الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، أكتوبر 15، 2023

نص سردي "عيون مرية" عبده حقي


يقول الناس إنها كانت تمتلك سحرًا معينًا، صفة من عالم آخر يصعب وصفها. هو النور الذي كانت تحمله في جوانيتها.

كانت لديها طريقة لجعل حتى أكثر اللحظات مللا تبدو وكأنها حكاية خيالية. كانت ترتاد المروج، وتترك يديها تتمايلان بلطف مع النسيم، ومع كل حركة، كانت تزرع خلفها بذور النور. لتنمو في إشعاع يرسم العالم من حولها في لوحة ألوان دائمة الخلق.

كانت عيناها وحيها الحقيقي. تحملان شعلة كأنها تحترق بحكمة العصور الغابرة .. مثل شعلتين أبديتين تلقيان وهجهما على أديم الكون . تريان أشياء لا يستطيع البشر رؤيتها، وكانت نظرتها تحل المشاكل الأكثر إرباكًا في النفوس.

وجودها نعمة .. كان الناس يرحلون من ضفاف بعيدة لطلب نصيحتها. كانت مرية عزاء للمقهورين، وملهمة للفنانين، وشافية للجرحى. وكم من مرة استمعت إلى قصص أولئك الذين طلبوا مشورتها، وبلمسة لطيفة، كانت تنسج من حكاياتهم بلسما لوجودهم.

في أحد الأيام المقمرة، زارها شاعر، منجذبًا بحكاياتها الصوفية . سمع همسات صوتها .. دافئة ومريحة لدرجة أنها يمكن أن تؤجج أبرد القلوب حبا . وكان يشتاق إلى أن يزرع جوهرها في صلب كلماته، وأن يفهم أسرار إشعاع عينيها.

عند لقائهما الأول، كان منبهرًا بها حد الجنون . كانت هي تتحدث، وكان صوتها يلتف حوله مثل لحاف دافئ. شاركته حكايات عن المراعي وغروب الشمس ولألأة النجوم التي تزين سماء الليل. حدثته عن الحب وخساراته، عن الأحلام ورغباتها، وكان هو مفتونًا بالطريقة التي أضاءت بها كلماتها العالم من حولهما.

وجد نفسه في لحظة يعود إليها مسافرا من حين لآخر، يقضي ساعات في حضرتها، يستوعب حكمة نور عينيها، ويستمع إلى الحكايات التي نسجتها.

في إحدى أمسيات الشتاء الباردة، بينما كانا جالسين بجوار المدفأة، شعر بدفء صوتها وتوهج عينيها كما لم يحدث من قبل. في تلك اللحظة أدرك أنه قد وقع في غرامها الشديد. لقد أشعل النور الذي كانت تحمله بداخلها نارًا لافحة في قلبه لم يستطع إخمادها.

ابتسمت وعينيها تتوهجان أكثر من أي وقت مضى. واعترفت بأنها أيضًا أصبحت مغرمة به، وكان صوتها يرتجف وهي تتحدث. وبلمسة من يدها، أشعلت حبًا عميقًا في كيانه لدرجة أنه شعر كما لو أن السماء نفسها تآمرت لجمعهما معًا.

كتب الشاعر قصائد تغنت بحبهما، وواصلت هي زرع بذور النور تحتهما، وخلقت بساط الريح من الألوان ليعكس رحلتهما المشتركة.

يقول الناس أن حبهما لم يكن سوى ذلك النور المتدفق من عينيها الذي لم ينير حياتهما فحسب، بل حياة كل من عرفهما .

0 التعليقات: