ويتفرقع السؤال مثل السوط، وحش بألف مخالب يحفر في جمجمتي. أسمع ضحكة صرير، إنها ضحكة صوتي المشوه، الساقط في الفراغ. هناك هذه الهاوية، دائمًا هذه الهاوية، حيث أتكئ، وأنزلق، وأصرخ. السؤال صرخة ترتد عن الجدران اللزجة، تغلفني، تحولني إلى رماد أسود. لا تجيب، لا تجيب أبدًا، ولكنني أرى في عينيك هاوية ملتوية. الجواب هناك، في مكان ما، مختبئ في وحل الزمن، بين دقات قلب، بين دفقات من الضحك العليل.
يذوب العالم تحت قدمي،
ويصبح سائلاً، وأنا منجذب إلى زوبعة من وجوه بلا عيون، وأفواه بلا شفاه، تعضني، وتهمس
لي بكلمات لا أفهمها. يتكرر سؤالك، ويتضاعف، ويصبح جيشًا من الظلال التي تزحف على جلدي،
وتمزقني.
لم يعد هناك معنى،
ولا لغة، فقط هذه الفوضى، هذا الضجيج المستمر الذي يأكل حيطان ذهني. السماء جرح مفتوح،
والأرض بحر من الثعابين. الحروف والأرقام والرموز المجهولة تنبثق مثل النجوم الميتة.
أغوص، مرة أخرى، دائمًا، في هذا المحيط من اللاجواب، باحثًا عن الضوء، ولكن لا يوجد
سوى ومضات من الظلام، وشظايا منك. أنت.
يصبح السؤال عليلا،
وطاعونًا قارسًا، وحمى لا نهاية لها. أنت مجرد هلوسة أخرى، وهم، وحش يختبئ وراء كل
إجابة مستحيلة.
الكلمات هي ستائر،
ستائر من دخان يتآكل تحت أصابعي. إنها تختبئ، إنها تخفي، لكن ماذا تخفي، بالكاد أستطيع
تخمينه، مثل صورة ظلية خلف الضباب.
يطفو السؤال، ويبقى
معلقًا بيننا، مثل نجم ضائع في سماء شاسعة جدًا، سماء لم تعد تعرف ليلًا أو نهارًا.
أنظر إليك، وأطلب نظراتك،
لكنها تنزلق، وتهرب. وخلف عينيك صمت يطاردني. هذا الصمت أثقل من أي شيء، يثقل صدري،
يسحقني. في هذا الصمت أجد الجواب، ربما، أو ربما فقط صدى لما أريد سماعه. أنت هناك،
ولكن بعيدًا جدًا، بعيدًا جدًا، مثل جزيرة لا أستطيع الوصول إليها، شاطئ أراه ينحسر
كلما اقتربت.
أبحث عن إجابتك في
الفراغ بين كلماتك، في ظل حركاتك. ولكن لا يوجد سوى الصمت، دائمًا، هذا الصمت الذي
يرقص بيننا، مثل الظل المراوغ.
ينزلق السؤال إلى حلمي،
فيدور بين النجوم، ويتحول إلى فراشات ذات أجنحة زجاجية تلمع للحظة، ثم تختفي في الظلام.
لم أكن أعرف أبدًا
أين تبدأ أحلامك وأين تنتهي أحلامي. ربما يكون الأمر كله حلمًا، كرة كبيرة مقنعة حيث
نرقص دون أن نعرف أبدًا ما إذا كنا نلمس الأرض حقًا.
أراك، أشعر بك من خلال
الضباب، يتغير وجهك، ويصبح لشخص آخر، ثم يصبح لك مرة أخرى، باستمرار، مثل انعكاس في
الماء المتموج في الريح.
يتشقق الحلم، يتشقق،
وينفجر إلى ألف شظية من الضوء، وأجد نفسي وحيدًا، مع هذا السؤال الذي يتردد صداه في
الفراغ. أين أنت؟ أين أنا؟ نحن ضائعان في متاهة المرايا هذه، حيث يعيدنا كل منعطف إلى
أنفسنا، دون أن نجد أنفسنا أبدًا.
تمتزج الكلمات بالصور،
والأصوات بالألوان، ويصبح كل شيء زوبعة، مشهدًا من الأحاسيس التي تنزلق بعيدًا عن متناول
اليد.
الجواب مخفي خلف كل
صورة، خلف كل حلم، لكني لا أجده أبدًا. ربما لن أجده أبداً ربما لا توجد إجابة.
عيناك أضواء تتراقص
في الظلام، خصلات ترشد خطواتي في الليل.
السؤال ظل يلاحقني،
ينسل تحت جفني، يلتصق بكل نفس. لكنني لا أخاف هذا الظل، لأنه منسوج من يديك، من كلماتك،
من نظراتك.
أبحث عن إجابتك في
كل نجمة، في كل انعكاس على الماء، وحتى إن لم أجدها، أعلم أنها موجودة، في مكان ما،
بيني وبينك، بين أنفاسنا المتقاطعة، بين أحلامنا التي تمتزج.
صوتك هو الصدى الذي
يتردد في داخلي، ويجعل قلبي ينبض بقوة أكبر. الجواب هناك، في الصمت الذي يتبع كلماتك،
في الفراغ الذي يملؤه غيابك.
ربما الجواب لا يهم.
ربما السؤال هو كل ما يهم، السؤال الذي يثير في داخلي الرغبة في البحث عنك مراراً وتكراراً.
أنا أراك، أنظر إليك
من خلال مرآة مكسورة، مرآة تعكس ألف نسخة منك، لكن لا أحد منهم ينظر إلي حقًا. عيناك
هاوية أضيع فيها نفسي، هاوية أغوص فيها إلى ما لا نهاية، أبحث عن إجابة تهرب، تذوب
في الأحلام.
السؤال يتردد صداه
مثل صوت الرعد في سماء صافية.
أراك تمشي على الماء،
وقدماك بالكاد تلامس السطح، وأنا أغرق في الأمواج التي تتركها خلفك. أنت قريب وبعيد،
ملموس وغير واقعي، مثل الذاكرة التي لا يمكن لمسها، ولكنها تطارد كل لحظة.
يميل العالم، وتنحني
الجدران، وأجد نفسي معلقاً في فضاء لا نهاية له، حيث تتحول كل كلمة إلى صورة، وكل صورة
إلى رمز، وكل رمز إلى لغز. أنت هناك، لكن حضورك وهم، سراب يتبدد مع كل نفس. وأبحث عن
الجواب، أنقب في ظلمة عقلي، لكن لا يوجد سوى متاهات ليس لها مخرج، أبواب تفتح على الهاوية.
صوتك هو الريح التي
تهب على رمال الصحراء، نفس قديم، صدى لأزمنة منسية. تتفتت الكلمات مثل حبات الرمل،
وتنزلق من بين أصابعي، وتختفي قبل أن أتمكن حتى من الإمساك بها. أسير في هذه الصحراء
وحيدًا، والسؤال يحوم حولي، شبحًا مراوغًا. الشمس تحرق، لكنها لا تترك ظلا. أنت هناك،
في مكان ما، حضور غير مرئي يرشدني، أو ربما يفقدني.
العالم عبارة عن صحراء
واسعة من الصمت، حيث لكل خطوة صدى مثل السقوط.
يتغير شكل الكثبان
الرملية في كل لحظة، فهي تتراقص مع الريح، وتتحول إلى جبال، إلى محيطات، إلى أمواج
من الضوء. أبحث عنك في هذا المشهد المتغير باستمرار، لكنك دائمًا في الأفق، دائمًا
بعيد المنال.
أخيرا هل تحبني؟
صوتك هو شهاب يعبر
الليل، شعاع من الضوء يسطع للحظة، ثم يختفي إلى ما لا نهاية. أطارده، وأمد يدي لأمسك
به، لكنه يخرج قبل أن أتمكن من الوصول إليه. السماء مليئة بالأسئلة، مليئة بالألغاز
المتشابكة، التي يجيب بعضها على بعض دون أن يعطي إجابة على الإطلاق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق