الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أغسطس 18، 2015

بين الرقمية والسياسة


بين الرقمية والسياسة
ترجمة عبده حقي
مما لاشك فيه أن النقاش الدائرحاليا حول دورالشبكات الإجتماعية والمدونات المواطنة والمدونات السياسية وبصفة عامة إستعمال تكنولوجيا المعلوميات والتواصل لأجل غايات سياسية عامة بات
يستوجب إعادة طرح عدة أسئلة حوله وفي سياق أوسع وأشمل ، بحيث منذ 15 سنة ظلت تطرح هذه الأسئلة حول علاقات التكنولوجيا الحديثة بالحراك الديموقراطي وتطرح بشكل أكثر إلحاحا ...
هناك طائفة من المتفائلين بدأت تطرح وجهة نظرها حول واقع التعارض بين أداة التعبيرالحرعلى مستوى العالم الشبكي في مواجهة نمط التراتبية السلطوية وعقلية التمركز..هؤلاء المتفائلين أصبحوا يحتفون على طريقتهم بالديموقراطية الشبكية بل بدأوا يرون فيها مشجب الأمل الذي سوف يعلق عليه حركية الإقتصاد اللامادي ، وقد تعاظم هذا التفاؤل بسبب قدرة المواطنين على التفاعل وبسرعة باعتمادهم على آليات معلوماتية متعددة وقدرتهم على التعبيرومن دون رقابة بل وإستطاعتهم أيضا خلق مجموعات للتفاعل وردود الفعل من دون حاجة إلى إتصال مباشر.
وهذه التقنية الحديثة قد مكنت المواطنين من المشاركة المباشرة في إتخاذ القرارات على شكل إستفتاء إلكتروني .
إن بنية التواصل اللحظي لابد أنها ماضية في إزاحة المؤسسات التمثيلية التقليدية وتجاوزبطئها وبنياتها الهرمية حيث الأوامرالسلطوية تنزل من القمة إلى القاعدة وحيث المعلومة المحتكرة تضايق الميديا الذاتية (الشخصية ) التي صارباستطاعة كل مواطن يأن ينشئها ويمتلكها في مساحة الشبكات الإجتماعية .
في هذا النموذج الذي سيحرر المواطن المثالي من كل إرتباط بالسلطة سيصبح باستطاعته وبمقدوره أن يعارض سيطرة ميديا السلطة بأليات حرية التعبيرالتي لن يحدها أي متراس مادي لأنه بات يتوفر على المعلومة بكل يسر.. فهو لم يعد ذلك المواطن الخاضع للغة وخطاب ميدياتيك المؤسسات من دون ردود أوتعاليق أوتعقيبات أوأجوبة ، بل أكثرمن هذا فهو اليوم مرسلا ومنتجا في آن واحد للخطاب وقادرا بواسطة أدوات بسيطة (حاسوب وخط هاتف) أن يعرف ويطلع العالم كله على رأيه ووجهة نظره وموقف جماعته لأن العالم الشبكي قد وفرلهم إمكانية التجمهر regroupement عن بعد أي مابات يسمى بالتجمهرالإفتراضي .
في هذه المجموعات يقررالأعضاء إنتماءاتهم بكل حرية ويجتمعون بدافع نفس الرغبات والحوافزويفرضون هويتهم بصرف النظرعن ضوابط القانون الإجتماعي والإرتباطات بالطبيعية والجذورية والحدود الجغرافيا .
ماهي إذن مطالب هؤلاء الفيسبوكيين والمدونين
المزيد من حرية التعبيروالفعل السياسي كيفما كان سواء على مستوى النقد أورفع سقف المطالب
المزيد من المساواة أكثر والمزيد من تكافؤالفرص
المزيد من التضامن والتعاضد بين أعضاء الجماعات الإفتراضية
لكن في المقابل ما هو رد المتشائمين ؟
أما رد المتشائمين ، التكنوفوبيين الذين يفكرون بهاجس إستباق الكارثة فإن العالم الشبكي في نظرهم يجب أن يخضع للسيطرة بدعوى أن الزعم بفرضية الإقتسام العادل العالمي للثروات وتكافؤ الفرص يضمرفي طياته أهداف ماكروتجاربة كونية .
إن فهل ستقود نهاية سيادة الدولة في العالم الشبكي إلى التراجع والتملص من مسؤولية المراقبة الجماعية المخولة للفئات المستضعفة .
إن السيطرة التي تتحقق باسم التقنية وبقوة تطورالأشياء الراهنة أوبضغط الحاجات الإقتصادية ... هذه السيطرة سوف تفرض نفسها بشكل أقوى على المؤسسات التقليدية المتقادمة . فالهوة سوف تتسع بين الفاعلين في الثورة التكنولوجية .. بين أولئك الذين يفهمونها جيدا ويوجهونها وبين من تأخروا عن قطارها ومكثوا قابعين في المحطة.. قمن دون قوة ضغط في مواجهة القوى التي إنفلتت من بين أيديهم .. وأخيرا بأن التراجع عن الوساطات السياسية يسيربتواز مع فقدان الفضاءات العامة والزمن السياسي .
من دون شك أن تكنولوجيا التواصل سوف تتسبب في تراجع المجال الخاص إلى مواطنة تختزل في تفاعلية خالصة . وستقوم على أنقاض إنهيارالمؤسسات والوساطات الكلاسيكية المتعلقة بديموقراطية التمثيليات المنتخبة التي ستقوم بنوع من اللامبالات والديماغوجية والتلاعب بالإضافة إلى حجة وبرهان ليس هناك مواطن من دون حدود لهذا الوطن ومن دون إيقاع الحياة السياسية ومن دون الماضي المشترك للجماعة يجب إضافة لامواطن من دون مؤسسات وتمثيليات الدولة .
ما العمل إذن للفصل بينهما مع تجنب البلاهة من قبيل تكنولوجيا المعلومات والتواصل ستصيرأحسن أو أسوء الأشياء تبعا للإستعمال الذي نوظفها فيه ... ويبدولنا أنه بعد أكثرمن 15 سنة من هذا النقاش والحواروالتجارب الحقيقية والتطبيق الفعال السياسي على النت يمكننا من أن نستخلص بعض التيارات
ـــ هل إستطاع النت أن يقودنا إلى الديموقراطية المباشرة .
يقصد بالديموقراطية المباشرة النظام الذي يمكن الشعب من تجاوزممثليه ليعلن عن إرادة وإلى حدود هذه اللحظة والعملية تقوم التجمع الواقعي للمواطنين في مكان ما حيث يمكنهم مناقشتها .. إنه نفس الأمرالذي وقع في أثينا القرن الخامس وهذا ما حصل في بعض الكانتونات السويسرية وهكذا كان تصورروسو للديموقراطية .


0 التعليقات: