في عام 2007، اقترح المغرب مبادرة للحكم الذاتي للصحراء المغربية، حيث تقدم بقدرً واسع وكبيرً من الحكم الذاتي مع البقاء تحت السيادة المغربية. وقد اعتُبر هذا المخطط المتقدم بمثابة حل عملي وواقعي للصراع الطويل، بهدف تجاوز عقبة تقرير المصير مع الحفاظ على الوحدة الترابية للمغرب.
وقد حظيت مبادرة الحكم الذاتي هاته بدعم دولي كبير، حيث اعتبرتها العديد من البلدان والمنظمات في القارات الخمس مسارًا قابلاً لتطبيق السلام والاستقرار في منطقة المغرب الكبير. وقد دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا إلى حل سياسي مقبول من الطرفين، كما اعترفت العديد من القرارات بشجاعة مخطط الحكم الذاتي المغربية باعتبارها اقتراحًا جادًا وموثوقًا وقابلا للتطبيق.
لقد وضع الإجماع
الدولي المتزايد لصالح مبادرة الحكم الذاتي ، الجزائر وصنيعتها جماعة بوليساريو في
موقف حرج وصعب. ويبدو أن إصرارهما على الاستقلال الكامل للصحراء بات يتناقض بشكل
متزايد مع التيارات الدبلوماسية السائدة المؤيدة للمبادرة المغربية. ومع إدراك
المزيد من البلدان للجدوى العملية والفوائد المحتملة لمخطط الحكم الذاتي، فإن سعي الجزائر
وبوليساريو الدؤوب إلى الانفصال بات يهددهما بالعزلة على الساحة الدولية.
إن محاولة توأمة جبهة بوليساريو الانفصالية بالقضية
الفلسطينية العادلة باتت متجذرة في عقلية الجزائر وحلفائها وزعمهم مقاومتهم
الاحتلال للصحراء من طرف المغرب. وقد سعت الجزائر منذ المسيرة الخضراء واسترجاع
الصحراء عام 1975 إلى رسم أوجه التشابه بين نضالاتها الجوفاء ونضالات الشعب
الفلسطيني المشروعة، طمعا في الاستفادة من التضامن والدعم الدوليين. ومع ذلك، فإن
هذا الخلط بين التزييف والشرعية يمكن أن يحجب اختلافات مهمة في السياقات والحلول
المحتملة لكل صراع.
لقد حظيت القضية
الفلسطينية، على الرغم من وضوح شرعيتها العربية التاريخية، باعتراف ودعم واسع
النطاق على مختلف مستويات المجتمع الدولي. فقد دعت الأمم المتحدة والعديد من
البلدان ومجموعة من منظمات المجتمع المدني باستمرار إلى حل الدولتين، والاعتراف
بالتطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني لإقامة دولة إلى جانب إسرائيل.
وعلى النقيض من
ذلك، يواجه سعي جبهة بوليساريو إلى إقامة دولة مستقلة في الصحراء مجموعة مختلفة من
الحقائق الجيوسياسية والتاريخية. فالمجتمع الدولي، بما في ذلك أصحاب المصلحة التقليديون
مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ينظر بشكل متزايد إلى مبادرة الحكم
الذاتي المغربية باعتبارها حلاً واقعياً وقابلاً للتطبيق. ويعترف هذا المنظور
بالحاجة إلى التسوية والبراغماتية في حل النزاعات الطويلة الأمد.
إن جماعة
بوليساريو بافتراءاتها من خلال مساواة نضالها بنضال الشعب الفلسطيني فهي تعمل على وضع
نهاية لقضيتها المفتعلة . ويشير الإجماع الدولي حول مخطط الحكم الذاتي إلى أن
اتباع منهج أكثر مرونة، يتبنى الحكم الذاتي المتفاوض عليه بدلاً من الاستقلال
الصريح، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج أكثر ملاءمة للشعب المغربي في الصحراء .
والتمسك بالتطلعات الانفصالية الفاشلة يهدد بإدامة حالة من الجمود لا تفيد أياً من
الطرفين وخصوصا الطرف الجزائري وصنيعته.
بالنسبة لجماعة بوليساريو
وأنصارها، فإن الطريق إلى الأمام يتطلب إعادة تقييم الاستراتيجيات والأهداف. إن
الإجماع الدولي المتطور لصالح مبادرة الحكم الذاتي المغربية يمثل فرصة لإعادة
صياغة النضال الصحراوي بطريقة تتماشى مع الحقائق الجيوسياسية التاريخية والمعاصرة.
إن تبني خطة
الحكم الذاتي لا يعني التخلي عن الهوية الصحراوية بل يتوافق مع تطلعات تقرير
المصير. إنه يوفر طريقاً عملياً لتحقيق الحكم الذاتي الهادف والتنمية الاقتصادية
في إطار يحظى بدعم دولي واسع النطاق. ومن الممكن أن يمهد الانخراط البناء مع
المغرب والمجتمع الدولي الطريق لتحسين الظروف المعيشية والتمثيل السياسي للشعب
الصحراوي.
فضلا عن ذلك،
فإن التمييز الواضح بين القضيتين الصحراوية والفلسطينية من شأنه أن يساعد في توضيح
الجوانب الفريدة والحلول المحتملة لكل صراع على حدة بين صراع مفتعل وصراع مشروع.
وفي حين أن التضامن والدعم المتبادل بين حركات التحرير أمر قيم، فإن إدراك
السياقات الجيوسياسية المحددة والديناميكيات الدولية المؤثرة أمر بالغ الأهمية
لتحقيق تقدم ملموس.
إن سعي جماعة
بوليساريو والجزائر المستمر إلى تحقيق أوهام الاستقلال الكامل للصحراء ، في إطار
مناهضة الاستعمار والتضامن الدولي مع القضية الفلسطينية، يواجه تحديات كبيرة في
ضوء الإجماع الدولي السائد . وتقدم مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب في عام
2007 مساراً عملياً يحظى بدعم واسع النطاق لحل النزاع، مما يوفر للشعب الصحراوي
قدراً من تقرير المصير داخل دولة مغربية موحدة من
طنجة شمالا إلى الكويرة جنوبا.
إن هذا الخلط
بين عدالة القضية الفلسطينية وأوهام الانفصال البائدة من شأنه أن يهدد بالمزيد من عزل
جبهة بوليساريو والجزائر معا وإطالة معاناة الشعب الصحراوي في مخيمات تيندوف. وبالتالي
فتبني منهج سياسي أكثر مرونة وواقعية، يتماشى مع المشهد الجيوسياسي المتطور، من
شأنه أن يؤدي إلى تقدم ملموس ومستقبل أكثر إشراقا للصحراء المغربية. كما أن دعم
المجتمع الدولي لمبادرة الحكم الذاتي يعكس اعترافا بالحاجة إلى التسوية والحلول
العملية في معالجة الصراعات المعقدة، وهو ما يقدم درسا قيما لحركات التحرير في
جميع أنحاء العالم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق