إن الكشف عن استضافة قطر لشبكات من الحسابات التي تهاجم النظام الملكي المغربي بشكل منهجي يزيل حجاب الإنكار المعقول في حرب المعلومات الحديثة.
لقد أصبحت ميزة شفافية الموقع الجديدة في تطبيق X، عن غير قصد، بمثابة قنبلة دبلوماسية، إذ كشفت عما يبدو أنه حملة تأثير منسقة انطلاقًا من قطر ضد المغرب والملك محمد السادس. إن هذا الاكتشاف يتحدى الاعتقاد السائد بشأن التنافسات الإقليمية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تُعتبر الجزائر تقليديًا الخصم الرئيسي للمغرب، وخاصةً بشأن الصحراء المغربية. يكشف هذا الفضح التكنولوجي عن شبكة أكثر تعقيدًا من التوترات الإقليمية، حيث تمارس دول الخليج قوتها الناعمة من خلال وكلاء رقميين بدلًا من القنوات الدبلوماسية التقليدية.
يشير حجم هذه الحسابات
القطرية وتنسيقها إلى أكثر من مجرد انتقادات معزولة، بل إلى عملية إعلامية معقدة. هذه
الحسابات العربية المؤثرة، التي كانت في السابق متنكرة في صورة أصوات من دول مختلفة،
بما فيها الجزائر، تستهدف بشكل منهجي سمعة المغرب الدولية واستقراره الداخلي. يثير
هذا الكشف تساؤلات حول مصداقية الخطاب الإلكتروني في العالم العربي، حيث يمكن للحسابات
المجهولة التأثير على الرأي العام مع إخفاء ولاءاتها الحقيقية ومصادر تمويلها.
يأتي هذا الاكتشاف
في وقتٍ حساسٍ للغاية للعلاقات القطرية المغربية، التي شهدت توتّراتٍ دوريةً حول قضايا
تتراوح من الصحراء المغربية إلى التحالفات الأوسع في الشرق الأوسط. وكثيرًا ما اصطدم
دعم قطر المزعوم لحركات الإسلام السياسي بالنظام الملكي المغربي الأكثر تقليديةً وحرصه
على الموازنة بين الشراكات العربية والأفريقية والغربية.
يُسلّط كشف هذه الشبكات
الضوء على تحوّل جوهري في كيفية إدارة الدول للتنافس في القرن الحادي والعشرين. فبدلاً
من الدبابات على الحدود أو الدبلوماسيين في قاعات المؤتمرات، تتجلّى جبهة الصراع الجديدة
في محتوى ملايين المستخدمين، حيث يُمكن لإدارة التصوّرات أن تكون أقوى من القوة الصلبة
التقليدية. بالنسبة للمغرب، يُبرّر هذا الكشف شكوكًا راسخة حول التدخل الأجنبي في خطابه
الداخلي، بينما تُواجه قطر خطر مزيد من العزلة في وقتٍ تعمل فيه هذه الدولة الخليجية
الصغيرة على إعادة بناء علاقاتها الإقليمية بعد الحصار الذي فُرض عليها بين عامي
2017 و2021.
تُسلّط هذه الحادثة
الضوء أيضًا على سلاح الشفافية ذي الحدّين في منصات التواصل الاجتماعي. فبينما صُمّمت
ميزة تحديد الموقع الجغرافي في تطبيق X على الأرجح
لمكافحة المعلومات المضللة وشبكات الروبوتات، إلا أنها أصبحت، دون قصد، أداةً لكشف
عمليات المعلومات على مستوى الدولة، مما قد يُفاقم التوترات الدبلوماسية بدلًا من تهدئتها.
تُثير دراسة الحالة
هذه في الحرب الرقمية تساؤلاتٍ عميقة حول السيادة في عصر الإنترنت. فعندما يُمكن شنّ
عمليات التأثير من دولةٍ ضد أخرى بأقل تكلفةٍ وأقصى قدرٍ من الإنكار، تُصبح المفاهيم
التقليدية للسلامة الإقليمية وعدم التدخل مُتقادمة بشكلٍ متزايد. قد يُطالب المغرب
الآن بمعايير دولية أقوى ضد التلاعب الحكومي بوسائل التواصل الاجتماعي، بينما قد تُجادل
قطر بأن بيانات الموقع مُضللة أو أن الحسابات تُمثل أصواتًا شرعية للمغتربين.
مع تسهيل الذكاء الاصطناعي
إنشاء حسابات مزيفة مقنعة وتوليد محتوى مقنع على نطاق واسع، فهل سيكون التطور التالي
في ميزات شفافية المنصة كافياً للحفاظ على الخطاب العام الأصيل - أم أننا نشهد تآكلًا
دائمًا للثقة في الاتصال السياسي عبر الإنترنت؟








0 التعليقات:
إرسال تعليق