تاريخ العلاقة بين الشعروالرقمية .
هل باستطاعة الحاسوب أن يبدع قصيدة شعرية ؟ لقد طرح هذا السؤال منذ 1959 عندما توفق كل من (ماكس بانس ) و( باتيولوتز) في خلق أولى الأشطرالشعرية الإلكترونية باللغة الألمانية , ومنذ ذلك الحين يمكن أن نقول أن القصيدة الشعرية في أوروبا والعالم فيما بعد قد عرجت على عصرالتجريبية كما أن الإبداع الأدبي بشكل عام قد شرع في الإنغمارفي تجارب ممنهجة ومبرمجة على مستوى آليات المعالجة المعلوماتية إن هذا التحول كان السبب الرئيسي في تنظيم ندوة سنة 1960 حول الأدب التجريبي ثم ندوة ثانية في 22 دجنبرمن نفس السنة تحت عنوان ورشة ( أوليبو) ، ففي هذا السياق إنطلقت المحاولات الأولى في فرنسا قصد التفكيرفي أشكال جديدة للكتابة أوبالأحرى الكتابة والقراءة معا مستفيدة من تقدم الإعلاميات وعلوم معالجة المعلومات , وتواصلت الأبحاث في هذا الصدد مع جماعة ( ألامو) منذ سنة 1981 التي تأسست من طرف جماعة منشقة عن ورشة ( لوليبو) , ويعود تأسيس جمعية (ألامو) بالضبط إلى طفرة التقدم التكنولوجي ، ففي سنة 1979 ظهرالجيل الأول من الحواسيب المشتملة على شاشات , وبالتالي ظهرمع هذا التجديد عامل التفاعلية حيث إندرجت الصورة في بنية النص بالإضافة طبعا إلى جماليات جديدة جاءت بها الإعلاميات , وفي سنة 1985 أقيم معرض تحت عنوان ( اللاماديات ) في باريس بمركزجورج بومبيدو خصص حصريا للتيليماتيكا والحواسيب المتعددة الوسائط وهناك ظهرالنص الأدبي بشكل جديد حيث أضيفت إليه الصورة والصوت والحركة واللون , وفي سنة 1989 وتحت إشراف جمعية ( لير) ( laire ) التي رأت النور في فرنسا بمدينة فيلنوف تم إصدارأول مجلة متخصصة في الشعرالحاسوبي الذي تم نشره على أقراص مرنة ( ديسكيتات ) ثم على أقراص مضغوطة (سيدروم ) فيما بعد , وفي بداية التسعينات كان التحول الكبيرحيث قامت جمعية (لوليبو) بدورات تعريفية بكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وابريطانيا , بعد ذلك تم خلق إطارات وجمعيات على غرار( لوليبو ) في المسرح والرواية البوليسية والسينما والقصص المصورة وقد تم توثيق هذه المرحلة في كتاب نشرسنة 1999 قي لندن ، ومع مد الإنترنت سنة 1995 صارالأدب الإلكتروني ظاهرة ملفتة وقوية وحقيقته صارت أمرا واقعا ,,,
واليوم ماهي الحصيلة بعد زهاء نصف قرن من التجريب والتفكيروالبحث وإلى أي حد وصل الإبداع الشعري الرقمي بعد مراحل تطوره من التقليد إلى المحاكاة إلى الحركية وأخيرا التفاعلية ,
على مستوى التقليد :
فقد إنطلقت أولى المحاولات الشعرية الإلكترونية كفعل تقليد ، فالحواسيب والإعلاميات تم توظيفها في بداية الأمركأدوات لإنتاج أوبالأحرى إعادة إنتاج أعمال ومؤلفات أدبية مشهورة باعتبارها أعمال أدبية نموذجية , ويمكن الإستناد في هذا الإطارإلى النصوص الأولى أي نصوص التأسيس خصوصا أعمال ورشة ( لوليبو) التي أطلقها فرانسوا لوليوني الرئيس المؤسس ل( لوليبو) ويكفي فقط أن نطالع كتبه في هذه المرحلة ، ومن بين ورشات الأبحاث التي قام بها أنه توصل إلى خلق تيارسماه ( أنوليبيسم ) وكانت الغاية من هذا التيارهو البحث في الأعمال الأدبية السابقة عن إفتراضية تتجاوزإرتباك الكتاب وقلقهم وقد برزت هذه الفكرة منذ ظهورها كخطوة ملفتة دفعت بالكثيرإلى إقتباسها ,
على مستوى المحاكاة :
لقد تطورالأمرإلى شكل شعري تجاوزالتقليد بل لقد صارعند فرانسوا لوليوني محاكاة وقد تم تحديد هدف آخرمختلف تماما وتمت إستعارة مفاهيم من مجال الإعلاميات ، فلم يعد يتعلق الأمربعملية إعادة إنتاج فعل إبداعي سابق ولكن صارالأمريتعلق بعملية تتقاطع فيها نفس المبادئ مع الإعلاميات ، وهي عملية إشراك الحاسوب في مساحة واسعة من العمل الأدبي , لقد كان إنتاج نص شعري مابين 1960 و1980يعني فعل صناعة بواسطة الحاسوب وقد فكرقبل هذه المرحلة رايمون كونو في نشرمئة مليارقصيدة من خلال سلسلة من السونيتات العشرالمطبوعة على لسينات متكونة من أوراق مستقلة وبالتالي يكون هذا العمل هوالبذرة الحقيقية لمحاكاة العمل الحاسوبي ,
إن الأمريتعلق هنا بمناولات تمكن من تركيب وإنتاج سونيتات جديدة ومختلفة وهذا بالضبط هوما يعنيه عنوان المشروع مئة ألف مليارسونيتة وهو الرقم الحاصل أو أكثرمن ذلك ، وإلى حدود أواخرالتسعينات وبفضل دارالنشر( غاليمار ) تم إصدارقرص ميلتيميديا تحت عنوان (آلة للكتابة) يتضمن طبعة معلومياتية ، وبشكل عام يتعلق الأمرببرنامج إنتاج وخلق حيث تبقى المبادرة الإبداعية للمتلقي الذي يستند إلى لائحة جاهزة مسبقا , غيرأن هذا العمل رغم ريادته وسبقه المعلومياتي لايمنع من الإشارة إلى أن درجة التفاعلية فيه كانت ضئيلة وغيرذات أهمية ، ومنذ 1981 وبعد تأسيس جمعية (ألامو) ظهرمفهوم جديد وهو مفهوم (التوليد) ، فالتوليد في الحقل المعلومياتي يعني مسلسل من توليد نصوص جديدة بواسطة برنامج معلومياتي ( لوجيسيال) يسمى ( مولد ) قادرأيضا على تركيب خطابات جديدة وبالتالي أصبح بالإمكان توليد أعمال أدبية جديدة إنطلاقا من نموذج مبرمج لهذا الكاتب أوذاك ,,, كما ظهرت سلسلة بين سنتي 1994 و1997 حاولت أن تعرف بإنتاجات أدبية تراهن على تلاقح الأدب بالتقانة ,على مستوى الأدب المتحرك :
منذ سنة 1978 حدثت قطيعة تكنولوجية عندما ظهرت الحواسيب الشخصية المتوفرة على شاشات ما سهل على إدراج عنصرالصورة في بنية النص الأدبي وقد إنصب التفكيرعلى دورالصورة بنفس قدرالإهتمام بالنص المرقون كما صاربالإمكان أيضا ( تحريك ) ANIMATION بمعنى إدراج الحركة بواسطة عامل تركيب الصور، وبفضل تقدم ( الأنفوغرافيا ) وتوظيف المعلوميات في الإبداع البصري / المرئي والفني إنشرعت حقول أخرى جديدة للبحث لتضفي على مظهرالكتابة بواسطة آليات التنقيل والتبديل للمادة الأدبية على الواجهة , لكن بالرغم من هذه التحولات الرقمية ظل مصدرالإيحاء دائما تقليديا , ففي البداية كان الرواد أمثال (جون ماري دوتي) و(فرانسوا دوفولاي) و(تيبورباب) و(فيليب بوتز) يشتغلون على النصوص المخطوطة باليد وقد إنحصرالعمل المعلومياتي في المظهر البصري على مستوى حركة الكلمات والجمل وعلى تنقيلاتها ومرورها ولولبتها وتضعيفاتها , وقد تم تعميم ونشرهذه المحاولة التجريبية سنة 1984 و1985 خصوصا خلال المعرض الذي أقيم بمركز(جورج بومبيدو) والذي خصص لتيمة ( اللاماديات ) أما أول مجلة شعرية وتحديدا المجلة المتخصصة في النصوص المتحركة الإلكترونية هي مجلة ( لير) التي تم إطلاقها سنة 1989 من طرف مجموعة ( ألير) وموازاة مع التطورالتقني تمكن الكتاب من إستيعاب التغييروإحداث مؤثرات المحاكاة والتقطيع والإضافة إلى جسد المادة الأدبية ، ومن مقاربة لأخرى ضمن أبحاث ودراسات المجلة تم تأسيس مايسمى بجمالية ( الميتامورفوز)على مستوى التفاعلية :
بموازاة مع كل هذا حدثت إختراعات جديدة إقتحمت حقل المعلوميات والأدب المعلومياتي أوالإلكتروني ( مثل الأيقونات والنوافذ وعلب التحاوروقائمة الأدوات والواجهات الغرافية الخاصة وظهرت أيضا حواسيب المانكيتوش والوينداوز وكل هذا أسهم في إحداث ثورة في العلاقات مع النظم المعلومياتية,إن التفاعلية قد أسهمت في إدراك علاقة التحاوربين الحواسيب ومستعمليها حيث أصبحت علاقة متبادلة وتفاعلية في الإتجاهين ، فالمستعمل يعطي أوامرللحاسوب وهذا الأخير يقوم بالإستجابة والرد , إن هذه العلاقة الجديدة مع النص الإلكتروني إنتقل تأثيرها من فرنسا مع جمعية ( ألامو) إلى إيطاليا مع جمعية (طيانو) البرتغال مع (بيدرو باربوسا ) و( أبيليوكافاليرو ) وفي الولايات المتحدة الأمريكية , ولقد برز في هذه المرحلة توجهان مختلفان على الضفتين الأوروبية والأمريكية بحسب الدورالإيجابي أوالسلبي للمتلقي , ففي الولايات المتحدة شجع ظهورنظام ال ( الهيبيركارد ) سنة 1984 على المضي في الأبحاث الخاصة باستعمال نظم برمجة النصوص المترابطة أو المتعددة الوسائط وذلك منذ سنة 1987 لغايات أدبية وجمالية ومنذ سنة 1995 ومع (بيغ بانغ) الإنترنت عرفت النصوص الشعرية المترابطة تطورا هاما وملفتا سواء باللغة الفرنسية أوالأنجليزية أوالإسبانية أوالإيطالية أوالبرتغالية ,وإعتمدت هذه الطريقة على تصورلفعل القراءة وتلقي سلبيين ,,, فلم يعد مستعملوا الحواسيب سوى متلقين عابرين في المتن المترابط والإبحارداخل العالم المتخيل الذي أبدعه وفي المقابل إتجهت الأبحاث والمجهودات في أوروبا إلى تصوراكثرإيجابية في علاقة المتلقي مع النص المترابط وكانت هذه العلاقة سببا في ظهورمفهوم إذا صح التعبير( الكاتبقارئ ) ( l’ecrilecteur ) وفي الإشتغال على ( الأدب / لوجيسيال ) أي الأقراص المضغوطة المبرمجة خصيصا للإبداع الأدبي الشعري إذ تمكن القارئ من الإنخراط بل الإسهام ، وفي سنة 1994 وبعد إثنتا عشرسنة على ميلادها إبتدعت جمعية ( ألامو) مكتبة إستعراضية خاصة بالإنتاجات الأدبولوجيسية ,إن علاقة الإبداع الشعري بالحاسوب وتاريخها مازال يتطلب الكثيرمن العمل , وعلى مايبدوأن هذه العلاقة قد عرفت سيرورتها بطءا ملحوظا إذا ماقسنا المسافة الزمنية بين سنة 1959 ومطلع الألفية الثالثة وبالرغم من هذا البطء فلابد أن نشيرإلى أن هناك تطوروإبتكاروتجديد إستتيقي قد إقتحم وظائف الأقراص المدمجة الخاصة بالإبداع الشعري والأدبي على العموم , وهذا التطورإرتبط اساسا كما هومعلوم بالتقانة ،في سنة 1989 تم إطلاق أول مجلة للشعرالإلكتروني وظلت هي المجلة الوحيدة المتخصصة في هذا المجال إلى حدود سنة 1996حيث ظهرت مجلات أخرى مثل ( دوك ) ( DOCK )بفرنسا كما عملت هذه المجلات على إرفاق أعدادها بأقراص مدمجة تشتمل على قصائد شعرية ، وفي صيف 1997 في هولاندا وبالضبط في أرنيم تم إصدارأول قرص مدمج للقصيدة المتعددة الوسائط تحت عنوان ( قصيدة وحروف ) وعرفت الشبكة العنكبوتية تطورا خارقا حيث ظهرت أشكال شعرية جديدة كالشعرالشبكي ـ الفن الشبكي ـ الشعرالإلكتروني ـ الشعرالويبي (نسبة إلى الويب ) كما ظهرفي هذه المرحلة ( الفن الإمايلي ) والآلاف من أشكال الشعرالرقمي والشعرالتكنولوجي والشعرالميلتيميدياتيك والإبيرميدياتيك والنص المترابط والنص التفاعلي والنص المتحرك ,,,إلخ وكل شكل من هذه الأشكال يرتبط اساسا بمحاولات وطرق إمبريقية مختلفة ومشفوعة بأفكارونظريات وتقنيات وجماليات , ولقد باتت الصعوبة مع هذه الثورة النتية تكمن في البحث عن مكان في الشبكة العنكبوتية في خضم وفود الآلاف من المواقع الإلكترونية الخاصة بالشعر, إذ إقتصرعمل هذه المواقع الجديدة على إعادة إنتاج المواد الأدبية القديمة بطريقة تقليدية متغافلة وبغيرقصد ما يمكن أن تقدمه الرقمية والإلكترونيك من جدة وأصالة في نفس الوقت , لقد شكلت بالفعل ظاهرة متفردة,إذن خلاصة كل هذا أننا نتحدث عن شعررقمي عندما يلتقي الشعربالمعلوميات والإلكترونيك ويمكن لهذا اللقاء أن يتحقق كما رأينا ذلك سابقا عبرعدة طرائق , ففي البداية كان الحاسوب يساعدنا على توليد النصوص إذا ما برمجناه لهذا الغرض بمعنى أننا نتحدث عن أدب توليدي ثم بعد ذلك صارت الشاشة سندا للقصيدة بمعنى أنها أصبحت نصا تفاعليا خصوصا إذا كانت نصا ترابطيا ،
هل هناك أدب رقمي عربي ؟
عندما نثيرسؤال الإبداع الأدبي الرقمي العربي فإن التفكيريتجه أساسا إلى جنسي الشعروالقصة القصيرة باعتبارأن المتن السردي في الجنسين معا يمنح إمكانية تحويل المتخيل إلى نص أدبي رقمي تتلاقح في بنيته أدبية الأدب وإمكانات الرقمية من ترابطية وإبرميديا , وإلى حدود اليوم مازالت حقول الأدب الرقمي العربي بكرا إلا من القليل النادر من الأعمال المعدودة على رؤوس الأصابع ولعل أنتأها وأبرزها حضورا رواية الواقعية الرقمية للأديب الأردني محمد سناجلة الرئيس الأسبق لاتحاد كتاب الإنترنت العرب بأعماله الثلاثة الشهيرة (شات) و(ظلال الواحد) و( صقيع ) وهي أعمال روائية متألقة ومتقدمة زمنيا على الذاكرة الأدبية العربية ما يجعل صيتها محصورا فقط في أوساط الكتاب العرب المهتمين بالأدب الإلكتروني , ففي هذه الأعمال الروائية الرقمية وظف محمد سناجلة جميع إمكانات الرقمية من نص/ترابطي ونص إيبرميدي وصورثلاثية الأبعاد وبالإضافة إلى هذا العمل الروائي الرقمي الريادي هناك أعمال أخرى ظهرت بعد النصف الثاني من العشرية الأخيرة ونذكرمنها في القصة القصيرة نص ( إحتمالات ، سيرة ذهنية لكائن إفتراضي من زماننا ) للقاص المغربي محمد شويكة وقصيدة شعرية للشاعر العراقي مشتاق عباس معن ونص سردي للشاعروالقاص المغربي عبدالنورإدريس بدون عنوان
أخيرا أي أفق نستشرفه للقصيدة الرقمية والأدب الرقمي عموما ؟
لاشك أن النشرالإلكتروني واحتلاله لمساحة شاسعة من المقروئية رهين بانتشارالتكنولوجيا وتعميمها بل ودمقرطتها أي جعل الوصول إليها يسيرا وهذا طبعا سيسهم في توسيع والرفع من درجة الإهتمام والبحث في مجال تقنيات المعلوميات والتكنوأدب ,
0 التعليقات:
إرسال تعليق