إن مغربنا العربي
الكبير، تلك المنطقة التي تتمتع بإمكانات هائلة، ظل لغزاً جيوسياسياً منذ استقلال
بلدانه قبل ستين سنة ونيف . فقد هيمنت الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية على
حلم المغرب الكبير الموحد، الذي كان ذات يوم منارة أمل للبلدان العربية والإفريقية.
وفي قلب هذا المأزق برزت كتلة إقليمية جديدة : "مجلس الشراكة المغاربية"
الذي تم إنشاؤه حديثا قبل أيام فضلا وجود اتحاد المغرب العربي الذي يبلغ عمره أكثر
من أربعة عقود.
لقد تمت الإشادة
بالمولود الجديد "مجلس الشراكة المغاربية" وهي مبادرة حديثة تضم كلا من الجزائر
وتونس وليبيا، باعتبارها طموحا جديداً للتعاون الإقليمي. ولكن على الرغم من الخطاب
المتفائل، يبدو أن المجلس قد ولد ميتاً. والأسباب وراء ذلك متعددة.
بداية، إن تغييب
المملكة المغربية، القوة الاقتصادية الكبرى في المنطقة، يشكل استغفالاً صارخاً
لعضو أساسي في الجسد المغاربي . فقد أدى استبعاد المغرب بتواطؤ جزائري فج، الذي
يرجع في المقام الأول إلى التوترات الجيوسياسية ، إلى شل المجلس منذ ولادته .
وبدون القوة الاقتصادية والمنطق الاستراتيجي للمغرب، سوف يفتقر هذا المجلس إلى
الزخم اللازم لمعالجة التحديات التنموية المعقدة التي تواجه المنطقة.
ثانياً، لا تشجع
الديناميكيات الداخلية للدول المشاركة التعاون الإقليمي. فقد انتهجت الجزائر، في
ظل مؤسستها العسكرية، سياسة خارجية تتسم بالانعزالية والمواجهة. من جانبها تونس،
التي تعاني من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، ولديها قدرات محدودة على دفع
التكامل الإقليمي. وتظل ليبيا المنقسمة إلى شطرين ، التي لا تزال تتعافى من حرب
أهلية مطولة، دولة هشة تركز اهتمامها على إعادة الإعمار الداخلي.
علاوة على ذلك،
فإن اللهاث الجيوسياسي الجزائري خلف مركز المملكة المغربية يلقي بظلاله الطويلة
على المنطقة بأكملها. ولا يزال نزاع الصحراء المغربية، وهو صراع استمر خمسة عقود،
يسمم العلاقات الثنائية ويقوض جهود التعاون الإقليمي. وما دام هذا النزاع لا يزال
دون حل، فسوف يكون من الصعب على المغرب العربي الكبير تحقيق إمكاناته كاملة.
وعلى النقيض من "مجلس
الشراكة المغاربي" الناشئ، أصيب اتحاد المغرب العربي، بالشلل بسبب غياب
أعضائه الأكثر نفوذاً وعلى رأسهم المغرب. وكان خروجه في عام 2017 بمثابة ضربة قوية
للاتحاد، حيث حرم الكتلة من محركها الاقتصادي وقيادتها السياسية الريادية.
لقد كان قرار
المغرب بالانسحاب مدفوعًا بعدة عوامل، بما في ذلك تعنت الجزائر بشأن قضية الصحراء
، فضلاً عن التصور بأن الاتحاد لم يحقق فوائد ملموسة.
إن تغييب المغرب
الكبير القوي والموحد ستكون له عواقب بعيدة على المدى المتوسط والبعيد . فمن
الناحية الاقتصادية، تفقد المنطقة فرصاً كبيرة للتجارة والاستثمار وخلق فرص العمل.
كما أدى الافتقار إلى التكامل الإقليمي إلى إعاقة التنمية الاقتصادية وتفاقم
التفاوتات بين البلدان.
وعلى الصعيد
السياسي، أدى تقسيم المغرب الكبير إلى خلق فراغ في السلطة استغلته جهات خارجية.
وأصبحت المنطقة ساحة صراع بين مصالح متنافسة، حيث تتنافس القوى الأجنبية على
النفوذ الإمبريالي والرأسمالي. وقد أدى هذا إلى زعزعة استقرار المنطقة وزعزعة سيادة
دولها.
وعلى الصعيد
الأمني، فإن منطقة المغرب العربي المجزأة أكثر عرضة للتهديدات مثل الإرهاب
والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية. وقد أدى الافتقار إلى التعاون بين قوات
الأمن في المنطقة إلى استفحال انتقال هذه التهديدات عبر الحدود
وخصوصا بين ليبيا وتونس.
إن منظمتي"مجلس
الشراكة المغاربية" و"الاتحاد المغرب العربي" سيبقى كلاهما ضحية
للانقسامات الجيوسياسية في المنطقة. فقد أدى غياب المملكة المغربية، إلى جانب
التحديات الداخلية التي تواجهها الجزائر وتونس وليبيا، إلى منع هاتين المنظمتين من
تحقيق إمكاناتهما الكاملة في الحاضر والمستقبل.
ولإحياء حلم
المغرب العربي الموحد، فمن الضروري معالجة الأسباب الكامنة وراء تفكك المنطقة ويشمل
هذا حل نزاع الصحراء ، وتعزيز الحوار والتعاون بين الجزائر والمغرب، ودعم مؤسسات
التكامل الإقليمي.
ورغم التحديات
الهائلة التي تواجهنا، فإن المكافآت المحتملة التي قد تتحقق من خلال توحيد المغرب
العربي هائلة
وواعدة . ذلك أن المغرب المستقر والمزدهر والمتكامل لن يعود بالنفع على شعوب
المنطقة فحسب، بل إنه سوف يساهم أيضاً في ترسيخ السلام والأمن في السياقين الأوسع
نطاقاً في منطقة البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق