الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الأحد، نوفمبر 09، 2025

هل يغامر تبون بورقة ترامب لإعادة رسم خريطة المغرب الكبير؟ عبده حقي

 


في كواليس السياسة المغاربية، يتردد سؤال ثقيل لكنه مشروع: هل يدفع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بلاده نحو إعادة تموضع استراتيجي جريء، أقرب إلى واشنطن منه إلى موسكو وبكين، على أمل أن يمنحه ذلك منفذاً لتغيير معادلة الصراع مع المغرب؟

هذا التحول لم يأت من فراغ ولا هو وليد نزوة سياسية. فالرجل، رغم صورته الرسمية المتجهمة، لم يكن يوماً سياسياً عقائدياً بقدر ما كان موظفاً تقنياً ترعرع داخل دهاليز الدولة الجزائرية. واليوم، يبدو أن قناعاته القديمة المتعاطفة مع الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، تعود إلى الواجهة بقوة.

تاريخيا كان تبون جزءا من تيار داخل السلطة الجزائرية يرى أن الرهان الحصري على الشرق خطأ استراتيجي، وأن بوابة الحداثة والازدهار تمر عبر الشراكة مع القوى الغربية الكبرى. لكن وصوله إلى الحكم كان في أسوأ توقيت ممكن: حراك شعبي يرفضه، جائحة كادت تنهي حياته، واضطرابات دولية جعلت ولايته الأولى سلسلة من الأزمات المتتابعة.

ثم جاءت الضربة الأكبر: اعتراف الولايات المتحدة سنة 2020 بسيادة المغرب على الصحراء. حدثٌ زلزل العقيدة الجيوسياسية للجزائر وجعل أي تقارب مع واشنطن يبدو شبه مستحيل في ظل إدارة ديمقراطية لا تكترث للجزائر، ولا تخفي دعمها التاريخي للمقاربة المغربية.

ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، غامرت الجزائر بالتموضع قرب موسكو، مراهنة على انتصار روسي سريع يعيد توزيع موازين القوى. غير أن طول أمد الحرب، واستبعاد الجزائر من نادي “البريكس”، وتقارب روسيا مع منافسين إقليميين للجزائر، دفعت تبون إلى مراجعة الحسابات. فجأة صار “الشرق” أقل جاذبية، والباب الأمريكي يبدو أكثر ضرورة.

وهنا يظهر اسم غير مألوف للرأي العام الجزائري: مسعد بولوص، رجل الأعمال اللبناني الذي أصبح، بفضل زواج ابنه من ابنة دونالد ترامب، واحداً من المستشارين المقربين من الرئيس الأمريكي العائد إلى البيت الأبيض.
فهمت الرئاسة الجزائرية أن طريقها إلى قلب ترامب لا يمر عبر الدبلوماسية التقليدية، بل عبر هذا الرجل الذي يجسد مفتاح الوصول إلى “العائلة المقدسة” في السياسة الترامبية.

منذ 2022 نسجت الجزائر شبكة اتصالات مع بولوص عبر البوابة اللبنانية. واستقبلت بيروت هبات مالية ضخمة من الجزائر، بينها مبلغ يقترب من 200 مليون دولار، ودفعات من الوقود لإنقاذ منشآتها الكهربائية. خطوة فسّرها البعض كمساعدة إنسانية، لكنها كانت في الواقع رشوة سياسية ناعمة هدفها استمالة بولوص ومن خلاله التأثير على ترامب نفسه.

لقد نجحت العملية. فبولوص بات اليوم وسيطاً غير معلن بين الجزائر وواشنطن. لا يعادي المغرب، لكنه يضغط من أجل صيغة تسوية لا تحطم المصالح الجزائرية ولا تهز المؤسسة العسكرية التي بنت جزءاً من شرعيتها على ملف الصحراء.

تبون يرى أن ترامب، بعقليته التجارية البراغماتية، قد يكون الرجل القادر على منح الجزائر مساحة تفاوضية جديدة. ليس لأن البيت الأبيض سيغيّر موقفه من المغرب، بل لأن “ترامب رجل الصفقات”، ويمكن إغراؤه بتعاون اقتصادي وأمني يسمح للجزائر بالعودة إلى طاولة الفاعلين بدل أن تبقى محصورة في زاوية الاعتراض.

إنها مقامرة سياسية كبيرة. لكن بالنسبة لرئيس يعيش عزلة داخلية وتآكلاً للشرعية، قد تكون الورقة الأمريكية آخر محاولة لإعادة صياغة مستقبل بلاده في منطقة تتحرك رمالها بسرعة.
هل سينجح؟ أم أن رهانه على ترامب سينقلب عليه كما انقلبت رهاناته الروسية والصينية؟
الأسابيع المقبلة ستكشف ما إذا كانت الجزائر تدخل مرحلة جديدة من “الدبلوماسية العائلية” أو مجرد فصل آخر من التردد الاستراتيجي الذي رافق حكم تبون منذ بدايته.


0 التعليقات: