الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، سبتمبر 22، 2024

هل يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء أسلحة بيولوجية قاتلة؟


إن التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي يحمل معه إمكانات كبيرة للابتكار، ولكن أيضا مخاطر كبيرة. ومن بين أخطر المخاوف إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء أسلحة بيولوجية قاتلة. وفي حين يقدم الذكاء الاصطناعي وعودا هائلة في مجالات مثل الرعاية الصحية والمستحضرات الصيدلانية والتكنولوجيا الحيوية، فإن نفس القدرات التي تسمح للذكاء الاصطناعي بتصميم الأدوية أو تحليل التسلسلات الجينية يمكن تسخيرها لتطوير عوامل بيولوجية ضارة. والقلق هو أن أنظمة الذكاء الاصطناعي، إذا تم توجيهها بشكل غير صحيح أو برمجتها بشكل خبيث، يمكن أن تخفض بشكل كبير الحواجز أمام إنشاء أسلحة بيولوجية جديدة، مما يشكل تهديدا أمنيا خطيرا للبشرية.

لقد أحدثت الذكاء الاصطناعي ثورة في مجال التكنولوجيا الحيوية من خلال قدرتها على معالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات البيولوجية بسرعة وكفاءة. على سبيل المثال، أظهرت خوارزميات التعلم الآلي بالفعل نجاحًا غير عادي في التنبؤ بهياكل البروتين، ومحاكاة العمليات البيولوجية، وتصميم جزيئات جديدة. كما يتم تسريع اكتشاف الأدوية، الذي كان يستغرق سنوات في الماضي، بفضل قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل المركبات الموجودة، والتنبؤ بفعاليتها، وحتى اقتراح هياكل كيميائية جديدة.

ولكن فائدة الذكاء الاصطناعي في التكنولوجيا الحيوية تشكل سلاحا ذا حدين. فمن الناحية النظرية، يمكن إعادة استخدام نفس الخوارزميات القادرة على تحديد العلاجات أو اللقاحات المحتملة لتصميم مسببات الأمراض الخطيرة. ومن خلال النماذج التنبؤية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يمكن للمرء أن يولد تسلسلا لفيروس أو بكتيريا محسنا للتهرب من الاستجابات المناعية، أو الانتشار بشكل أكثر فعالية، أو مقاومة العلاجات الحالية. وبالتالي يمكن تبسيط عملية إنشاء الأسلحة البيولوجية، الأمر الذي يتطلب خبرة أقل من أي وقت مضى. وهذا أمر مثير للقلق بشكل خاص في عالم حيث أصبحت تقنيات تحرير الجينات مثل كريسبر أكثر سهولة في الوصول إليها.

إن أحد التحديات الأساسية في منع إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في التكنولوجيا الحيوية هو ضمان مواكبة المبادئ التوجيهية واللوائح الأخلاقية للتقدم التكنولوجي السريع. وفي حين يعمل العديد من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي وشركات التكنولوجيا الحيوية وفقًا لإطار أخلاقي واضح، فهناك دائمًا من هم من المتطرفين الذين قد لا يشاركون نفس المعايير الأخلاقية. وعلاوة على ذلك، فإن تطوير الذكاء الاصطناعي في بيئات مفتوحة المصدر يمكن أن يجعل من الصعب التحكم في من لديه حق الوصول إلى الخوارزميات القوية التي يمكن إعادة استخدامها لأغراض خبيثة.

وتنشأ مخاوف أخلاقية أيضًا حول شفافية خوارزميات الذكاء الاصطناعي. تعمل العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي كـ "صناديق سوداء"، مما يعني أن حتى مبتكريها قد لا يفهمون تمامًا كيف يصل الذكاء الاصطناعي إلى استنتاجات معينة. وقد يكون هذا الافتقار إلى الشفافية خطيرًا بشكل خاص في مجالات مثل البيولوجيا الاصطناعية، حيث قد يقترح الذكاء الاصطناعي عن غير قصد عوامل بيولوجية ضارة. بالإضافة إلى ذلك، إذا استخدم فاعل خبيث الذكاء الاصطناعي لتطوير سلاح بيولوجي، فقد يكون تتبع أصل العامل الممرض صعبًا للغاية، مما يعقد الجهود الرامية إلى التخفيف من الضرر أو منع الهجمات المستقبلية.

إن أعظم المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي والأسلحة البيولوجية تتلخص في إمكانية إساءة استخدامها من جانب جهات غير حكومية أو دول مارقة. وعلى النقيض من الأسلحة النووية أو الكيميائية، التي تتطلب بنية تحتية وموارد متطورة، يمكن تطوير الأسلحة البيولوجية باستخدام معدات مختبرية بسيطة نسبيا. وبمساعدة الذكاء الاصطناعي، يمكن حتى للأفراد ذوي الخبرة المحدودة تصميم مسببات الأمراض، وهو ما من شأنه أن يخفض بشكل كبير الحواجز التي تحول دون دخول الإرهاب البيولوجي.

كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين العوامل البيولوجية الموجودة لجعلها أكثر فتكًا أو أكثر مقاومة للعلاجات الحالية. على سبيل المثال، يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي المدرب على الجينومات الفيروسية أن يصمم فيروسًا ينتشر بسهولة أكبر بين السكان البشريين أو يقاوم الأدوية المضادة للفيروسات. إن قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة العمليات البيولوجية قد تسمح للجهات الخبيثة باختبار فعالية مسببات الأمراض المسلحة قبل تصنيعها في المختبر.

ولمنع استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأسلحة البيولوجية، فإن التعاون الدولي سوف يكون ضروريا. ويتعين على الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع العلمي أن يعملوا معا لتطوير لوائح وأنظمة مراقبة قوية. وقد يشمل هذا فرض قيود على الوصول إلى تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي الحساسة، وتعزيز الفحص للكشف عن إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في التكنولوجيا الحيوية، وتعزيز ثقافة المسؤولية الأخلاقية بين الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي.

وعلاوة على ذلك، قد تلعب الذكاء الاصطناعي دوراً في الدفاع عن نفسها. ويمكن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لمراقبة قواعد البيانات الجينية، وتحديد الأنشطة المشبوهة أو التسلسلات التي قد تشير إلى تطوير الأسلحة البيولوجية. ويمكن أن تكون هذه الأنظمة جزءاً من شبكة إنذار مبكر مصممة للكشف عن التهديدات المحتملة وتحييدها قبل أن تتجسد.

إن إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء أسلحة بيولوجية قاتلة تشكل مصدر قلق خطير ومتزايد. وفي حين أن الذكاء الاصطناعي يحمل وعودًا كبيرة لتعزيز صحة الإنسان وحل المشاكل البيولوجية المعقدة، فإن نفس التقنيات يمكن إساءة استخدامها بطرق تهدد الأمن العالمي. ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، فمن الأهمية بمكان أن تظل الحكومات والعلماء وصناع السياسات يقظين، وتنفيذ الضمانات لمنع إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الأسلحة البيولوجية. وستكون الاعتبارات الأخلاقية والأطر التنظيمية والتعاون الدولي مفتاحًا للتخفيف من هذا التهديد الناشئ.

0 التعليقات: