يعد استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة موضوعًا مهمًا على مستوى العالم نظرًا للحضور المتزايد للذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، مثل الرعاية الصحية، والتمويل، والتعليم، والإدارة، والتي تتطلب جميعها قوة حسابية عالية. في المغرب، يتم دمج تقنية الذكاء الاصطناعي تدريجيًا، مدعوما بمبادرات لتحديث القطاعات وتحسين الكفاءة. ومع ذلك، لا يزال مستوى استهلاك الكهرباء المنسوب مباشرة إلى الذكاء الاصطناعي غير واضح إلى حد ما بسبب التقارير المحدودة حول هذا الموضوع.
مع سعي المغرب إلى
وضع نفسه كمركز تكنولوجي رائد في أفريقيا، أصبح الذكاء الاصطناعي مؤثرًا بشكل متزايد.
وقد أظهرت الحكومة التزامها بالتحول الرقمي، حيث يعد الذكاء الاصطناعي مكونًا أساسيًا
لهذا الهدف. في عام 2019، أطلق المغرب فريق عمل الذكاء الاصطناعي المغربي ، بهدف الاستفادة
من الذكاء الاصطناعي لتعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، بدأت الجامعات
والمؤسسات الخاصة في الاستثمار في البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، في حين
أبدت قطاعات مثل الزراعة والرعاية الصحية والمالية اهتمامًا بتطبيقات الذكاء الاصطناعي
لتحسين تقديم الخدمات والإنتاجية.
إن هذا الاهتمام المتزايد
بالذكاء الاصطناعي يعني ضمنياً ارتفاع الطلب على الطاقة، وخاصة في القطاعات التي تتطلب
تطبيقات الذكاء الاصطناعي استخداماً مكثفاً للحوسبة. على سبيل المثال، تتطلب نماذج
التعلم الآلي لتشخيصات الرعاية الصحية، والزراعة التنبؤية، وتقييم المخاطر المالية
موارد حسابية كبيرة. ومع ذلك، في حين تتوسع المشاريع التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي،
فإن البنية التحتية لدعمها ــ وخاصة من حيث استهلاك الطاقة وكفاءة الطاقة ــ تظل تشكل
تحدياً.
لفهم استهلاك الذكاء
الاصطناعي للكهرباء، يتعين علينا أولاً أن ننظر إلى المشهد الطاقي في المغرب. فالمغرب
رائد إقليمياً في مجال الطاقة المتجددة، مع استثمارات كبيرة في الطاقة الشمسية وطاقة
الرياح والطاقة الكهرومائية. ويجسد مجمع نور ورزازات للطاقة الشمسية، أحد أكبر محطات
الطاقة الشمسية في العالم، التزام المغرب بالطاقة المتجددة. وتهدف البلاد إلى تلبية
أكثر من 52% من احتياجاتها من الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وهو
الهدف الذي يتماشى مع التزامات المغرب بموجب اتفاقية باريس.
وعلى الرغم من هذه
التطورات، يظل استهلاك الكهرباء للفرد في المغرب أقل من استهلاكه في الدول المتقدمة.
وتتطلب أنظمة الذكاء الاصطناعي، وخاصة نماذج التعلم الآلي، طاقة عالية لمعالجة البيانات
وتخزينها وتدريبها، وهو ما قد يتطلب قدراً كبيراً من الطاقة. ونظراً لأن البنية التحتية
للطاقة في المغرب لا تزال في طور التطور، فإنها تواجه تحديات في تلبية الطلب الإضافي
على الكهرباء من زيادة أنشطة الذكاء الاصطناعي. ولا يزال الجزء الأكبر من شبكة الكهرباء
في المغرب يتركز في المناطق الحضرية، مما يعني أن المناطق الريفية قد لا تتمكن بسهولة
من الوصول إلى الموارد اللازمة لدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة في قطاعات مثل
الزراعة.
يوجد في المغرب عدد
قليل من مراكز البيانات، ولكن مراكز البيانات المخصصة للذكاء الاصطناعي الموفرة للطاقة
والكبيرة الحجم لم تنتشر بعد على نطاق واسع. وهذا يحد من نطاق عمليات الذكاء الاصطناعي
داخل المغرب ويجبر بعض المؤسسات المغربية على الاعتماد على خدمات الحوسبة السحابية
التي تستضيفها مراكز البيانات في الخارج. إن نقل المهام المتعلقة بالذكاء الاصطناعي
إلى خوادم دولية من الممكن أن يقلل من استهلاك الطاقة المحلية في المغرب، على الرغم
من أنه لا يزال يساهم بشكل غير مباشر في الطلب العالمي على الطاقة.
وتختلف متطلبات الطاقة
لتطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير. تستهلك خوارزميات التعلم الآلي البسيطة، مثل
أشجار القرار المستخدمة في المشاريع الأصغر، طاقة أقل مقارنة بنماذج التعلم العميق،
والتي تتطلب حسابات أكثر تعقيدًا، وبالتالي المزيد من الطاقة. في المغرب، غالبًا ما
تكون تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مراحل أولية أو تركز على خوارزميات أبسط بسبب قيود
الموارد. تشير هذه المرحلة الأولية إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المغرب قد تستهلك
حاليًا طاقة أقل من تلك الموجودة في البلدان الأكثر تقدمًا التي تتبنى الذكاء الاصطناعي.
مع زيادة استثمارات
المغرب في الطاقة المتجددة، يمكن للأنظمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي دمج الطاقة
المتجددة تدريجيًا للمساعدة في تخفيف الطلب المرتفع على الكهرباء. ومع ذلك، يظل التحدي
قائمًا في إنشاء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي موفرة للطاقة تتوافق مع أهداف الطاقة
المتجددة في المغرب. لدى المغرب فرص لدمج الطاقة المتجددة في مراكز البيانات أو من
خلال أنظمة الحوسبة الموفرة للطاقة.
كما يعد البحث والابتكار
في كفاءة استخدام الطاقة في الذكاء الاصطناعي أمرًا بالغ الأهمية للحد من البصمة الكربونية
للذكاء الاصطناعي. فقد بدأ باحثو الذكاء الاصطناعي في المغرب، بدعم من الحكومة والمؤسسات
الأكاديمية، في استكشاف طرق لتحسين الخوارزميات وأنظمة الأجهزة لتقليل الطلب على الطاقة.
إن مقارنة استهلاك
المغرب من الكهرباء في مجال الذكاء الاصطناعي بالدول ذات البنى التحتية المتقدمة للذكاء
الاصطناعي، مثل الولايات المتحدة أو الصين، تكشف أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحالية
في المغرب تستهلك طاقة منخفضة نسبيًا. ومع ذلك، مع تقدم المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي،
فإن استهلاكه للطاقة سيرتفع ما لم يتم التخفيف من ذلك من خلال أنظمة موفرة للطاقة.
وتعمل دول مثل اليابان، المعروفة ببنيتها التحتية الحاسوبية الفعالة، كنماذج محتملة
للمغرب، مما يوضح فوائد إنشاء نماذج الذكاء الاصطناعي منخفضة استهلاك الطاقة وتبني
تقنيات مراكز البيانات الخضراء.
الحلول المحتملة للتوسع
المستدام للذكاء الاصطناعي في المغرب
مع قيام المغرب ببناء
البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد
في تحقيق التوازن في استهلاك الطاقة:
مراكز البيانات الخضراء
: إن إنشاء مراكز بيانات تعمل بمصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية من شأنه أن يقلل بشكل
كبير من البصمة الكربونية المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي في المغرب. وقد يكون هذا
فعالاً بشكل خاص في المناطق ذات أشعة الشمس الوفيرة.
تحسين أجهزة الذكاء
الاصطناعي : إن الانتقال إلى أجهزة الذكاء الاصطناعي المحسّنة لكفاءة الطاقة، مثل استخدام
معالجات متخصصة مثل وحدات معالجة الرسوميات ووحدات معالجة الطاقة، يمكن أن يقلل أيضًا
من استخدام الكهرباء. ويمكن للمغرب استكشاف التعاون مع شركات التكنولوجيا العالمية
لدمج هذه التقنيات الموفرة للطاقة في نظام الذكاء الاصطناعي الخاص به.
التعاون بين القطاعين
العام والخاص : لتقليل تكاليف ومتطلبات الطاقة للذكاء الاصطناعي، يمكن للشراكات بين
الحكومة المغربية والقطاع الخاص تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي
الموفرة للطاقة. يمكن للوكالة المغربية للطاقة المستدامة (MASEN) أن تلعب دورًا في دعم مشاريع الذكاء الاصطناعي
الموفرة للطاقة ووضع إرشادات تعزز الممارسات المستدامة.
خاتمة
إن البنية التحتية
للذكاء الاصطناعي في المغرب، على الرغم من أنها لا تزال في مرحلة التكوين، تظهر إمكانات
نمو واعدة. ومع ذلك، مع توسع الذكاء الاصطناعي، سيرتفع الطلب على الكهرباء، مما يفرض
تحديات على البنية التحتية للطاقة في المغرب. ونظراً لالتزام البلاد بالطاقة المتجددة،
فإن المغرب لديه فرصة لإنشاء إطار عمل مستدام للذكاء الاصطناعي يمكنه إدارة استهلاك
الكهرباء دون المساس بالنمو. إن مراكز البيانات الخضراء، وأجهزة الذكاء الاصطناعي الفعّالة،
والشراكات بين القطاعين العام والخاص هي استراتيجيات قابلة للتطبيق للمغرب للتعامل
مع متطلبات الطاقة للذكاء الاصطناعي مع التوافق مع أهداف الطاقة المتجددة. سيكون تحقيق
التوازن بين نمو الذكاء الاصطناعي وكفاءة الكهرباء ضروريًا لكي يصبح المغرب قائدًا
مسؤولاً في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا داخل إفريقيا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق