ماذا أضافت التفاعلية للأدب الرقمي ؟عرض : غزافيي ماربريل
قبل أن أشتغل بموضوع الأدب على الحاسوب كثيرا ما خامرتني بعض الأفكار والتصورات التي ترى في الإبداع الأدبي إنتاجا ورقيا بين دفتي كتاب نقتنيه من كتبي أو من رفوف مكتبة عامة .
وقد كان لعلاقتي بالحاسوب وتوفري على مجموعة من الأقراص المدمجة دورا حاسما في تغييرتصوري وعلاقتي بالأشياء وهذا ما أود أن أبسطه من خلال هذا العرض .
فإلى حدود سنوات الثمانينات من القرن الماضي لم يتغيرالنظام المادي والإقتصادي للأدب منذ قرون ، بمعنى أن الأدب قد ظل ولمدة قرون خلت يتكون من ثلاث محطات أساسية .
ففي المحطة الأولى كان الكاتب ينتج عمله الأدبي على الرق أوعلى الورق ... ثم في مرحلة ثانية ظهرناشرون سواء منهم أصحاب المطابع أو الجرائد أوعبرالوسطاء الناشرين وهؤلاء هم من حملوا على عاتقهم نقل الإنتاج الأدبي إلى القراء والمتلقين ... وفي محطة أخيرة وكما جرت بذلك التقاليد الثقافية يتناول القراء هذه الأعمال الأدبية ليقرأونها وليطالعونها من دون إمتلاكهم لأدنى قدرة على تغييربنية ما يقرأون . وانطلاقا من الحالة المادية للكتاب أو إنطلاقا من وزنهم الفكري والمعرفي فهم إما ينشرون أعمالهم الأدبية والفكرية على نفقاتهم الخاصة أو قد ينشرونها بمقابل مادي وباتفاق مع دورالنشر .
لقد كان نشرالعمل الأدبي يقتعد على سلسلة ودورة أساسية كانت في الكثيرمن الأحايين وعلى مر السنين تلغي لحظتي الكتابة والقراءة معا .
وخلال القرن التاسع عشرأصبحت مهنة الناشرفاعلا إقتصاديا أساسيا في عالم الأدب إلى درجة صارمعها الأدب قرينة للنشر. وفي سنوات الثمانينات من القرن الماضي حدثت ثورة تكنولوجية قلبت هذه الوضعية : إنها ثورة الرقمية .
ولنتساءل بداية ماذا نتج عن إستعمال المعالج الشبكي ؟
لقد إكتشف العديد من الناس خلال سنوات الثمانينات والتسعينات أنه من خلال شاشة الحاسوب يمكن تحويل الإشارة الرقمية إلى حروف وأرقام ، واكتشفوا أنه فضلا عن إمكانية إنجازأغراض خاصة كحجزتذكرة طائرة أو التعامل مع بورصة القيم يمكنهم أيضا إنجاز كتاباتهم الحميمية والشخصية .
وهكذا إلتأم العديد من الكتاب فيما يسمى ب ( سيرفرالتراسل ) كي يقتسموا ويتبادلوا إنتاجاتهم الأدبية وقد تمكنوا من خلق شبكاتهم النتية الخاصة التي لم تتطلب أي إستشارة أو موافقة قانونية للنشر والذيوع .
إن ما جد في هذا الصدد هو أن العديد من الأشخاص المغمورين أو المهمشين قد تمكنوا من كتابة مدوناتهم وجعلها رهن إشارة القراء بشكل أكثرسرعة ومباشرة ... ونعني هنا بالسرعة تجاوزالحدود والوسائل والوسائط وحالة الترقب وإجمالا تجاوز كل العوائق التي قد تسهم في تعطيل أو إعتراض نشر كتاباتهم .
ونعني أيضا بالسرعة والمباشرة هنا أن الأمر لم يعد يتطلب أكثر من ثوان قليلة جدا بين الكتابة ونشرها الشيء الذي شكل بالفعل تجديدا مطلقا ... و أخيرا نعني بالسرعة والمباشرة أن هذه الكتابة الجديدة لم تعترضها أية رقابة .... فليس المجال هنا لأية رقابة أخلاقية ( منع كتابات تتعرض للأخلاق العامة ) أو رقابة إقتصادية مالية تتمثل في سلطة الناشر أو رقابة إنتماء إلى مجموعة فكرية .
إن التجديد الذي أضافه هذا النوع من الكتابة الرقمية كوسيلة لألغاء مختلف أنواع الرقابات التي كانت تقف حاجزا بين الكتاب والقراء والتي أسهمت في تحديد ماهية الأدب .. إن هذا التجديد وهذه الإضافة الرقمية النوعية تتمثل في إعادة طرح الأسئلة الأساسية حول الأعمال الأدبية .
وبالتالي إذا أصبح الأدب إنتاجا يختلف عما ألفناه من وسائل ورقية وكتبية ، فأي مفهوم إذن صار للنص اللأدبي اليوم ؟ وكيف يمكن تحديده ؟ ومالذي يحدد عملا أدبيا ما ؟
لقد كان الأدب فيما قبل يعني فيما يعنيه إستثمارمجموعة من الأدوات اللغوية والبلاغية والتركيبية بهدف إرسال معنى ما ، أو شعورا ما ، كما يمكن أن نميز بين أدب كتابي وآخر شفهي .
وقد إعتدنا على الأدب الكتابي إلى درجة أننا أغفلنا الأدب الشفهي وبالرغم من أن هذا الأدب الشفهي حاضرفي العديد من المجتمعات ،( فالأوديسا قد كانت عملا شفهيا قبل أن تكون عملا مكتوبا ، وهذا أمرلايجب علينا نسيانه . فمنذ القديم وجدت جسور بين الكتابي والشفاهي ، جسور مازالت حاضرة إلى اليوم في حضارات أخرى .
ومن خلال هذه الصورة كيف يمكننا أن نحدد معنى للأدب بشكل مطلق ... وهل باستطاعتنا تحقيقه ومالذي سيحدد هذه المقاييس المطلقة ؟ ومن سيحدد أيضا كون عمل أدبي ما يندرج ضمن هذا التحديد المطلق ؟
إذا كان تحديد مفهوم للأدب في صورته الرقمية الراهنة أمرا عسيرا ومستحيلا فلابأس أن نحدده وبمقاربة نسبية على الأقل ...
هناك العديد من النقط الواضحة بخصوص هذا التعريف ، وبداية هناك وجهة نظرالكاتب الذي يحدد
هويته ككاتب إنطلاقا من وجهة نظرذاتية . وهناك وجهة نظرالمؤلف الذي يرى في تحديد مفهوم الأدب في الأدب ذاته . وأخيرا هناك وجهة نظرالناشر ، لكن قبل كل شيئ لنتساءل من هوهذا الناشر، إنه من دون شك مقاول أو مستثمرأنشأ مشروعا لنشر الكتب ، والقيمة التي يربطها بمنتوجه هي ذات القيمة التي تربطها أية مقاولة بأسهمها في بورصة القيم ... والكل هنا على علاقة واضحة بالقروض البنكية ، أما الإيمان بجدوى الأدب في هذا السياق فهو ضرب من الوهم .
وإذا ما رمنا تعريفا وجيزا للأدب كمنتوج لغوي مبنين ومشترك يمكن أن نقول أن الكتابة عبرالرقمية قد ترفع هذا التحدي في تعريف النص الأدبي .
وبالإشارة إلى العمل الدقيق الذي تقوم به الرقمية من خلال أسلاك الهاتف من أجل نشرالكتابات فإن هذا يذكرنا بخاصية التمازج بين الشفهية والكتابية في مجال الأدب .
فمن خلال الشفهية يمتلك الأدب خاصية المباشرة والسرعة وبالإستناد إلى العديد من الشهادات الشفهية فإننا نستخلص من مظاهرالشفهية العفوية والسرعة والفجائية وردود الفعل التلقائية .
لكن عكس هذا فالكتاب ومن خلال عمليتي الكتابة الخطية والتفكيرتكون لهم فرصة التوقف والتأمل والتفكيروقد إستطاعوا الإنتشارأدبيا وعبرالشبكات النتية وبذلك تم العبورمن الأدب المكتوب على الورق إلى الأدب عبرالرقمية والشبكية بما توفره من إمكانية هائلة لتخزين الأثرالأدبي بواسطة هذه المحركات والسيرفات .
عندما إنتشرالأنترنت وصارا مجالا للبحث الواسع في بداية التسعينات كانت الشبكات النتية التي تم إطلاقها بواسطة الرقمية قد تمكنت من التلاقح فيما بينها .
كما أن ذات السرعة والمباشرة قد مكنت من الإنتقال والإبحار من شبكة لأخرى ، وبذلك باتت خاصية التهجين بين الشفهي والكتابي تنطبق بشكل آخرعلى الأنترنت .
لكن بالإضافة إلى هذه التغييرات والتحولات التي أدخلتها الرقمية في تحديد ماهية العمل الأدبي هناك عاملان آخران هما : الميلتميديا و التفاعلية .
فالميلتميديا بما هي إمكانية مزج وانصهارالإبداع الأدبي في الصورة والصوت فضلا عن الإمكانات التي يوفرها نظام الترابطية ( HTLM ) التي تعتبرلغة مكونة من خطوط بسنن ( ASCIL ) أي السنن المعياري الأمريكي للمعلوماتية واحتواء كل ما هو خطي وميلتميديا .
إن التفاعلية هنا وفي هذا السياق تعني إمكانية ربط حدود هذا الفضاء المعنوي فيما بينها عبرالشبكة العنكبوتية والترحال من فضاء إلى آخر بواسطة نقرات بسيطة على الماوس ، إنها أيضا إمكانية التعامل والـتاثير في العمل الأدبي الذي نحن بصدد إستكشافه .
فبفضل هذه الخاصيات الثلاث التي يوفرها نظام النص المترابط والتي هي السرعة والملتيمديا والتفاعلية ، فقد تم إبداع أدب جديد وعلينا أن نشيرإلى الأهمية التي تحققها التقنية كمحرك لامحيد عنه في هذا المجال .
التقنية لاتعمل فقط على تحقيق العمل الأدبي لكنها تحفزه بل قد تلهمه أيضا .
حينما نرى هذه الأعمال الأدبية الرقمية على الشاشة فإن العديد من المتلقين يتساءلون إن كان ما يشاهدونه أدبا أم لا ... والجواب في رأيي هو بالإيجاب إذ بما أننا نرى أثرا مكتوبا ومخطوطا فليس الشكل الذي يحتويه هو ما يهمنا (سواء أكان كتابا أم غيره ) لكن ما يهمنا هو المعنى والإحساس الذي يصدرمنه والتساؤلات الواردة من خلال اللغة المتبدية على شكل قصيدة شعرية أو نص نثري .
إن إنتقال الأدب على المساحة الفضية يجب علينا أن نعتبره عامل حيوية بالنسبة للإبداع الأدبي الذي سيتجدد لامحالة بفضل هذا السند الرقمي والتكنولوجي الجديد .
لكن مرة أخرى لنتساءل بأية طريقة ؟.
إن الأنترنت يمنح للشخص الكثير من القدرة والسلطة التي لم تكن لديه فيما قبل من خلال نشرأفكاره وأعماله بمجهود وبنفقات بسيطة يصيربفضلها أي كاتب ومن أي مكان في العالم وأن يصبح مشهورا وبدون وسيط .
كما فقد جعل الأنترنت من الأدب إنتاجا ديناميا وبذلك إنخرط في زمرة الفنون السينمائية وليدة القرن العشرين .
وأخيرا جعل من الأدب أعمال فنية تقرأ وتشاهد ... لكن علينا ألا نغتر بأن هذه الوسيلة مجانية ... إن الجامعات هي التي تتحمل بالدرجة الأولى هذا العبء الطليعي باحتضانها للمبدعين ومنحهم مقابلا لإبداعهم هوما يجعل هذه الأعمال الأدبية ذات إطارمؤسساتي .
0 التعليقات:
إرسال تعليق