الأهم أن نقرأ على كل الأسانيد وعلى مر العصور:
عبده حقي
المقدمة
ما من شك في أن عاداتنا في القراءة تشهد اليوم ثورة هائلة لا تختلف من
حيث تأثيراتها عن ثورة غوتنبرغ في القرن الخامس عشر. فقد نتج عنها تحولً سوسيو ثقافيً
هائل بخصوص طريقة تواصلنا وتفكيرنا
والأهم من كل هذا في أساليب قراءتنا . فالانتقال من القراءة الورقية إلى
القراءة على الشاشة أو القراءة (الرقمية) قد أثار أسئلة مستجدة غير مسبوقة حول
ماذا نقرأ وكيف نقرأ ومتى نقرأ .
فكما هو معلوم لا يتعدى عمر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) أكثر من عقدين
ونصف من الزمن فقط وبالرغم من عمره القصير هذا فقد نتج عن اختراعه وتطويره قائمة هائلة
من تقنيات القراءة الجديدة على مستوى (البرامج والأدوات والمنصات والتطبيقات ..إلخ)
في عالم شبكي تزدحم فيه المعلومات والنصوص يجدر بنا بداية أن نتساءل عن
ما هي تداعيات فعل القراءة سواء على الشاشة أو القراءة الورقية معا على المستوى الذهني
والجسديً ؟ كيف يؤثر ذلك أيضا على دورنا ومسؤولياتنا كآباء وأساتذة وموجهين وجمعيات
تعنى بالقراءة ؟ ما هو دور انتقالنا اللحظي بين الكتب الورقية والكتب الإلكترونية وفي
طريقتنا لدعم التعلمات والتكيف مع أسانيد المعرفة والتواصل المختلفة ؟ ما هي درجات
قلقنا الفردي والجماعي وهذا العصر الرقمي يمضي بنا حثيثا نحو المصير المجهول للسند
الورقي ؟ كيف يغير واقعنا الجديد للقراءة من فهمنا لمحو الأمية وحماية مختلف شرائح
القراء من الضياع والتطرف والانحراف والتيه من دون فائدة ؟ كيف نخلق آليات ونظريات
لتقييم نقدي جديد للنصوص والموضوعات المتعددة الوسائط ، مع الحرص على استمرار لذة الصدفة
في البحث والإبحار عبر الإنترنت ؟ كيف سيتم تدريس مهارة القراءة ودعم سلوكها في عصر
الشاشات وعناصر الترفيه المندسة بين ثنايا النصوص وتأثيرها على ملكتي التركيز والانتباه
؟ ما هو الدور المنوط اليوم بالمكتبات الخاصة والعامة في خضم هذا التغيير الجذري في
وسائط القراءة ؟ ما هي أجوبتنا المقنعة عن سؤال القراءة العميقة أو المعمقة التي صارت
مطلبا محوريا في مجال البحوث العلمية و بيداغوجية الإقراء ؟
هناك إذن عشرات الأسئلة بهذا الصدد التي ليست لها إجابات مقنعة وشافية
في الوقت الراهن ! إنها أسئلة شاسعة ومعقدة تثار اليوم في فضاءاتنا العامة ولا سيما
في مجال التعليم بمختلف مستوياته وأسلاكه ومن دون شك أنها سوف تزداد تعقيدا في السنوات
القادمة مع التطور الجنوني والمذهل في وسائط الاتصال .
لقد أدرك الإنسان منذ القديم أن القراءة على الورق أو على شاشة
إلكترونية أو أي سند آخر تؤثر على انتباهنا إلى المفردات والجمل والنصوص والأفكار والآراء
التي تتوارى بين السطور . فما هي الآثار المترتبة عن استخداماتنا لمختلف هذه الأسانيد
على طريقة تعلمنا ؟
إيجابيات القراءة الرقمية
إنه بالرغم من هذه الأسئلة القلقة والملحة وهذه الصورة الغامضة لواقع
ومستقبل القراءة الرقمية فهذا لا يمنع من الكشف أولا عن بعض مناطق الضوء الإيجابية
فيها ...
إن من مميزات عصرنا الرقمي هذا أن أتاح لنا التواجد الدائم لمختلف
أجهزتنا المحمولة (حواسيب ـ تابليتات ـ هواتف ذكية ) القدرة على ممارسة القراءة في
أي مكان وزمان وفي شتى الأوضاع . فكيف أثر هذا التحول في مختلف الأجيال وفي المشهد
السوسيو ثقافي والاقتصادي وربما حتى السياسي برمته ؟ ما هي دلالات كل هذا في دور الكتاب
الورقي والآليات المستخدمة من قبل المكتبات لجعل القراء مرتبطين دائما بالمعرفة والمعلومة
واكتساب مهارات التعلم وصناعة الكتب وتجارتها ؟ لقد تغيرت ممارسات القراءة لدينا بشكل
عميق في عصرنا الرقمي حيث أضحت طريقة تفاعل القراء مع النصوص مختلفة عن طرق التلقي
الورقي عند الأجيال السابقة قبل ظهور الشبكة العنكبوتية .
فمن عاداتنا الجديدة أننا أصبحنا سباحين مهرة في الإبحار الرقمي على مختلف
أنواع شاشاتنا (الهواتف الذكية والألواح الإلكترونية والحواسيب وغيرها ) بحثا عن المعلومات
وتحميل عديد من الموضوعات التي ربما قد نقرؤها كليا أو جزئيا أو قد نؤجلها للقراءة
أو قد لا نقرأها أبدًا رغم تحميلها وأرشفتها.
تتطلب القراءة الرقمية القدرة على القيام بعدة
مهام وتحديد الأولويات والتركيز الفائق . وهي تحتم علينا تغيير طريقة استيعابنا للمعلومات
حيث الشاشات تشجع على التفكير بشكل أكثر براغماتية .
فقد تؤدي بنا فكرة جديدة إلى البحث عن مفردة
أو معلومة أو رابط أو موقع إلكتروني أو استمزاج آراء الأصدقاء من خلال تدوينة على الفيسبوك
أو تغريدة تويتر بدلاً من اعتمادنا كما
كنا في السابق على التفكير الذاتي والتأمل الطويلين . وفي الوقت الذي تتراجع فيه ممارسة
القراءة التأملية المعمقة نكتسب في المقابل مهارات أخرى حيث تشجع القراءة الرقمية على
الإبداع السريع وربط فكرة بأخرى من خلال الروابط التشعبية مما يتيح لنا إنتاج عشرات
الأفكار الجديدة في وقت وجيز. وما من شك في أن القراءة الرقمية هي أسلوب مختلف عن القراءة
التقليدية وللتكيف مع آلياتها ربما قد يستغرق هذا التحول عشرات السنين وربما جيلين
أو ثلاث لاكتساب مهارات فردية ومجتمعية قرائية حديثة تهدف إلى تقوية ملكة
الاستيعاب الرصين والمفيد وتفسير وتأويل النصوص والمعلومات بشكل نقدي بناء وعلمي وعقلاني
.
سلبيات القراءة الرقمية
إن كلا من
السندين الورقي والرقمي يتمتعان بنقاط قوة
ونقاط ضعف لا جدال في ذلك فالسياق والهدف من القراءة يحظيان بأولويات قصوى فيهما
معا . ومع ذلك فقد برزت عديد من الأسئلة الأساسية حول تأثير القراءة الرقمية في الجانب السلبي على
قدراتنا على الاستيعاب والتعلم والتذكر؟ في عصر طوفان المعلومات والاستخدامات المتعددة
، فإن أدمغتنا قد أصبحت متشتتة وأحيانا عاجزة عن التكيف مع أوضاعنا الجديدة للتفاعل
مع ما نقرؤه وكيف نقرؤه ومتى نقرؤه سواء في الاتجاه الإيجابي أو السلبي .
في ظل هذا التشتت الذهني وفقدان بوصلة التركيز بسبب تعدد الوسائط وطوفان
المعلومات هل باتت عادة القراءة في خطر ومهددة ليس فقط بألعاب الفيديو والكمبيوتر وتطبيقات
التلفزة الرقمية ولكن أيضا بطبيعة النص التشعبي الذي يحتوي على روابط إلهاءات و تغريرات
ترفيهية تندس بين ثنايا النصوص وبيئة نشرها العامة وتحرض المتلقي على الإسراع في
اتخاذ أي قرار في ثانية واحدة للنقر على رابط ما وبالتالي تغيير وجهة الذهن من وظيفة
القراءة النفعية إلى وجهة مختلفًة لا علاقة لها بسياق القراءة ولا بامتداداتها الموضوعاتية
وبالتالي في جو هذه البيئة المتقلبة هل سنفقد القدرة والمهارة المكتسبة لقراءة رصينة
ومفيدة في الحاضر والمستقبل .
نحن إذن في الطريق إلى فقدان سلطتنا الذاتية على فعل القراءة . فقد تغيرت
بيئتنا وطريقتنا في القراءة عكس ما كنا نتوقعه قبل عقدين ونصف من ظهور الإنترنت ؟ كيف
يغير هذا الوسيط الشبكي من طريقتنا في قراءة المحتوى وفهمه . بموازاة مع تغير عادات
القراءة بسبب عناصر الترفيه الرقمي والطبيعة الديناميكية لمكونات الشبكة العنكبوتية
، فإن اهتمامنا بتأمل النصوص الطويلة وقدرتنا على التركيز أصبحت تتناقص إن لم نقل تهدر
في الإبحار الطارئ خارج سياق هذه النصوص . فأهدافنا من القراءة لم تتغير فحسب بل إن
أدمغتنا قد أصبحت تشتغل بطريقة جديدة تؤدي إلى تغيير في إدراكنا المعرفي وبالتالي فإن
هذا التحول السلبي في فعل القراءة يؤثر أيضا على تصورنا لتعامل الكتاب والمبدعين مع
إنجازاتهم الأدبية . إن هؤلاء الكتاب والأدباء من جهتهم قد أصبحوا مسؤولين عن إنتاج
الأفكار والتقنيات المبتكرة المتعلقة بالقراءة الحديثة لتلبية احتياجات متلق جديد ما
يمكن أن أسميه "القارئ المترفه" . يجب أن نغير من مقاربتنا التقليدية لعادات
القراءة وأن نركز على اكتساب مهارات جديدة لمساعدتنا في الحفاظ على قدراتنا على القراءة
الرقمية لكن ليست أية قراءة بل القراءة الرقمية المعمقة .
لقد أصبح الكثير منا قراء سطحيين يرون محتوى كتاب ورقي ما بنفس رؤيتهم
لمحتوى إحدى التطبيقات أو التدوينات أو التغريدات ؟ فهل أثرت عاداتنا في التصفح الشبكي
و الإبحار الرقمي على قدراتنا ورغباتنا في قراءة أروع الأعمال الأدبية المغربية
والعربية لعبد الكريم غلاب ومحمد عابد الجابري وعبد الله العروي وفاطمة المرنيسي وليلى أبوزيد وخناثة
بنونة ومحمد زفزاف ومحمد شكري والطاهر بنجلون وادريس الشرايبي ووعبدالفتاح كيليطو
وغيرهم ؟
من الواضح أن عديدا من القراء اليوم أضحوا يهتمون بشكل متزايد بقراءة
المحتويات الرقمية المختصرة و القصيرة على شكل برقيات عكس ما كان عليه الأمر قبل عقدين
و نصف . فنحن مثلا نقرأ الكتب الإلكترونية على أجهزة الحاسوب أو التابليتات أو
الهواتف الذكية وغالبًا ما تصطدم قراءاتنا بانحرافات ترفيهية آنية وتوقفات ناتجة عن
أنشطة طارئة عبر الإنترنت مما يخلق منا قراءً مشتتي الذهن ننتقل من درس أو مقالة إلى
موقع تواصل اجتماعي ثم إلى قراءة رسالة على البريد الإلكتروني أو مشاهدة مقطع فيديو
لأغنية جديدة أو حدث جديد أو متابعة نشرة أخبار كرة القدم على قناة رياضية أو خبر
عاجل على قناة إخبارية ..إلخ . و بذلك فالقراءة الرقمية تشجع على ترسيخ سلوك الانتقائية
وهذا سلوك يحتم علينا التصفح والتحليل والبحث عن الكلمات الرئيسية (mots clés) والقراءة بطريقة أقل خطية وأكثر انتقائية
.
القراءة الرقمية أيضا متعبة بصريا وذهنيا لأننا نكون مجبرين على انتقاء
الروابط التشعبية المفيدة وضبط حركية رؤيتنا وفق دينامية الشاشات والألوان وانبثاق
الصور وعبور شرائط المعلومات . وحتما كلما تزايد وقتنا في الإبحار الشبكي كلما اجتهدت
أدمغتنا في اختيار طريقة القراءة الجديدة ما يجعلنا نخشى من أن هذا الأسلوب في القراءة الرقمية الذي
نواجهه على صفحات الإنترنت والذي ينتصر أساسا ل" الفعالية " و "الفورية"
سيقلل من قدرتنا على ممارسة القراءة المعمقة التي ظلت منذ قرون تقليدا نخبويا وجسرا
للعبور إلى الارتقاء الاجتماعي والمعرفي والعلمي لا فرق في ذلك في أن تكون هذه القراءة
على صفحات الجرائد أو الكتب الجادة والهادفة والمعقدة أو المجلات والكتب البسيطة في
مجال الثقافة العامة .
إننا أصبحنا نميل اليوم في عصر الرقمية إلى لعب
دور مفككين لشفرات المعلومات الرقمية فقط وأن قدرتنا على تفسير وتأويل النصوص والجمع
بين الروابط الذهنية الغنية التي تنشأ خلال ممارستنا لقراءة معمقة ومنزهة عن كل انحرافات
ترفيهية تبقى إلى حد كبير هدفا بعيد المنال . ومن العواقب الوخيمة لهذا الوضع أن القراءة
التقليدية الخطية أصبحت تتراجع ببطء مع تراجعنا عن قراءة المحتويات الطويلة التي تفرض
علينا التوفر على عدة وعتاد التفكير النقدي والتحليلي حيث أننا لم تعد أذهاننا وعقولنا
تفكر بهكذا أسلوب ناجع .
يقينا ومن دون شك سوف تستمر أشكال القراءة الورقية والرقمية في اقتسام
فضاءاتنا الثقافية والأكاديمية في المستقبل القريب وربما حتى في المدى المتوسط . كما
ستظل الإصدارات المختلطة بين الورقي والرقمي في خدمة المتلقين وطلاب المعرفة في معظم
المكتبات العامة والجامعية وغيرها. إن التوقعات المحتملة حول الأفول الوشيك للكتاب
الورقي ليست توقعات دقيقة و مقتعدة على معطيات علمية مستقبلية وإحصائية استطلاعية
. فواقع الكتاب الورقي على عكس الصناعات الموسيقية أو الصحافية في العصر الرقمي لم
يختف كوسيط تقليدي وأساسي للمعرفة والتواصل فهو رغم هذه الثورة في منصات النشر
الإلكتروني ما يزال هو الجسر المفضل لدى معظم الفئات الاجتماعية والثقافية
والعلمية لنشر المعرفة في مختلف أوساط المتلقين .
فقد رأى بعض الباحثين أن القراء يفهمون أقل عندما يقرؤون
على الشاشة ، لأن القراءة على الشاشة متعبة أكثر جسديا وذهنيا مقارنة مع القراءة على
الورق لأن شاشات الكمبيوتر والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ترسل أضواءها مباشرة في
عيوننا التي قد ترهق بسبب ضعف جودة الجهاز ووميض الأشعة الوهاجة . ومن المؤكد أن التحديق
المطول على الشاشة يسبب إجهادا للعين ، والصداع ، وأحيانا تشويشا مفاجئا للرؤية . هذه
الأعراض شائعة جدًا لدى القراء الذين يقضون وقتا طويلا على الشاشات حيث تضرر حوالي
70٪ منهم خلال عملية استطلاع قامت بها جمعية البصريات الأمريكية وصاروا يعانون من عرض
مرضي جديد يسمى (متلازمة مشاهدة الكمبيوتر.)
أخيرا من الواضح أن القراءتين الرقمية والورقية
لا تخلوان معا من مزايا متعددة . تكمن أهمية هذه المزايا في أنه حتى إذا ما استبدلنا
أحد أشكال القراءة بأخرى أي مثلا كتابا في نسخة ورقية بنفس الكتاب في نسخة إلكترونية
أو مقالا صحفيا في موقع إلكتروني بنفس المقال في نسخة الجريدة الورقية واشتغلت أدمغتنا
بموجب ذلك بوظائف جديدة للتعامل مع هذين الممارستين فسيؤثر ذلك لا محالة على مهاراتنا
وقدراتنا كقراء ومفكرين ورقيين من جهة ورقميين من جهة أخرى .
إنه لمن الصعب الحسم بشكل قطعي في ما إذا كانت
تأثيرات القراءة جيدة أم سيئة وما إذا كانت إحدى طرقها أكثر فعالية من الأخرى . نحن
إذن أمام وضع قلق وتوجس بدلا من فهمنا الدقيق لما يجري في معمعان هذه الثورة
التكنولوجية و الوسائطية . وهكذا إذا كان بعض الأفراد متفوقين في بيئات تعلم مختلفة
بناءً على قوة أساليب تعلمهم التقليدية فيمكنهم أيضا التفوق في بيئات القراءة على مختلف
الأسانيد الورقية والإلكترونية وقد يتفوقون في تطوير المهارات اللازمة للقراءة بعمق
أيضا في البيئة الرقمية . يمكننا اكتساب القراءة المعمقة إذا ما تعلمنا كيف نحقق ذلك
كما يمكننا استثمار إمكانات وفرص العالم الرقمي لتدريس أنواع المهارات القرائية على
مستوى التفكير المعمق والتأمل المجدي .
من المؤكد إنه بإمكاننا تحقيق القراءة المعمقة
على السندين الورقي والرقمي وأنه عكس ما يتوجس منه البعض يمكننا تحقيق ذلك في هذه البيئة
التعلمية والثقافية الجديدة وأنه سيكون من الضروري أن ننخرط بشكل فعال في الوسائط الرقمية
الحديثة . ومن المهم أن نعرف أن ممارساتنا القرائية المتكررة لها تأثير على كيفية تفسيرنا
للمعلومات ومعالجتها وأخيرا على مستوى انخراطنا في التفكير المتعمق وعليه فإن إيجاد
توازن بين القراءة الورقية والقراءة الرقمية سيجود من مهارات القراءة بشكل عام وسيرفع
من قدرتنا على التركيز والانتباه .
إذا كان عصرنا يسير نحو تعاظم دور الرقمنة في
مختلف ممارساتنا وأنشطتنا اليومية وإلى مزيد من الانتقائية في التعلم والتلقي والتثقيف
فما الذي يمكن أن يفعله الناشرون في بيئة قرائية زئبقية وترفيهية وزمن قرائي يتقلص
يوما بعد يوم لكسب مزيد من القراء وجعلهم مهتمين بقراءة الكتب الورقية
والإلكترونية ؟ كيف يمكنهم الجمع بين الكتب الورقية والتكنولوجيات الحديثة للحفاظ على
فعل قراءة حقيقية ناجعة ومفيدة ؟ هذه هي بالتأكيد بعض الأسئلة والقضايا التي بدأت تثير
اهتمام عديد من الفاعلين في الميادين العلمية و البيداغوجية والاجتماعية والثقافية
والصناعية وكذلك السياسية .
حقا إن حياتنا يجب أن تتطور في اتجاه تجويد معيشنا اليومي والتكنولوجيا
الرقمية ليست مسؤولة لوحدها عن كل هذه الشروخ والهزات بل ربما هي مسؤولة عن جزء صغير
فقط مما نعيشه اليوم من تحولات في المجتمعات العربية وهي تحولات عصرية ليس بالضرورة
أن تكون قد عاشتها مجتمعات أخرى في أمريكا اللاتينية أو أقصى شرق آسيا أو في
الأدغال الإفريقية .
أخيرا في خضم هذه الثورة المحمومة وغير المتوقعة ، ستظل القراءة جزءًا
لا يتجزأ من التطور الفكري والنمو الشخصي و الهوياتي والبحث عن المعرفة وربط قنوات
التواصل . وسيكون هناك انتشار متزايد لتقنيات القراءة التي تعزز رصيد القراء من المحتوى
العلمي والفكري . إن انتشار سلوك القراءة في مختلف شرائح المجتمع من خلال دمقرطة
الوسائط التكنولوجية الحديثة يعني قبل كل شيء أن محو الأمية وانتشار ثقافة التفكير
النقدي قد باتت أكثر أهمية من أي وقت مضى وهذا هو الملمح العام والدور الخطير الذي
باتت تضطلع به مواقع التواصل الاجتماعي في عصرنا الرقمي .
0 التعليقات:
إرسال تعليق