يشهد العالم اليوم مرحلة تحولية تقودها ابتكارات الذكاء الاصطناعي بقوة. ففي مختلف النشاطات الإنتاجية ، يعمل الذكاء الاصطناعي على إعادة تشكيل المشهد بسرعة مهولة، وأتمتة المهام، وخلق فرص جديدة تمامًا. ونحن في المغرب، نقف أيضا في مفترق الطرق هذا بمجموعة متنامية من المواهب والصناعات الإبداعية المشرفة . ومع ذلك، هناك سؤال حاسم يطرح نفسه: هل القطاع السمعي والبصري والإعلاني والرقمي في بلادنا مستعد ومؤهل لطفرة الذكاء الاصطناعي القادمة ؟
لقد شهد القطاع
السمعي البصري في المغرب تطورا هائلا في العشرين سنة الأخيرة. فعلى مستوى صناعة
الأفلام العالمية، اكتسبت جل الأعمال التي تم إنتاجها في استوديوهاتنا المحلية اعترافًا
دوليًا. كما تطور قطاع الإعلانات، مع التركيز المتزايد على التسويق الرقمي
والحملات القائمة على البيانات. وشهد القطاع الرقمي نفسه طفرة لافتة ، مع زيادة
انتشار شبكة الإنترنت ونمو النظام البيئي للشركات الناشئة.
ومع ذلك، على
الرغم من هذا النمو، هناك نقص جلي ومثير للقلق في الاستعداد والتأهيل للذكاء
الاصطناعي داخل هذه القطاعات. وتشير دراسة حديثة إلى أن أكثر من ثلثي المهنيين في
هذه المجالات يفتقرون إلى المهارات والمعرفة اللازمة للانتقال مع ثورة الذكاء
الاصطناعي. إن هذه الفجوة المعرفية تمثل عقبة كبيرة أمام الصناعات الإبداعية في
المغرب للاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي.
إن الذكاء
الاصطناعي يمتلك القدرة على إحداث ثورة في كل جانب من جوانب القطاعات السمعية
والبصرية والإعلانية والرقمية في المغرب. فعلى مستوى الصناعة السمعية والبصرية يمكن للذكاء
الاصطناعي تبسيط عملية إنشاء المحتوى من خلال التحرير الآلي والمساعدة في كتابة
السيناريو والمؤثرات الخاصة. كما يمكنه أيضًا تشغيل محركات التوصية لمنصات البث
وتخصيص تجارب المشاهدين.
وفي قطاع الإعلانات
والإشهار يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء حملات إعلانية عالية الاستهداف والاستفادة
من تحليلات البيانات للتنبؤ بسلوك المستهلك وتقديم رسائل مؤثرة وجذابة . كما يمكن
لروبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي دعم مشاركة الزبائن.
أما في المجال الرقمي
فيمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة المهام المتكررة، مما يحرر الموارد البشرية للاتجاه
نحو الابتكار. ويمكنه أيضًا تشغيل محركات البحث الذكية وأنظمة التوصية لمنصات
التجارة الإلكترونية وتطوير روبوتات الدردشة لتحسين خدمة الزبائن.
وإذا كانت الفوائد
المحتملة للذكاء الاصطناعي لا يمكن إنكارها، إلا أنه لا بد من معالجة تحديات كبيرة
لضمان هذا التحول التاريخي بسلاسة ونجاعة حيث
على مستوى فجوة
المهارات وكما ذكرنا سابقًا، فإن الافتقار إلى خبرة الذكاء الاصطناعي بين
المتخصصين يمثل عقبة رئيسية. وبالتالي يتطلب سد هذه الفجوة الاستثمار في برامج
التدريب والمبادرات التعليمية لتزويد المهنيين بالمهارات اللازمة للعمل جنبًا إلى
جنب مع أدوات الذكاء الاصطناعي.
أما بخصوص المخاوف
المتعلقة بخصوصية البيانات، فإن نمو الذكاء الاصطناعي يعتمد أساسا على البيانات،
ولكن يجب وضع قوانين خصوصية البيانات لضمان الاستخدام الأخلاقي والمسؤول لبيانات
المستهلكين والمتلقين بشكل عام . ويتطلب هذا تحقيق التوازن بين دعم الابتكار
وحماية الخصوصية الفردية.
من جانب آخر يمكن
أن تكون حلول الذكاء الاصطناعي باهظة الثمن، مما قد يخلق عائقًا أمام إمكانية
الوصول للشركات الصغيرة والشركات الناشئة حيث تحتاج الحكومة والقطاع الخاص إلى
التعاون لجعل أدوات الذكاء الاصطناعي ميسورة التكلفة ويمكن الوصول إليها بسهولة.
وعلى الرغم من هذه
التحديات، هناك إمكانات هائلة أمام المغرب للاستفادة من الذكاء الاصطناعي وأن يصبح
رائدا في مجال الصناعات الإبداعية الثقافية والإعلامية مما
يحتم على الحكومة
أن تلعب دورًا حاسمًا من خلال الاستثمار في أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطويره، ودعم البرامج
التعليمية التي تركز على الذكاء الاصطناعي، وإرساء قوانين تنظيمية للاستخدام
الأخلاقي للذكاء الاصطناعي.
كما يعد التعاون
بين رواد الصناعات والمؤسسات التعليمية وخبراء الذكاء الاصطناعي أمرًا ضروريًا
لتطوير برامج تدريبية مستهدفة ومشاركة أفضل الممارسات لتكامل الذكاء الاصطناعي.
وبالتالي يجب رفع
مستوى الوعي حول الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي ودعم ثقافة الابتكار داخل
الصناعات الإبداعية الإعلامية والثقافية أمرًا بالغ الأهمية لنجاح اعتماده.
إن كرة الثلج لثورة
الذكاء الاصطناعي تقترب منا، وتقف معها القطاعات السمعية والبصرية والإعلانية
والرقمية في المغرب عند منعطف حرج. وعلى الرغم من وجود تحديات، إلا أن الفوائد
المحتملة للذكاء الاصطناعي هائلة. ومن خلال معالجة فجوة المهارات، وضمان ممارسات
البيانات المسؤولة، ودعم بيئة تعاونية، يستطيع المغرب تسخير قوة الذكاء الاصطناعي
لدفع صناعاته الإبداعية إلى الأمام ويصبح رائدا عالميا في العصر الجديد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق