الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، أبريل 02، 2023

موت المؤلف في عصر الذكاء الاصطناعي : عبده حقي


"موت المؤلف" هو مصطلح فلسفي تم تطويره من قبل الفيلسوف الفرنسي رولان بارت في مقالة كتبها عام 1967 بنفس العنوان.

في هذه المقالة، اعتبر بارت أن معنى النص الأدبي لا يكون مرتبطًا بإرادة المؤلف وما كان يريد التعبير عنه، بل يتم تحديده من طرف القارئ والمتلقي بشكل عام .

يقول بارت : "يصبح كل نص أدبي مرتكزا على افتراض 'موت المؤلف'، ما يعني أن أي نصً لا يمكن أن نفهمه بالاعتماد إلى معرفة الكاتب أو قصديته الأصلية . يجب إذن استبدال هذه العلاقة بين المؤلف والنص إلى علاقة بين النص والقارئ."

يعني هذا أن النص الأدبي يكون منفتحا على التفسير والتأويل من قبل القارئ، وأنه يمكن للمعنى أن يتغير باختلاف الزمان والمكان والظروف وعملية التلقي . ويعتبر هذا المفهوم مهمًا في الدراسات الأدبية والنقدية، ويسمح بالاهتمام بالنص في حد ذاته والتركيز على كيفية إنتاج المعنى داخل النص وليس على إرادة المؤلف.

وقد تطور مفهوم "موت المؤلف" بشكل كبير على مر الزمن، وتم استخدامه في سياقات مختلفة. ففي الأصل، كان هذا المفهوم مرتبطًا بالأدب والنقد الأدبي، ويشير إلى أن معنى النص الأدبي يتم تحديده من قبل القارئ وليس من قبل المؤلف. ولكن مع مرور الزمن، تم تطبيق هذا المفهوم على مجالات أخرى، مثل الفن التشكيلي والسينما والموسيقى والفلسفة وحتى علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي.

كيف ذلك ؟

على سبيل المثال في سياق الفن التشكيلي، يعني "موت المؤلف" أن المعنى لا يتم تحديده من قبل الفنان وإنما من قبل مشاهد العمل الفني. وهذا يعني أن الفنان ينتج العمل الفني كوسيلة للتعبير عن أفكاره ومشاعره، ولكن المعنى الفعلي للعمل الفني يتم تحديده من قبل الجمهور.

أيضا في مجال السينما، يمكن فهم "موت المؤلف" على أنه يشير إلى أن المعنى لا يتم تحديده من قبل كاتب السيناريو فقط، وإنما من قبل السينمائيين الآخرين مثل الممثلين والمؤلفين والموسيقيين والمخرجين. وبالتالي، فإن الفيلم يمكن أن يفهم بأكثر من معنى ويمكن أن يترك للجمهور حرية التفسير والتأويل.

في عصر الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يكون مفهوم "المؤلف" مختلفًا عما كان عليه في الماضي. يمكن النظر إليه على أنه الشخص الذي يحدد الرؤية الإبداعية لأي عمل فني، بغض النظر عن الطريقة التي يتم إنتاجه بواسطتها . وبما أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في إنتاج الفن، يمكن النظر إليه إذن كمساهم في العمل الفني وكجزء من فريق الإبداع.

ولكن يجب الانتباه إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل الإبداع الإنساني بشكل كامل. فالإبداع الحقيقي يتطلب تفكيرًا وإدراكًا إنسانيًا، وهو شيء لا يمكن للذكاء الاصطناعي تحقيقه على نحو مثالي.

وبالتالي، يجب إعادة تعريف مفهوم "المؤلف" في عصر الذكاء الاصطناعي بما يتناسب مع الواقع الجديد، والاعتراف بدور الذكاء الاصطناعي كأداة إبداعية يمكن استخدامها لتحقيق الرؤية الفنية للمؤلف.

يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي مساهمًا في الإنتاج الفني، ولكنه لا يمكن اعتباره مؤلفًا بالشكل التقليدي للكلمة. إنه مجرد أداة يستخدمها الفنانون لتحقيق رؤيتهم الفنية، ويمكن أن يتم تعديل برامج الذكاء الاصطناعي لتنتج إخراجًا محددًا يتماشى مع رؤية الفنان.

ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أنه في بعض الحالات، يمكن للذكاء الاصطناعي توليد محتوى فني بشكل مستقل بناءً على معايير وضوابط محددة مسبقًا. في هذه الحالات، يمكن النظر إلى الذكاء الاصطناعي كمؤلف لكن ليس بالمنظور التقليدي.

ومن المهم الإشارة إلى أن المفهوم التقليدي للمؤلف هو الشخص الذي يكتب أو يبتكر شيئًا، لذا فإن استخدام مصطلح "مؤلف" للذكاء الاصطناعي يمكن أن يتطلب إعادة تعريف هذا المصطلح.

في العصر الحديث، يناقش العديد من الفنانين والمفكرين مفهوم "موت المؤلف"، وهو فكرة تفيد بأن معنى العمل الفني يكون مستقلاً عن إرادة المؤلف ويتم إحداثه من قِبَل المتلقي. ومع تطور التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يكون لهذه الفكرة دلالات جديدة.

على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج أعمال فنية دون وجود مؤلف واضح. يمكن لبرامج الذكاء الاصطناعي توليد محتوى فني بشكل مستقل بناءً على معايير وتحديدات مسبقة ، دون وجود عنصر بشري يحدد الرؤية الفنية. وفي هذه الحالة، يمكن النظر إلى المتلقي كمؤلف فعلي للعمل الفني، حيث يقوم بإحداث المعنى الفني وفقًا لتفسيره الخاص للعمل.

ومع ذلك، لا يزال دور المؤلف وإرادته مهمًا في العمل الفني، خاصة عندما يتم استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة إبداعية. فالفنان لا يقتصر دوره على إنتاج العمل الفني فحسب، بل يقوم بتحديد الرؤية الفنية والإشراف على عملية إنتاج العمل باستخدام التقنيات الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. لذلك، فإنه من المهم الاعتراف بدور المؤلف الإنسان وإرادته في العمل الفني، بغض النظر عن الأدوات والتقنيات المستخدمة في إنتاجه.

0 التعليقات: