الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الأحد، أكتوبر 05، 2025

في اليوم العالمي للمعلم وتلاميذ جيل "Z" عبده حقي


في الخامس من أكتوبر من كل عام، يتوقف العالم لحظة إجلال وتقدير للمعلم، في يومٍ أقرّته منظمة اليونسكو منذ عام 1994 تكريمًا لصنّاع الأجيال وحماة الوعي. إنه يوم يرمز إلى أكثر من مجرد مناسبة احتفالية؛ إنه موعد للتفكير في مهنة التربية، في معانيها ورسالتها، وفي التحديات التي تواجهها في زمن تتغير فيه القيم والمعارف والوسائط بسرعة غير مسبوقة.

فاليوم العالمي للمعلم يعتبر لحظة لتجديد العهد بين الأمم وأطرها التعليمية، للتأكيد أن لا تنمية من دون تربية، ولا تربية من دون معلم قادر ومؤهل على جميع المستويات.

في كثير من دول العالم، تُطرح أسئلة جوهرية حول موقع المعلّم في عصر الذكاء الاصطناعي، والتعلّم الرقمي، والتواصل الفوري، حيث تغيّرت صورة المدرسة، وتبدّلت علاقة المتعلم بالمعلومة، وصار مدعوًّا إلى إعادة تعريف نفسه ليس كناقل للمعرفة، بل كمرشد للحكمة، وموجّه للوعي.

في المغرب، يكتسي هذا اليوم بعدًا خاصًا، لأن التعليم ظلّ دومًا في قلب المشروع الوطني منذ الاستقلال، باعتباره رهانًا استراتيجيًا لبناء الإنسان المغربي القادر على المشاركة في النهوض التنموي لبلده. غير أن هذا الرهان أصبح اليوم أكثر تعقيدًا أمام واقع جديد اسمه “جيل Z  وهو جيل وُلد في زمن الإنترنت، ونشأ في عالم الهواتف الذكية، وتفتّح وعيه على الشاشات قبل الكتب. جيل يملك معلومات أكثر من أي جيل سابق، لكنه في الوقت نفسه أكثر عرضة للتشتت، والضياع في متاهة الصور السريعة والمضامين العابرة.

هنا، يتجلى الدور الجديد للمعلم المغربي. لم يعد المطلوب منه أن يلقّن المعرفة كما في الماضي، بل أن يوجّه طاقة هذا الجيل، ويحوّل فضوله الرقمي إلى وعي نقدي، وأن يصنع من شبابه مواطنين مسؤولين، لا مجرد مستهلكين للتكنولوجيا. فجيل Z المغربي يملك حسًّا قويًا بالحرية، وشغفًا بالتعبير، ونفورًا من السلطة التقليدية، وهي خصائص يمكن أن تكون رافعة للتحرر والإبداع إذا وُجد الموجّه البصير، أو يمكن أن تتحول إلى فوضى وتمرد إذا تُركت دون بوصلة قيمية وتربوية.

المعلم، في هذا السياق، هو الجسر بين الماضي والمستقبل، بين المدرسة التقليدية والعالم الافتراضي. عليه أن يواكب هذا الجيل بلغته، لا بالسلطة القديمة، وأن يفهم بيئته الرقمية ليقوده من الداخل، لا أن يعارضه من الخارج. فالتحدي الأكبر ليس في التعليم وحده، بل في إعادة بناء الثقة بين الشباب والمدرسة، بين الجيل الرقمي والمؤسسة التربوية التي غالبًا ما يراها بعيدة عن واقعه.

إن ما يواجهه المعلم المغربي اليوم ليس بالأمر الهين. فإلى جانب مسؤولياته التربوية، يواجه ضغطًا نفسياً واجتماعياً متزايداً، في ظل اكتظاظ الأقسام، وضبابية المسارات المهنية، وصعوبة التوازن بين التوقعات المجتمعية والطموحات الفردية. ومع ذلك، يظل المعلم المغربي، في القرى والمدن، هو البوصلة التي تمنح التعليم معناه الإنساني، وهو الذي يزرع في النفوس قيم الانتماء والاحترام والمسؤولية، رغم كل الإكراهات.

لقد حان الوقت لأن ندرك جميعاً أن المعلم ليس مجرد موظف في قطاع عام، بل هو فاعل في صناعة الوعي الجماعي. وإذا كان جيل Z هو جيل المستقبل، فإن من يصوغ ملامحه ويضبط اتجاهه هو المعلم، بما يملكه من قدرة على غرس المعنى في زمن السرعة، وترسيخ القيم في زمن الفوضى الرقمية. لذلك، فإن الاستثمار في تكوين المعلمين ودعمهم وتحفيزهم يجب أن يكون استثمارًا وطنيًا من الدرجة الأولى، لأنه استثمار في المستقبل ذاته.

اليوم، في المغرب كما في العالم، يتطلب تكريم المعلم أكثر من الكلمات. إنه يتطلب رؤية جديدة للمدرسة، تجعلها فضاءً مفتوحًا للحوار والإبداع، ومجالاً لتفاعل الأجيال لا لصدامها. فالمعلم هو القادر على تحويل التناقضات إلى فرص، وعلى جعل جيل Z طاقة وطنية إيجابية بدل أن يكون مصدر قلق اجتماعي.

وفي نهاية المطاف، لا مستقبل لأمة تنسى معلّميها، ولا نهضة لوطن يُهمّش من يزرع الوعي في عقول أبنائه. إن يوم المعلم ليس فقط يوم تكريم، بل هو نداء مستمر لإعادة الاعتبار للمدرسة المغربية، ولمن يقفون كل صباح على جبهة المستقبل، يحملون الطباشير كما يحمل غيرهم السلاح، يزرعون الأمل بدل الخوف، ويصنعون التاريخ عبر تربية الإنسان.

توضيح لابد منه:

حرف Z في عبارة "جيل Z" أو Generation Z بالإنجليزية) هو رمز زمني وسوسيولوجي يُستخدم للدلالة على الفئة البشرية التي وُلدت تقريبًا بين منتصف التسعينيات ونهاية العقد الثاني من الألفية الجديدة (1995–2012)، أي الجيل الذي نشأ مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية.

حرف Z يأتي بعد X و Y في التصنيف الغربي لأجيال ما بعد الحرب العالمية الثانية:

 

جيل X: المولودون بين منتصف الستينيات ومنتصف الثمانينيات.

جيل Y المعروف أيضًا بالجيل الألفي أو Millennials): المولودون بين 1981 و1995 تقريبًا.

جيل Z: المولودون بعد 1995 وحتى 2012 تقريبًا.

وقد اختير الحرف "Z" فقط باعتباره استمرارًا رمزيًا للتسلسل الأبجدي (X → Y → Z).

جيل Z يُوصف بأنه الجيل الرقمي بامتياز، إذ لم يعرف العالم من دون الإنترنت أو الشاشات.

في السياق المغربي، عبارة "جيل Z212" ظهرت حديثًا في الإعلام ومواقع التواصل للإشارة إلى الحراك الاجتماعي الرقمي الذي أطلقه شباب مغاربة وُلدوا في بداية الألفية، يجمعهم وعي احتجاجي وشعور بضرورة التعبير عن الذات عبر الفضاء الرقمي.

الرقم 212 هو رمز الهاتف الدولي للمغرب، لذلك صار الشعار “Z212” دلالة على جيل مغربي رقمي الهوية.

0 التعليقات: