الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، أكتوبر 19، 2025

المغرب استثمارات كبرى وتحولات رقمية تعيد رسم ملامح الإعلام والتكنولوجيا

 


يشهد اليوم عالم الصحافة والإعلام والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي حراكاً واسعاً يعكس تسارع التحولات الرقمية في المغرب والعالم العربي وإفريقيا والعالم.

ففي المغرب، تتجه الأنظار نحو تعزيز مكانة البلاد كقطب صاعد في ميدان الذكاء الاصطناعي، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة المغربية وشركة Mistral AI الفرنسية المتخصصة في تطوير النماذج اللغوية والأنظمة الذكية، في خطوة تهدف إلى دعم الابتكار المحلي وبناء قدرات وطنية في البحث والتعليم والتطبيق الصناعي. كما تم الإعلان عن إنشاء مركز وطني للتميّز في البيانات والذكاء الاصطناعي بمنطقة الدار البيضاء – سطات، من المنتظر أن يوفر مئات مناصب الشغل بحلول عام 2029 في إطار استراتيجية “المغرب الرقمي 2030”.
وفي السياق ذاته، دخلت شركة MVision AI في شراكة مع مؤسسة مغربية متخصصة في توزيع الأجهزة الطبية لتعميم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في علاج الأورام بالمستشفيات المغربية. إلى جانب ذلك، تعمل الحكومة على بناء منصة وطنية للذكاء الاصطناعي المسؤول، تُعنى بوضع أطر أخلاقية وتشريعية تنسجم مع الخصوصية اللغوية والثقافية للمغرب.
هذه المبادرات تؤكد أن المملكة لم تعد مجرد مستهلك للتكنولوجيا، بل أصبحت فاعلاً رئيسياً يسعى إلى تأسيس بيئة رقمية متكاملة تجمع بين التعليم والبحث والابتكار والحوكمة الرشيدة.

أما في العالم العربي، فتتجه دول المنطقة بخطى متفاوتة نحو التحول الرقمي. ففي الإمارات العربية المتحدة، أطلقت النيابة العامة الاتحادية خدمة ترجمة فورية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تسعى إلى تسهيل الوصول إلى العدالة في بيئة قانونية متعددة اللغات. وتشير تقارير حديثة إلى أن دول الخليج تتصدر الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية، بينما تواجه مناطق أخرى مثل سوريا وفلسطين تحديات حادة في هذا المجال بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية.
وتبرز في الأوساط الأكاديمية مبادرات بحثية جديدة حول العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإعلام العربي، حيث تسعى الجامعات والمراكز إلى فهم أثر التقنيات الجديدة على إنتاج المحتوى وإدارة الأخبار وتطور اللغة العربية داخل الفضاء الرقمي.

وفي إفريقيا، يتسارع سباق البنية التحتية الرقمية، إذ تشهد نيجيريا طفرة كبيرة في بناء مراكز بيانات ضخمة بقيمة مليارات الدولارات لخدمة تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتنامية في القارة. كما أطلقت منظمة اليونسكو برامج تدريبية واسعة في إطار مجموعة العشرين، لتأهيل الآلاف من الموظفين المدنيين والقضاة الأفارقة على استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومسؤول.
وتؤكد هذه التطورات أن إفريقيا بدأت تتجاوز مرحلة “المستهلك الرقمي” إلى مرحلة بناء القدرات الذاتية، ما يعزز فرصها في أن تكون شريكاً في الاقتصاد المعرفي العالمي لا مجرد سوق له.

وعلى الصعيد العالمي، تواصل الشركات الكبرى ضخ استثمارات هائلة في هذا القطاع الحيوي. فقد أعلنت شركة Google عن استثمار 15 مليار دولار في إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في الهند ضمن خطة للتحول الرقمي الشامل. وفي مجال الموسيقى، كشفت Spotify عن شراكة مع كبرى شركات الإنتاج الفني مثل Sony وUniversal وWarner لتطوير منتجات ذكاء اصطناعي “مسؤولة” تحافظ على حقوق الفنانين وتمنع استغلال أصواتهم دون إذن. وفي الإمارات، يُنتظر أن يدخل مشروع Stargate AI Campus حيز التشغيل العام المقبل بطاقة أولية تبلغ 200 ميغاواط، ضمن خطة طموحة لبناء أكبر مجمع للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط.

تجمع هذه الأحداث في مجملها صورة عالم يتغير بسرعة مذهلة، حيث تتحول التكنولوجيا إلى محور مركزي في الإعلام والاقتصاد والثقافة. فالمغرب والعالم العربي وإفريقيا يخطون بخطى واثقة نحو المستقبل الرقمي، بينما تتجه القوى العالمية إلى تعزيز هيمنة الذكاء الاصطناعي على قطاعات المعرفة والإبداع. وفي ظل هذا التحول العميق، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن لهذه الثورة أن تُدار بأخلاق ومسؤولية، وأن تُسخّر لخدمة الإنسان لا لاستبداله؟



0 التعليقات: