الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

السبت، مايو 08، 2021

حق الإنسان في حذف ماضيه - عبده حقي


تهدف التشريعات الأوروبية لحماية البيانات إلى حفظ المعلومات الخاصة التي تحمل ضررًا محتملًا للأشخاص. يستمد مصلح «حق المرء في أن يُنسى» مفهومه من العديد من الأفكار الأوروبية السابقة. على سبيل المثال يوجد اعتقاد قديم في المملكة المتحدة، وتحديداً بموجب قانون إعادة تأهيل المجرمين، بأنه بعد فترة معينة من الزمن، تُعتبر العديد من الإدانات بحق المجرمين السابقين «مدفوعة»، بمعنى أن المعلومات المتعلقة بماضي ذلك الشخص لا يجب أن توضع بعين الاعتبار عند حصوله على تأمين أو بحثه عن وظيفة. وعلى غرار ذلك تحترم فرنسا هذا الحق الذي أُدرج رسميًا في القانون الفرنسي عام 2010. كثيرًا ما تختلف الآراء حول "حق المرء في أن يُنسى" بين الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي. في الولايات المتحدة، تعلو الشفافية والحق في حرية التعبير (كما ينص على ذلك البند الأول) إضافةً إلى حق المعرفة فوق طمس المعلومات الصحيحة المنشورة التي تخص الأفراد أو الشركات. يعتبر مصطلح «حق المرء في أن يُنسى» فكرة جديدة نسبيًا، مع ذلك، أكدت المحكمة الأوروبية في 13 مايو عام 2014 أن حق المرء في أن يُنسى هو حق من حقوق الإنسان، وقد حكمت ضد شركة غوغل فيما يخص قضية كوستيجيا.

في عام 1995، تبنى الاتحاد الأوروبي دليلا لحماية البيانات  رقم 95/46/EC)  لتنظيم عملية معالجة البيانات الشخصية. يعد هذا الآن جزءًا من قوانين حقوق الإنسان. إن المقترح الجديد للنظام الأوروبي العام لحماية البيانات يتيح رعايةً وعفوًا للشركات المصنفة بكونها شركات «إعلامية»، مثل الصحف والأعمال الإخبارية الأخرى. مع ذلك، خرجت شركة غوغل من كونها مصنفة كشركة إعلامية، وبذلك هي غير محمية بموجب ذلك البند. وقد قضى قضاة الاتحاد الأوروبي بذلك لأن الشركة العالمية غوغل هي جامع ومعالج للبيانات، لذلك من الواجب تصنيفها «كموجه للبيانات» وفق مضمون إرشاد حماية البيانات الأوروبي. تُعنى موجهات البيانات هذه تحت قانون الاتحاد الأوروبي بمسح البيانات التي تعتبر غير ملائمة ولم تعد مرتبطة بصاحبها، ما يجعل هذا الإرشاد ذا أهمية عالمية.

يعكس حق المرء في أن يُنسى مطالبة الفرد بحذف بيانات معينة بحيث لا يمكن لطرف آخر تعقبها في المستقبل. يعرُف المطلب بـ«الحق في السكوت عن الأحداث الماضية في الحياة والتي لم تعد موجودة». يُعنى حق المرء في أن يُنسى بالسماح للأفراد بحذف المعلومات والفيديوهات والصور المتعلقة بهم من سجلات الإنترنت بحيث لا يعود من الممكن العثور عليها عبر محركات البحث. منذ عام 2011، لا توجد حماية ضد الضرر الذي يمكن أن تسببه بعض الحالات مثل نشر الوسائط الإباحية بهدف الانتقام، أو رفع الصور بغير قصد.

يختلف حق المرء في أن يُنسى عن حق الخصوصية، إذ أن حق الخصوصية يتمحور حول المعلومات غير المعروفة عند العامة ، بينما يتضمن حق المرء في أن يُنسى حذف المعلومات التي عرفت عمومًا خلال فترة من الزمن وعدم السماح لأطراف أخرى بالوصول إليها.

تشمل القيود المفروضة على تطبيق القضاء عدم القدرة على إلزام الشركات الواقعة خارج السلطة القضائية بحذف معلومات تملكها. لا وجود لأي أُطُر عالمية تسمح للأفراد التحكم بصورتهم على الانترنت. مع ذلك، يقول البرفيسور فيكتور ماير شونبرجر، وهو خبير من معهد أكسفورد للإنترنت بأنه لا يمكن لشركة غوغل الهروب من الخضوع للقانون الفرنسي العامل بقرار محكمة العدل الأوروبية عام 2014 حول حق المرء في أن يُنسى. قال ماير شونبرجر إن الدول بما فيها الولايات المتحدة، قد أظهرت ولفترة طويلة بأن قوانينها المحلية تتضمن «آثارًا خارج الحدود الإقليمية"

تنبع الانتقادات الأساسية لحق المرء في أن ينسى بأنه يقيد الحق في حرية التعبير. العديد من الدول، ومن بينها الولايات المتحدة على وجه الخصوص (مع التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة)، تمتلك قانونًا قويًا يضمن الحق في حرية التعبير، وهو ما لا يتوافق مع حق المرء في أن يُنسى. كما يرى بعض الخبراء بأنه صيغة محدودة فحسب من حق المرء في أن يُنسى يمكن أن تتماشى مع القانون الدستوري للولايات المتحدة، وهو حق الفرد في حذف البيانات التي قدمها هو أو هي شخصيًا. ضمن هذه الصيغة المحدودة لا يمكن للأفراد حذف البيانات المحملة من قبل أشخاص آخرين، فالمطالبة بمسح المعلومات قد تعزز الرقابة وتقلل من حرية التعبير ضمن العديد من الدول. تقول ساندرا كوليفر من «مبادرة العدالة في المجتمع المفتوح» بأنه ليس من المفترض توافق جميع الحقوق، وأن التعارض القائم بين حقين لا يجب أن يؤثر على بقاء أي منهما.

كُتبت مسودة القواعد العامة لحماية البيانات بشكل موسّع وهو ما سبب بعض القلق. لقد جاء النقد من أن تطبيق هذه القواعد سيستدعي شركات توجيه البيانات بذل قصارى جهدها لتحديد الأطراف الثالثة التي تمتلك تلك البيانات ومن ثم حذفها. جاء نقد التشريع أيضًا بسبب حقيقة أن تطبيقه سينتج تأثيرًا رقابيًا على الشركات، مثل فيسبوك وغوغل، التي لن ترغب في تغريمها بموجب القانون، وبالتالي ستتجه لحد كميات هائلة من المعلومات بدلًا من دفع الغرامة، مما قد يسبب تأثيرًا سيئًا. إضافة لذلك، توجد مخاوف حول المتطلبات بحذف البيانات التي نشرها أشخاص عن فرد ما، إذ يشمل تعريف البيانات الشخصية حسب المادة رقم 4 «أي معلومات تتعلق بالفرد». يشير النقاد إلى أن ذلك سيجبر الشركات على حذف المعلومات بالمتعلقة بشخص ما بغض النظر عن مصدرها، مما سيزيد من مستوى الرقابة، وسينتج في حذف شركات البيانات الكبيرة محو كميات ضخمة من البيانات امتثالًا له. عملية مسح متل هذه يمكن أن تؤثر على دقة وقدرة الشركات والأفراد على تنفيذ استخباراتهم المهنية، خصوصُا تلك المتعلقة بقوانين مكافحة الرشوة والفساد وقانون «اعرف عميلك». لقد أوجب قانون حق المرء في أن ينُسى على شركة غوغل حذف 120 تقريرًا عن مديري إحدى الشركات، منشورة من «داتو كابيتال»، وهي شركة إسبانية تجمع تقارير حول مديري الشركات الخاصة، تتضمن بشكل كامل معلومات من الواجب الإفصاح عنها قضائيًا؛ فحصت مجلة فرتشن 64 تقريرًا عائدًا لأعضاء من مجلس الإدارة في المملكة المتحدة، ووجدت أنه في 27 منها (42%) كان المدير هو الشخص الوحيد المذكور، وفي البقية لم يذكر سوى المدير ومساعديه، وتضمن 23 تقريرًا (36%) إدارات بدأت منذ عام 2012.

كانت هناك مخاوف من أن القواعد العامة المقترحة لحماية البيانات ستنتج عدم قيام غوغل ومحركات بحث أخرى بإظهار نتائج بحث محايدة، بل إظهار نتائج منحازة وغير مكتملة، وتعريض نزاهة المعلومات على شبكة الانترنت للخطر.

0 التعليقات: