نشر هذا المقال بنفس العنوان في صحيفة الزمان اللندنية بتاريخ 8 يونيه 2014 : بعد نصف قرن ونيف مضى على بزوغ شمس الإستقلال على بلادنا إتسمت تارة بغياب
وتارة بتغييب واضح للمكون الثقافي في سياسات الحكومات المتعاقبة متجاهلة دورالثقافة باعتبارها ملمحا أساسيا من ملامح الهوية الوطنية وعمدا من أعمدة النهوض الإقتصادي في علاقتها مع القطاع السياحي أحد حوامل الدعاية الراقية والناجعة لغنى الموروث الثقافي والتاريخي والفكري والإثني في المغرب .
ومن نافلة القول أن نؤكد أن الميزانيات التي رصدت لوزارة الثقافة منذ الإستقلال كانت دائما هي الوجه الحقيقي والإشارة الرامزة، التي لاتحتاج إلى عناء تفكيرعن بعض من (العداء) الناعم أحيانا والعنيف أحيانا أخرى لرمزية العامل الثقافي الذي هوفي المحصلة ليس في منطق الدولة المغربية سوى (صداع الرأس) ومنظومة من النوايا المبيتة والمتشابكة خيوطها بالخارج والتي تستهدف إختراق ثوابت الدولة التاريخية وتقويض أركان مجتمعنا لإسلامي وذلك بدس فيروسات الجمرة الخبيثة من الأفكارالمستوردة من خلال الكتب والمنشورات الثورية والمحرضة على قلب النظام خصوصا في سبعينات القرن الماضي. وبين هذا وذاك كانت الدولة المغربية تحرص بوسائلها القمعية والناعمة ، بالترغيب وبالترهيب ، على تحصين هياكلها السياسية في الداخل كما في الخارج من خلال الترويج للثقافة الرسمية التي أوكلت مهمة ترويجها وتحريكها وترسيخها لجمعيات السهول والجبال والمحيطات مثل جمعية الأطلس الكبير وأبي رقراق وأنكاد والمحيط والإسماعيلية الكبرى وغيرها والتي إستطاعت أن تستفيد من ميزانيات ضخمة تعد بعشرات الملاييرمن الدعم الريعي ودعم الصناديق التي لايعلم بسواد خباياها سوى إدريس البصري وزير الداخيلة الأسبق ورؤساء هذه الجمعيات وكائناتها الراسخة في تضاريس هذه الجمعيات المدللة .
واليوم لابد أن نقر وفي نقد بناء وموضوعي أنه منذ حكومة التناوب الأولى وتنصيب الشاعر والروائي والصحفي محمد الأشعري في وزارة الثقافة تغير بشكل نسبي تعاطي الدولة مع الشأن الثقافي وإن برؤية حذرة، مترددة ومحتشمة قد لاترقى إلى مطامح وآمال وأهداف جمعيات المجتمع المدني التي عانت من مضاعفات التهميش والإقصاء من تدبير الشأن الثقافي وعلى رأسها إتحاد كتاب المغرب وجل الإطارات الموازية له التي تتقاسم معه نفس المنطلقات والغايات والمرجعيات.
ومن المعالم والصروح الباذخة التي من دون شك سوف تجعل كل مثقف مغربي يتحلل من رؤيته القاتمة لماضي سياسة الدولة في إعتنائها بالمكون الثقافي..المعالم التي تجعل المثقف أيضا يستعير من دون أن يتصبب عرقا شعار رئيس الحكومة (عفا الله عما سلف). هو إنجاز المركب الثقافي العملاق، الحضاري، المفخرة، القلادة المتفردة على صدر المملكة والذي تم إنشاؤه في عاصمة الشرق بمدينة وجدة. فقد تناقلت مواقع التواصل الإجتماعي صور هذا الصرح الثقافي الذي يندر في تقديري الخاص أن يكون له مثيل على مستوى جنوب البحر الأبيض المتوسط حتى على أرض الكنانة أم الدنيا إذ أن هذا الصرح الثقافي المغربي الجديد قد يجعلنا نعلن منذ اليوم (إذا كانت مصر أم الدنيا فالمغرب قد صار أبوها ). هذا إذا لم تكن تلك الصورة المنشورة على جدار الفيسبوك مجرد قشرة موز راح في مقلبها الكثير من (مرضى) الهوس الثقافي المغربي مثلي.
وعلى كل حال لقد صدقت هذه الصورة والخبر المعجزة، وأيقنت أن بناء هذا الصرح الثقافي التاريخي العملاق ليس بعزيز على المغاربة والمجتمع الوجدي بالخصوص بحيث إنه يندرج ضمن الحركية الإقتصادية والإجتماعية التي تعيشها عاصمة أنكاد بخطى حثيثة من أجل القطع مع إقتصاد الريع والتهريب بكل أشكاله (بشرـ سلع ـ بنزين ـ مخذرات ..إلخ) والذي تتحمل الدولة الجزائرية من دون شك أو مزايدة شوفينية النصيب الأوفر في سياستها العدوانية والحقودة على المغرب الراهن.
إن بناء هذا الصرح الثقافي وبتلك الهندسة العالمية العملاقة ليعد رسالة قوية إلى المهتمين في الداخل عن تصالح الدولة مع الشأن الثقافي وبحجم أكبر من المتوقع وهوأيضا رسالة لجيراننا في الشرق فحواها أن بلادنا إذا كانت ماضية بجد في التسلح العسكري من أجل حماية وحدتنا الترابية من طنجة إلى خليج الداخلة ، فإنها لم تنس أيضا من جانب آخر التسلح الثقافي والفكري لصد كل خطر محتمل وكل صداع الشقيقة القادم إلى رأس المغرب من جهة الشرق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق