الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، سبتمبر 22، 2023

قصة قصيرة "الفيلسوف زينون في أرض العبثستان" عبده حقي


في أرض العبثستان، المكان الذي كانت فيه قوانين المنطق أشبه باقتراحات مرحة، عاش فيلسوف اسمه زينو. لم يكن زينون فيلسوفك العادي؛ كان لديه افتتان غريب بالتجريد والعبث. كان يعتقد أن الواقع مجرد وهم كبير، وسراب متلألئ يرقص على الحدود بين العقل والجنون.

في صباح أحد الأيام المشمسة، انطلق زينو في مهمة للعثور على معنى الحياة، وهي رحلة ستأخذه إلى أقصى حدود أبسورديستان. أثناء تجواله عبر المناظر الطبيعية لهذا العالم الغريب، واجه مخلوقات غريبة وظواهر محيرة تحدت فهمه للوجود.

كان أول لقاء له مع شجرة ناطقة تُدعى ديندرونيوس، التي كانت تفكر في جوهر الوجود بينما تقوم في نفس الوقت بالتمثيل الضوئي وتلاوة السوناتات الشكسبيرية. ادعى ديندرونيوس أن الحياة كانت مثل مسرحية لا تنتهي أبدًا، حيث الممثلون هم الجمهور والنقاد على حد سواء، وقد كتب السيناريو كاتب مسرحي كوني كان لديه ميل للكوميديا العبثية.

أثناء مواصلة رحلته، عثر زينو على فندق إنفينيت، وهو مبنى شاهق يحتوي على عدد لا حصر من الغرف. استقبله مدير الفندق، وهو شخص غريب يُدعى هيلبرتيكوس، بأذرع مفتوحة وسأله عما إذا كان يحتاج إلى غرفة. كان زينون في حيرة من أمره؛ كيف يمكن أن يكون فندق به عدد لا نهائي من الغرف مشغولاً بالكامل؟ وأوضح هيلبرتيكوس أنه يمكنهم دائمًا إفساح المجال لضيف آخر عن طريق نقل الركاب في لعبة لا حصر لها من الكراسي الموسيقية. تعجب زينون من الإمكانيات اللانهائية، مدركًا أنه في أبسورستان، حتى مفهوم "الكامل" كان خاضعًا للتفسير.

عندما سافر زينو إلى عمق قلب أبسورستان، التقى بقبيلة من الفلاسفة الذين ناقشوا وجود "الدائرة المربعة". لقد تجادلوا بحماس، محاولين إثبات أو دحض إمكانية وجود مثل هذا الشكل. انضم زينو إلى المناقشة، وصياغة حجج متقنة شككت في طبيعة الأشكال الهندسية ذاتها. في النهاية، توصلوا إلى أن الدائرة المربعة في أبسورستان لم تكن ممكنة فحسب، بل كانت حتمية أيضًا.

في أحد الأيام، صادف زينو معبد المفارقات، وهو مكان عبادة لسكان أبسورستان. في الداخل، كانت مجموعة من الرهبان يتأملون أثناء التفكير في الألغاز التي تتجاوز حدود العقل. انضم إليهم زينو في تأملهم وشهد لحظة من التنوير العميق. لقد أدرك أن البحث عن المعنى كان في حد ذاته مسعى سخيفًا، لأن المعنى كان مفهومًا مائعًا ومتغيرًا باستمرار، يشبه إلى حد كبير رمال الصحراء المتحركة.

مع مرور السنين، واصل زينون رحلته الفلسفية عبر المناظر الطبيعية في أبسورستان. لقد واجه صخورًا ناطقة ناقشت طبيعة الصمت، وشاهد غيومًا تمطر حبوب الهلام بدلاً من الماء، وانخرط في محادثات مع القواقع التي تسافر عبر الزمن والتي تفكرت في طبيعة السببية.

في النهاية، لم يجد زينون إجابة محددة لمعنى الحياة في أبسورستان، لكنه اكتشف شيئًا أكثر عمقًا. لقد أدرك أن الحياة عبارة عن نسيج من السخافات، ورقصة غريبة من التناقضات، وأن السعي وراء المعنى هو رحلة في حد ذاته. بابتسامة على وجهه، اعتنق زينو عبثية الوجود وواصل سعيه الذي لا ينتهي عن المراوغ، والمجرد، والعبث.

وهكذا، في أرض العبثستان، حيث تلاشت الحدود بين العقل والجنون في ضباب مبهج، وجد زينون علامته التجارية الخاصة من التنوير - فلسفة العبث المبهجة التي من شأنها أن تلهم أجيالًا من المفكرين والباحثين في هذا العالم السخيف الرائع.

0 التعليقات: