الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، يوليو 16، 2021

حوار مع الفنان التشكيلي المغربي عبد اللطيف الزين: حاوره عبده حقي


خاص

حوارات نعيد نشرها نظرا لأهمية سياقاتها واعترافا بقامات شخصياتها 

كان ومايزال الفن التشكيلي في المغرب فنا نخبويا بامتيازلاعتبارات كثيرة تتداخل فيها التيارات والمدارس والتراث والمثاقفة بشكل عام .. ولسنا في حاجة إلى التأكيد على أن العديد من الفنانين التشكيليين المغاربة سواء الذين نهلوا من تجارب أوروبية فرنسية

بالأساس أوالذين نحتوا تجربتهم العالمية من إصرارعصاميتهم قد فرضوا بكل تأكيد مساراتهم سواء على المستوى العربي أوحتى العالمي ولعل القائمة طويلة نذكرمن بينهم على الخصوص الغرباوي والصلدي والقاسمي والشعيببية طلال ولطيفة التيجاني وبلكاهية ونبيلي ويسف وغيرهم ومن بين الأسماء الإلمعية والنادرة التي لم تتوقف تجربتها في معاركة الألوان والظلال والأطياف على القماش بل تعدت ذلك إلى البحث في مصاهرة اللون مع جذبة الرقص التراثي والبحث الملح والقلق في حدود الممكن والمختلف في الفن التشكيلي الفنان عبداللطيف الزين الذين أجرينا معه هذا الحوار:

س : كيف انخرط عبد اللطيف الزين في مسار الفن التشكيلي؟

ج : ظهرت ميولي الفنية منذ سنواتي الأولى، إلا أنني لم أشرع في مزاولة الرسم عمليا إلا وأنا في السابعة. لصقل موهبتي وتطويرها، التحقت بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، وبعدها باريس. كما أطعمت معارفي وتجربتي الفنية، بمزاولة مهام أخرى، أذكر منها بوجه خاص اشتغالي كمصمم للديكور في شريط " الرسالة " مع المخرج الراحل مصطفى العقاد.

س : هل كان لنشأتك بمراكش، مدينة التراث والألوان، دور حاسم في بلورة موهبتك الفنية؟

 ج : مما لا شك فيه أن المدن العتيقة، سواء في المغرب أو غيره، يكون لها إسهام كبير في إثراء ذاكرتنا بفضاءاتها وعادات وشعائر أهلها، ما يكون له تأثيره الإيجابي الواضح على مخيلتنا، ونحن لا نكتشف ذلك كله إلا لحظة الممارسة الإبداعية، حيث ينبعث ذلك المخزون بعدما نكون اعتقدنا أننا نسيناه.

بالنسبة لي شخصيا، فكوني ولدت بمراكش المعروفة بمعمارها العريق وساحاتها الفرجوية، التي أصبح معترفا بها على الصعيد العالمي، وأخص بالذكر ساحة جامع الفنا ، أمر لا يمكنني إنكاره لأنه واضح بشكل مؤكد في أعمالي، منذ البدايات الأولى وحتى يومنا هذا. إلى جانب ما خزنته ذاكرتي الطفولية من خصوصيات مراكش، فقد ساعدني في إغناء ذلك المخزون كوني انتقلت، رفقتي عائلتي بعد ذلك، إلى الدار البيضاء التي لها هي أيضا مميزاتها الخاصة بها. وأنا أعتز بكوني ظللت محتفظا بهذا المخزون وحافظا له طوال ممارستي التشكيلية التي تجاوزت اليوم الخمسين سنة من العطاء المتطور والمتجدد باستمرار. كما أنه لا يفوتني كذلك، أن أذكر كوني استفدت كثيرا من زياراتي التي قمت بها لمختلف بقاع العالم، للاستفادة من مختلف التجارب الإنسانية والفنية، وعيا مني بأن الإبداع كوني طالما أننا نتوجه بأعمالنا إلى أحاسيس الناس وأذواقهم بما أنها بوابة عقولهم. إلا أن التطلع إلى الكونية لا ينبغي أن يجعلنا مستلبين أو خاضعين للغير أو مجرد مستهلكين لذوقه ولمنجزه. بل علينا أن نتمكن من إقناعه وفرض منجزنا الفني عليه انطلاقا من خصوصياتنا ومن هويتنا المتنوعة والمتعددة الروافد. فبذلك فقط نحصل تقديره واحترامنا لشخصنا ولإبداعنا.

س : ما هي في نظركم العوامل الحاسمة في تشكيل شخصية الإنسان الفنان، هل هي العصامية أم التكوين الأكاديمي؟

ج : هذه العوامل مجتمعة هي التي تصنع الفنان الحقيقي. فالموهبة ضرورية إلا أنها غير كافية، لأنه لا بد من صقلها بالدراسة التي تجعلنا نمتلك تقنيات الممارسة ومختلف مدارسها وتياراتها، لمزاولتها أولا على أسس علمية، وأن نختار لأنفسنا، بعد ذلك، مسارنا الخاص بنا  وفق ما ينجزه الفن في مختلف مراحله وفي تطوره عبر العالم. ولا يمكن أن يحصل ذلك، إلا بالاطلاع المستمر على ما ينجزه فنانو بلادنا وفنانو العالم لتجنب التقليد والتكرار. لذلك، فإنه من المفروض في الفنان أن لا يتوقف أبدا على مواكبة ما يشهده المجال الذي يشتغل فيه وطنيا ودوليا، من خلال القراءة وزيارة المعارض والتظاهرات.

س : هل ترى نفسك كفنان نخبوي أم كفنان لمختلف الفئات الاجتماعية؟

ج : أثارت مسألة النخبوية، ولا تزال تثير، نقاشا كبيرا. دعنا نتحدث عن الفنون التشكيلية. إذا كنت تقصد بالنخبوية استمالة شريحة معينة ومحددة من مكونات المجتمع، فاسمح لي أن أقول لك إن الفنون التشكيلية كلها، لا سيما في بلدان مثل بلادنا، نخبوية بما أنها ليست في متناول الجميع. وذلك راجع أساسا لمحدودية فضاءات العرض ونوعيتها، إذ أنها في معظمها فضاءات لا تلجها كل الشرائح، ليس بفعل المنع، بل بفعل التعود. فأغلبية المغاربة، مثلا، لم يتعودوا على زيارة الفنادق الفخمة وأروقة العرض ودور البيع بالمزاد العلني أو بعض المؤسسات البنكية التي أخذت تهتم بالفنون التشكيلية في الفترة الأخيرة. وهذا الهاجس، هو الذي جعلني، كرئيس للجمعية الوطنية للفنون التشكيلية، أضع تصورات تظاهرات فنية هدفها إخراج اللوحة والممارسة التشكيلية من الفضاءات التي أشرت إليها، إلى ساحات عمومية. وأذكر على رأس هذه التصورات، تظاهرة فضاء الناس التي ننظمها سنويا في إحدى الساحات العمومية، أذكر منها مثلا ساحة الأمم المتحدة في الدار البيضاء أو ساحة جامع الفنا بمراكش، حيث يعرض ويشتغل الفنانون بحضور الجمهور وبمشاركته أحيانا. وقد حققت كل الدورات التي نظمناها إقبالا كبيرا أكد لنا مدى تعطش جمهورنا الواسع لفنونه وتطلعه لمحاورة فنانيه بشكل مباشر، دن وساطة نقدية أو فلسفية. ما دفعنا إلى التفكير في تعميم التجربة مستقبلا على كل المدن المغربية.

بعد هذا التوضيح، وبخصوص النخبوية ، فأنا أصرح دائما وأؤكد في ممارستي، أنه ليس على الفنان أن يكون تابعا، بل عليه أن يكون سباقا، لأنه مسؤول عن تهذيب الذوق وعن إتاحة إمكانية الحلم. إنه موجه ومربي، ولو بطريقة غير مباشرة وغير تقليدية؛ إنه ذاكرة البلد، مرآته وتراثه الدائم والأبدي. ما يعني، كخلاصة، أنه ماضي البلد وحاضره ومستقبله. وإذا نظرنا إليه من هذه الزاوية، فالفنان الحقيقي لا يمكنه إطلاقا أن يكون نخبويا، لأنه فنان بلد بأكمله، وفنان حضارة إنسانية بكاملها. ما يضيف إلى واجباته المتعددة، واجب الصدق في كل ما يفعله.

س :  لماذا يرتبط الفن التشكيلي في المغرب عموما بمنظومة الثقافة الفرنكفونية؟

ج :  للأسف الشديد، فإن الفن التشكيلي المغربي عرف في بداياته الأولى، في مدن عديدة أذكر منها مراكش والرباط وفاس ومكناس و الدار البيضاء، زرع أشخاص غربيين، فرنسيين بوجه خاص، لهم أهداف لا علاقة لها بالفن، اقتربوا من هذا الميدان واتخذوه غطاء لتصرفاتهم واستقطبوا عددا من الهواة المتطلعين إلى الشهرة بطرق سهلة وسريعة، لا دراسة لهم ولا تجربة. ولا نزال حتى يومنا نجد بيننا من يدافع عن هذا المسار الاستيلابي الخاضع للفن الفرانكفوني، بخلاف الفنانين الحقيقيين الذين تربوا في أحضان الوطنية ودرسوا الفن.

وخير مثال على ما أذهب إليه ما يدور من نقاش حاليا حول معرض الفن المعاصر الذي يحتضنه معهد العالم العربي بباريس ابتداء من أكتوبر القادم. فرغم كوننا لم نتعرف بعد اللائحة النهائية، فإن هناك معلومات تتحدث على أ، الاختيار كان محددا من قبل، وكان يرمي إلى اختيار الأعمال التي تستجيب لذوق الأخر كمعيار؛ أما الأعمال التي تسعى إلى خلق مدرسة أو مدارس تشكيلية مغربية، فقد تم إبعادها، ولأهداف لا يعلمها سوى من تم تكليفهم بالاختيار المعروفين أساسا لخمة الأجندة الفرانكفونية ومحاولة تغليفها بالفلسفة أو بالإستطيقا. ناسين أو متناسين أن التاريخ أكد ويؤكد أن البقاء يكون دائما للأصح وللأصلح.

وأريد أن أوضح لهؤلاء المدعين في النهاية بأن الفن الغربي يعيش أزمة أبداعية حقيقية، حيث أن الخطاب أصبح مهيمنا على العمل، ما جعل الأخير في أمس الحاجة إلا التعليق لأنه هو الذي أصبح يتيح له إمكانية الوصول إلى المتلقي، كما يؤكد ذلك الناقد الفرنسي إريك إيمانويل كريست.. وبدل أن يعوا هذه الحقيقة، التي تعتبر فرصة حقيقية لنا لإثبات ذاتنا الإبداعية، فإنه يتمادون في غيهم.

س : قدمت العديد من التجارب التشكيلية الرائدة مثل دمج موسيقى كناوة والفن التشكيلي... أين وصلت هذه التجربة الرائدة ؟

ج : مصدر فخري أولا كوني استطعت، بفضل الأحداث الفنية التي  أبدعتها ( كولور أوف جاز، ترانس آرت، فونتازيا آرت ...) أن أمنح بلدي مكانة متميزة في الساحة التشكيلية الدولية، بشهادة كبار النقاد العالميين، وأذكر من بينهم مثلا بيير ريستاني الذي أكد أن الزين خلق الفن الشمولي، بتحويله التشكيل إلى  فرجة تمزج الموسيقى والرقص والألوان. هذا النجاح الكبير الذي حققته هذه الأعمال / الأحداث، جعلني أواصل أبحاثي، بحيث أنني وضعت تصور " سبورت آرت " وهو تخليد لبصمات الرياضة بطريقة تشكيلية فرجوية. بحيث أنني أجريت تجارب أولى في رياضات الكولف، لدراجة، كرة القدم والتنس، حيث شاركني العمل كل من أرازي والعيناوي والعالمي. كما أنني نظمت بصمات الغولف في طوكيو حيث شاركتني العمل والتوقيع الأميرة اليابانية تاكامادو التي أهديتها العمل كميثاق يوقعه المشرق والمغرب للدفاع عن السلام وقيمه، إلا أن سمو الأميرة ارتأت أن يعرض العمل بمتحف الفن المعاصر بطوكيو لكي تتاح فرصة مشاهدته لأكبر عدد من الزوار.

رغم كل هذه الإنجازات العالمية، فإننا للأسف لا نزال تواجه الكثير من العراقيل في بلدنا، لا سيما من طرف بعض المحدودين إبداعيا الذين ظلوا يجترون أنفسهم باستمرار ويحاولون إغلاق الباب في وجه كل جديد. كأننا في سوق ينبغي أن تظل حكرا عليهم. إلا أن التاريخ أقوى من مناوراتهم.

س : ترى هل في مقدور الفنان التشكيلي أن يعيش من فنه؟

ج : كل عمل فني حقيقي لا بد أن يفرض نفسه في النهاية، وكل مبدع حقيقي لا بد أن يجازيه التاريخ على كل ما قدمه ويقدمه من إبداعات. أنا أحمد الله من هذه الناحية إذ أن عملي الوحيد هو الفن وهو يوفر لي شروط حياة كريمة تليق بفنان. بل إنني في بعض الحالات أنفق على تظاهرات فنية يشارك فيها عدد كبير من الفنانين، وعلى  رأسهم الشباب الواعد؛ ولست من نوعية أشباه الفنانين الذين اغتنوا بطرق مشبوهة وملتبسة وهم يفضلون الإنفاق على الفيلات الساحلية والمشاريع التجارية.

كما أؤكد أنني لست التشكيلي الوحيد الذي يعيش من أعماله، بل هناك فنانين آخرين كذلك، وعددهم في تزايد بالنظر للنهضة التشكيلية التي نشهدها من مجيء جلالة الملك محمد السادس، تصره الله، المعروف باهتمامه بالتشكيل واعتنائه بالتشكيليين.

س :  كثير من أهل الفن هاجروا أوطانهم إلى بلدان أخرى... ألا ترى في ذلك خسارة لبلدانهم الأصلية ؟

ج :  أينما وجد الفنان فهو سفير بلاده وكثيرا ما يجد الفنان المهاجر حيث هاجر الاحترام والتقدير اللازمين... وربما هذا هو ما يفتقده في وطنه.

س :  ألا ترى أن بلدنا في حاجة إلى أكاديمية فنية ؟

 ج :  فعلا، المغرب في حاجة إلى تأسيس أكاديمية عليا للفنون. لقد تم أخيرا تكوين مجلس أعلى للتربية والتعليم والبحث لعلمي، إلا أننا سجلنا للأسف، في نقابة الفنانين التشكيليين المغاربة، أنه لم يتم إشراك ممثلين عن قطاع الفنون التشكيلية في تركيبة هذا المجلس. هذا مع العلم أن التشكيل من أسس التربية والتكوين البشري في كل المجالات، كما أنه أساسي في تهيئة المجال والتربية على البيئة. ما يعني أن التشكيل أصبح ضرورة ملحة لتكوين المواطن المسؤول الذي يلزم إشراكه في كل ما نخطط له وننجزه. ومن هذا المنطلق ظللت أقول باستمرار، ولن أتعب من تكرار ذلك، بأن إعداد المواطن وتأهيله يمر عبر الفن والثقافة بالضرورة. هذا إذا كنا نطمح فعلا إلى تكوين المواطن الذي يصعب اختراقه واستمالته واستغلاله في أعمال تخريبية. ومن شأن توفرنا على أكاديمية فنية أن يوجهنا في هذا الدرب، بشكل علمي ومنطقي لا مجال فيه للأساليب الملتوية التي لا تخدم سوى المصالح الشخصية.

س :  نود أن نختتم معك، أستاذ الزين، هذه الدردشة الشيقة في إعطائنا رأيك في هؤلاء الفنانين، محمد القاسمي؟

** فنان، رحمه الله.

* محمد بنيسف؟

** واقعي، لا بأس به.

* لطيفة التجاني؟

** من الفنانات الأوائل... إلا أننا نلاحظ غيابها على الساحة ونتمنى عودتها إلينا قريبا...

* الغرباوي؟

** رحمه الله... كان صديقا، كان يقيم ويشتغل عندي لفترات في الدار البيضاء، وكنت أقول له مازحا إن عمله ليس بفن، ويجيبني ضاحكا: إنه مجرد موضا.

* عباس صلادي؟

** عبقري، فنان ومجنون مراكش.

* الطيب الصديقي؟

** فنان أعطى مسرحا متميزا.

 

0 التعليقات: