إن القرار الذي اتخذته الجزائر مؤخراً بإغلاق ملف انضمامها إلى مجموعة البريكس يشكل تطوراً كبيراً في سياق سياستها الخارجية وطموحاتها الاقتصادية. فقد أصبحت مجموعة البريكس، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، بمثابة نقطة محورية للاقتصادات الناشئة التي تسعى إلى إيجاد بدائل للمؤسسات المالية التي يهيمن عليها الغرب. وينبع اهتمام الجزائر بالانضمام إلى هذه المجموعة من رغبتها في تعزيز شراكاتها الاقتصادية وتأمين سبل استثمارية جديدة.
لقد بدأت رحلة الجزائر
نحو عضوية مجموعة البريكس على محمل الجد في نوفمبر 2022 عندما قدمت طلبها رسميًا. كانت
هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع لإحياء علاقاتها الدولية بعد سنوات من الركود
الدبلوماسي في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. تحول المشهد السياسي بشكل كبير
بعد احتجاجات الحراك في عام 2019، مما أدى إلى التركيز المتجدد على السياسة الخارجية
في عهد الرئيس عبد المجيد تبون.
سعت إدارة تبون إلى
ربط الجزائر بشكل أوثق بالقوى غير الغربية، وخاصة الصين وروسيا. ويُنظر إلى هذه العلاقات
على أنها حاسمة لتنويع اقتصاد الجزائر، الذي اعتمد تقليديًا بشكل كبير على الهيدروكربونات.
وقد أعربت الحكومة الجزائرية عن أن الانضمام إلى مجموعة البريكس لن يعزز العلاقات مع
هذه الدول فحسب، بل سيوفر أيضًا إمكانية الوصول إلى الموارد المالية البديلة من خلال
بنك التنمية الجديد، والذي يُنظر إليه على أنه ثقل موازن لمؤسسات مثل صندوق النقد الدولي
والبنك الدولي.
إن الأساس الاقتصادي
وراء سعي الجزائر للانضمام إلى مجموعة البريكس متعدد الأوجه. أولاً، من شأن عضوية مجموعة
البريكس أن تمنح الجزائر المزيد من فرص الوصول إلى فرص الاستثمار والتبادل التكنولوجي
مع الدول الأعضاء. ومن المحتمل أن يؤدي هذا إلى زيادة النمو الاقتصادي وتنويع الاقتصاد
بعيداً عن الاعتماد على النفط والغاز.
. الجزائر تستهدف المساهمة بمبلغ 1.5 مليار
دولار في بنك التنمية الجديد، مما يشير إلى التزامها بأن تصبح مشاركًا فعالًا في مبادرات
الكتلة.
علاوة على ذلك، فإن
الموقع الجغرافي الاستراتيجي للجزائر ومواردها الطبيعية الوفيرة تجعلها شريكًا جذابًا
لدول مجموعة البريكس. تعد البلاد المصدر الأول للغاز الطبيعي في أفريقيا، ومن الممكن
أن تعزز مشاركتها في مجموعة البريكس نفوذها على أسواق الطاقة، وخاصة فيما يتعلق بديناميكيات
أوبك+.
الاعتبارات السياسية
من الناحية السياسية،
يتماشى الانضمام إلى مجموعة البريكس مع سياسة الجزائر الراسخة المتمثلة في عدم الانحياز،
وفي الوقت نفسه السعي إلى إقامة علاقات أقوى مع القوى الناشئة. ويسمح هذا النهج للجزائر
بالتنقل في العلاقات الدولية المعقدة دون الاعتماد بشكل مفرط على الدول الغربية، وخاصة
فرنسا.
وتنظر الحكومة الجزائرية
إلى عضويتها المحتملة باعتبارها وسيلة لتعزيز مكانتها الدولية وتأكيد دورها كزعيم إقليمي
في أفريقيا.
ولكن قرار إغلاق ملف
الانضمام إلى مجموعة البريكس يعكس التحديات الكامنة داخل الجزائر نفسها. إذ تواجه البلاد
قضايا داخلية كبيرة، بما في ذلك النظام المصرفي العتيق، والفساد المستشري، والاقتصاد
غير الرسمي الذي يعقد عملية الاندماج في الأنظمة المالية العالمية.
وقد أثارت هذه العقبات
مخاوف بشأن قدرة الجزائر على تلبية المعايير الاقتصادية اللازمة لعضوية مجموعة البريكس.
في أكتوبر 2023، أعلن
الرئيس تبون أن "ملف البريكس مغلق نهائيًا"، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل
مشاركة الجزائر مع المجموعة.
ورغم أن هذا التصريح
قد يشير إلى توقف الجهود الرامية إلى الحصول على العضوية، فإنه قد يُفسَّر أيضاً باعتباره
توقفاً استراتيجياً. ذلك أن المشهد الجيوسياسي يتطور باستمرار، وقد تعيد الجزائر تقييم
موقفها على أساس التطورات المستقبلية داخل مجموعة البريكس أو التحولات في ديناميكيات
القوة العالمية.
إن الفوائد المحتملة
المترتبة على الانضمام إلى مجموعة البريكس تظل مقنعة بالنسبة للجزائر؛ ولكن التعقيدات
المرتبطة بالإصلاح الداخلي والدبلوماسية الدولية سوف تلعب دوراً حاسماً في تشكيل مسارها
إلى الأمام. ومع استمرار الدول الأخرى في التعبير عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة،
يتعين على الجزائر أن تبحر في هذه المياه بحذر إذا كانت راغبة في الحفاظ على أهميتها
على الساحة العالمية في حين تسعى إلى تحقيق التنوع الاقتصادي والاستقرار السياسي.
باختصار، ورغم أن الجزائر
أغلقت مؤقتاً ملف الانضمام إلى مجموعة البريكس، فإن الدوافع الأساسية ــ التنويع الاقتصادي،
وتعزيز المكانة الجيوسياسية، والشراكات الاستراتيجية ــ تظل تشكل مكونات حيوية لأهدافها
الأوسع نطاقاً في مجال السياسة الخارجية. وربما لا يزال المستقبل يحمل فرصاً لإعادة
الارتباط بمجموعة البريكس أو التحالفات المماثلة مع استمرار الجزائر في التكيف مع المشهد
الدولي المتغير باستمرار.
0 التعليقات:
إرسال تعليق