الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، يناير 23، 2020

كيف اقتحمت التكنولوجيات الجديدة عالم الأدب؟ ترجمة: عبده حقي*

ظلت الأعمال الأدبية دائما على علاقة بالتقنيات الجديدة على مرّ العصور. فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد مكن تطور المطبعة من ظهور أجناس أدبية جديدة مثل «رواية الفروسية»،
بل إلى زمن قريب تم اختراع الشعر الصوتي في عام 1953، من خلال الاستخدام المباشر لآلة التسجيل «المانييتوفون» التي تم تسويقها كأداة لإنتاج النصوص. كما تم استخدام تقنيات أخرى في الأدب المرئي مثل ناسخة التصوير والآلة المصورة وهناك تقنيات بصرية أخرى مثل التصوير المجسم والفيديو والرقمية (التيليماتك والمعلوماتية) التي ظهرت مؤخرا بارتباطً مباشر مع ظهور الأدب الرقمي.
إن استعمال التكنولوجيات الجديدة نتجت عنه دائما التأثيرات نفسها. في بداية الأمر قام المؤلفون بنسخ النماذج الموجودة سلفا، ثم قامت التكنولوجيات الجديدة بمحاكات التقنية القديمة مما أدى إلى زيادة الإنتاجية من خلال مساهمتها التكنولوجية. أصبحت تبدو كمساعد آلي صرف. هكذا بدأت المطبعة الأولى بمحاكاة المخطوطات التي كتبها الرهبان.

ثم أثيرت أسئلة جديدة ترتبط بالآثار الاجتماعية والثقافية لهذه التكنولوجيا الجديدة، حدث إذن ترحيل للممارسات الكتابية. على سبيل المثال فقد أسهم استخدام الطباعة في تطوير المفهوم الحديث للمؤلف، أي الشخص المسؤول عن الإنتاج الفكري للعمل الأدبي. وهكذا صار التمييز تدريجيا بين المؤلف والآلة الطابعة. إن هذا الفصل لم يكن ممكنًا قبل ظهور المطبعة لأن العمل الأدبي الذي تم نسخه كان منفردا. أخيرًا وفي مرحلة ثالثًة خلقت هذه التقنية أجناسا جديدة، ووضعا جديدا في النظام الفني السابق، لقد سمحت المطبعة بتطوير أجناس أدبية جديدة مثل الرواية، ولكن أيضًا أساليب جديدة في التعبير مثل صورة الملصق.
التصاميم التي تم استنساخها مع التقنيات الجديدة المعاصرة يعود تاريخها إلى ما يقرب نصف قرن، وما زالت تنشط بشكل كبير. إن عدم الاستقرار هذا يوضح إلى حد كبير تطور الممارسات والأشكال الفنية، وهذا هو السبب الذي جعل هذه الأعمال الأدبية تشكل مجرة، حيث تصير فيها التكنولوجيا كأداة أو تقدم أشكالا أدبية جديدة. توجد هذه الخيارات أيضًا في الأعمال الأدبية التي تستخدم تقنيات جديدة غير معلوماتية.
إدراج التكنولوجيا الرقمية في الفضاء الأدبي.

استخدم الأدب العديد من التقنيات الرقمية قبل الانفتاح على أدوات وآليات الحاسوب، فقد مكّنت شاشات الديود « diod» مثلا من تطوير النصوص على الشاشة في مساحات كبيرة، بينما شكلت التليماتية مرحلة للانتقال نحو المعلوماتية كما نعرفها اليوم، لا سيما عبر مجلة Art-Access التي تم إنشاؤها في فرنسا في عام 1985 من طرف أورلان وفريدريك دفيل. لقد نشطت هذه المجلة بين عامي 1985 و1986. ونشرت أعمالا للكتاب الأولين الذين أسسوا جماعة لير LAIRE وبفضل فريديريك دوفيلاي تمكن هؤلاء الكتاب من عقد اجتماعاتهم الثقافية. لكن الفضل يعود بالفعل إلى مجلة «ألير» التي كانت أول من قام بتعريف طبيعة الشعر الرقمي. بحيث اعتبرت أن العمل الأدبي الرقمي يجب ألا ينحصر فقط في النص الذي ينتجه الحاسوب، ولكنه يشمل كذلك البرنامج نفسه والآلية المادية لتنفيذه وهو العنصر الوحيد الذي يعطي «الجسم الحساس» للمنطق المبرمج .
تم إنشاء العدد الأول لتدشين المجلة في مركز بومبيدو في 16 يناير/كانون الثاني 1989. جاء هذا العدد عبارة عن كتاب يتضمن قصائد مبرمجة على القرص المرن Disquettes وقصائد مبرمجة وأعمالا أدبية مطبوعة على الورق، وعلى شرائط فيديو وقصائد صوتية. من خلال هذا العدد الأول الذي نشر في مارس/آذار 1989 تم الكشف عن خصوصية المجلة. حيث اشتمل هذا العدد على جميع الأعمال المعلوماتية التي تحتوي على الرقم 0.1 ولكن لا توجد هناك شرائط كاسيت ولا أعمال مطبوعة.
وأرفقت الأقراص المرنة بكتيب يحتوي على تأملات نظرية فقط. هذا هو أول توضيح صدر في فرنسا ليؤكد على أن الأدب الرقمي موجود وأن فضاءه الوحيد ووسيطه هو العلوم المعلوماتية. في عام 1990 تم التنويه بالمجلة من قبل باحث إسباني اسمه أورلاندو كارينو، باعتبارها أقدم مجلة شعرية رقمية في العالم تبث البرامج القابلة للتنفيذ. وستقوم بنشر الشعر المتحرك لكتاب جماعة «لير» حتى عام 1992 ثم انفتحت على أعمال الأدب الرقمي في جميع أجناسه التي أنتجها كتاب فرنسيون من خارج جماعة «لير» كما ستنشر لكتاب أجانب ابتداء من 1994. واستمرت المجلة في الانتشار والتوزيع بما في ذلك الأعداد الأولى التي ظلت إلى وقتنا الراهن قابلة للقراءة على الحواسب. وانطلاقا من نهاية التسعينيات تفككت جماعة «لير» تدريجيًا وفقدت المجلة هيمنتها على المشهد الفرنسي، لصالح مواقع خاصة بالكتّاب والمؤلفين ومجلة «دوك». وتعد هذه النسخة التي أنشأها جوليان بلين عام 1976، وهي من إخراج فيليب كاستيلين وجان توريجروسا منذ عام 1990 مرجعًا دوليًا في الشعر الصوتي والمرئي . في عام 1997 شرعت في جولة عامة لاستخدام وسائل الإعلام المختلفة في الشعر. وقد بدأ هذا العدد على قرص مدمج CD بالتعاون مع مجلة «ألير» ثم سيستمر بعدد من النسخ المخصصة للأجهزة الرقمية المستخدمة في الشعر بما في ذلك الويب. تمت رقمنة العديد من الأعمال الأدبية وعرضها على سند معلوماتي، لكن هذه الأعداد تحتوي أيضًا على أعمال مجدولة في «رقمية أصلية».
نقلا عن مجلة ليونارد الفرنسية

0 التعليقات: