخذ من كل أزمة اجتماعية وقودًا لبثّ السمّ في تراب الوطن.

الهدف ليس الهجوم على الدولة فحسب، بل ضرب الثقة بين المغاربة ومؤسساتهم، وتحويل الحوار الوطني إلى صراع داخلي، وتشويه صورة البلاد في الخارج.

لماذا ينجح الطابور الخامس أحيانًا؟

لأنه يعرف كيف يعزف على أوتار الغضب الشعبي .

يستغل الأزمات المعيشية اليومية، ويُضخّم الأخطاء، ويُلبس الأكاذيب ثوب الحقائق.

في مجتمع مفتوح ومتشعب رقميًا، تكفي تغريدة أو تدوينة واحدة لتُشعل الرأي العام، ويكفي فيديو مفبرك ليهزّ الصورة الرمزية للوطن بأكمله.

وهكذا يتحول المواطن غير الواعي إلى جندي رقمي في جيش الذباب الإلكتروني، يشارك دون أن يدري في تنفيذ أجندة خصوم بلاده في الداخل والخارج.

إن الردّ على الطابور الخامس لا يكون بالمنع ولا بالصراخ، بل بالوعي الجماعي والإعلام المهني.

إن مغرب اليوم في حاجة إلى جيل رقمي يعرف كيف يفرّق بين النقد البنّاء والنقد الهدام الموجّه، بين المعارضة الوطنية والخيانة المقنّعة.

إنّ الدفاع عن الوطن لم يعد يقتصر على جبهة الحرب ولا على القلم الصحفي، بل أصبح مسؤولية كل مواطن على شاشة هاتفه.

كل “إعجاب” غير محسوب أو “مشاركة” متهوّرة قد تكون رصاصة رقمية ضد الوطن.

المعركة إذن مستمرة: بين الحقيقة والدعاية والمعركة اليوم ليست بين المغرب وجيرانه فحسب، بل بين الحقيقة والدعاية.

الطابور الخامس لا ينام، ولا يتعب، ولا يتورّع عن تحويل الكذب إلى سلاح دمار معنوي.

لكنّ البلد الذي واجه قرونًا من التحديات قادر على صدّ هذا الغزو الناعم والظالم ، إذ وعى شعبه بأنّ الكرامة والسيادة لا تُحمى بالحياد، بل بالانحياز للوطن الأم.

0 التعليقات: