الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، سبتمبر 28، 2023

في أرض المفارقات تولد شاعراً: عبده حقي


في أرض المفارقات، حيث ترقص قوانين الواقع على أنغام سيمفونية العبث، وجدت نفسي قد تحولت إلى شاعر. لقد كان مكانًا حيث الأعلى للأسفل، واليسار لليمين، وكانت الشمس تختار أحيانًا أن تشرق في ظلال منقطة، وتلقي ظلال قوس قزح على التلال المتموجة التي كانت من حبوب الهلام والأحلام.

بدأت رحلتي إلى عالم المفارقات يوم كانت الأنهار تتدفق بالضحكات السائلة، وتهمس الأشجار بالأسرار بلغة لا يفهمها أحد سواي. استيقظت على سرير من الريش العائم، وعندما نهضت من سباتي الغريب، أدركت أن أصابع قدمي كانت عبارة عن آلة كاتبة مصغرة، تطقطق الأبيات الشعرية مع كل خطوة.

كانت السماء في الأعلى عبارة عن نسيج دائم التغيير من العواطف، حيث بكت الغيوم دموع الفرح، وغنت النجوم تهويدات حزينة. في هذا العالم المقلوب رأساً على عقب، كان من المعتاد أن تذوب الساعات في برك من الحليب الأسود عند الظهيرة، لتتحول إلى ساعات بلورية بحلول منتصف الليل.

تجولت في غابات الفطر الناطق، وانخرطت في مناظرات فلسفية مع السناجب العالمة. وغنت الأنهار بأبيات مقفاة، ودندنت الجبال قصائد يتردد صداها في الوديان. كان الهواء مشبعًا بالإلهام الشعري، ولم أستطع إلا أن أكتب أبياتًا على ظهر المناديل غير المرئية.

في أحد الأيام، واجهت مخلوقًا يُعرف باسم اليرقة المتناقضة. لقد كان مخلوقًا صغيرًا مخططًا بألوان الحمار الوحشي وله ميل لسرد الألغاز. لقد طرح علي السؤال الأكثر حيرة: "إذا بكى قوس قزح في الغابة، فهل يصدر صوتًا؟" فكرت في هذا السؤال لعدة أيام، وكان ذهني يتلوى ويتقلب مثل قطعة البسكويت المملح بحثًا عن إجابة.

وبينما كنت أفكر، وجدت نفسي محاطًا بجوقة من المخلوقات التشكيلية التي تتلو أبياتًا من الشوق واليأس. كانت هناك أسماك تسبح في الهواء وطيور ترقص على سطيحة المحيط. كانت الأرض تحت قدمي تهمس بحكايات عن الحب غير المتبادل، وشكلت النجوم فوق رأسي كوكبات تحكي قصص المجرات المفقودة.

في أرض المفارقات، كان الوقت مثل عشيقة متقلبة، وسرعان ما فقدت تتبع الأيام والليالي. أصبحت شاعراً ، أنسج أبياتاً تتحدى الصواب . رسمت كلماتي صورًا لأسماك طائرة وأقواس قزح باكية، ولجبال تشتاق إلى لمسة السماء، ولسحب تحلم بالثبات.

وهكذا، في هذا العالم المحير من المفارقات، وجدت رسالتي الحقيقية كشاعر، كتابة أبيات شعر متقلبة تصور جوهر الواقع الذي كان سخيفًا وجميلًا في نفس الوقت. وبينما كنت أكتب أفكاري، لم أستطع إلا أن أبتسم لكل هذا الهراء المطلق، لأنه في أرض المفارقات، أكثر الأحلام سخافة هي تلك التي تحققت.

0 التعليقات: