في عصر المعلومات الرقمية، لعبت مساهمات الجمهور دورًا متزايد الأهمية في تشكيل سرديات الأخبار. مع ظهور المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الأخبار عملية تفاعلية، حيث يتجاوز الجمهور دوره التقليدي كمستهلك للمعلومات ليصبح أيضًا مساهمًا نشطًا في إنتاجها. يُعرف هذا النوع من المساهمة بمحتوى المستخدمين أو "User-Generated Content (UGC)"، وهو يلعب دورًا أساسيًا في تغيير طريقة تقديم الأخبار ونشرها، مع تقديم منظور جديد لما يمكن اعتباره "حقيقيًا" أو "موضوعيًا".
في السياق الإخباري التقليدي، كانت المؤسسات الإعلامية هي التي تحدد الرواية
وتوجه الجمهور. إلا أن مع ظهور محتوى المستخدمين، تغير هذا المشهد تمامًا. حيث تتيح
منصات مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام ويوتيوب للجمهور نشر تجاربه ووجهات نظره، مما يسمح
بظهور سرديات متعددة لحدث معين. هذه المساهمات الجماهيرية، سواء كانت مقاطع فيديو أو
صورًا أو نصوصًا، توفر زوايا جديدة قد تكون غائبة عن التغطية الإعلامية التقليدية.
بذلك، يُضيف محتوى المستخدمين بُعدًا جديدًا للسرديات الإخبارية؛ حيث يُمكن
أن تكشف هذه المشاركات عن أحداث لم تُوثَّق من قبل المؤسسات الإخبارية، مما يتيح للجمهور
فرصة الاطلاع على الرواية "الكاملة" أو زوايا مختلفة منها. في أحداث مثل
الثورات أو الكوارث الطبيعية، كانت مقاطع الفيديو والصور التي نشرها المواطنون العاديون
هي مصدر المعلومات الرئيسي للعالم، مما زاد من شفافية الأحداث وسمح للجمهور بالتفاعل
المباشر مع الحدث.
على الرغم من القيمة الكبيرة لمحتوى المستخدمين في تقديم زوايا جديدة للأخبار،
إلا أن هذا النوع من المحتوى قد يثير تساؤلات حول مصداقيته ودقته. فالعديد من الأخبار
الكاذبة أو المغلوطة يمكن أن تنتشر بسرعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما يجعل من
الصعب التمييز بين الأخبار الحقيقية والمفبركة. في هذا السياق، تواجه المؤسسات الإعلامية
تحديًا في التحقق من صحة المعلومات المستمدة من الجمهور، خاصة في ظل السرعة الكبيرة
التي تنتقل بها المعلومات.
مع ذلك، قامت بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى مثل BBC وCNN بتبني استراتيجيات للتحقق من محتوى المستخدمين، حيث
يقومون بتوظيف فرق متخصصة للتأكد من صحة الصور والفيديوهات التي يقدمها الجمهور. ورغم
ذلك، فإن دور الجمهور في نشر المعلومات يزيد من تعقيد مشهد الأخبار، حيث بات من الضروري
اتخاذ الحذر وممارسة التفكير النقدي عند استهلاك المحتوى الرقمي.
تؤدي مشاركة الجمهور في الأخبار إلى خلق مجتمع أكثر تفاعلًا واندماجًا، حيث
يمكن للجمهور أن يعبر عن آرائه ويتفاعل مع الأحداث مباشرة. هذا الشعور بالمشاركة يُساهم
في تعزيز الوعي بالقضايا المجتمعية وفي بناء وعي جمعي مشترك. ومن الأمثلة البارزة لهذا
التأثير الاجتماعي، حملة "Me Too" التي ساعدت في زيادة الوعي حول قضية التحرش الجنسي،
وأعطت فرصة للعديد من الأشخاص لمشاركة تجاربهم الشخصية، مما زاد من انتشار الحركة وتأثيرها
على المستوى العالمي.
في المقابل، يمكن أن يؤثر محتوى المستخدمين سلبًا على الصحة النفسية للأفراد،
خاصة إذا كان يعرض مشاهد عنيفة أو مؤلمة. فبعض المشاهد قد تكون مؤثرة بشكل كبير وتؤدي
إلى مشاعر القلق والخوف، مما يزيد من الضغوط النفسية على المتابعين.
أدى انتشار محتوى المستخدمين إلى إعادة النظر في أخلاقيات الصحافة وكيفية عرض
الأخبار. فبعض المشاهد التي ينشرها الجمهور قد تحتوي على صور أو فيديوهات حساسة تحتاج
إلى مراعاة الخصوصية والاعتبارات الأخلاقية عند عرضها. هنا، تقع مسؤولية كبيرة على
عاتق المؤسسات الإعلامية في كيفية التعامل مع هذا المحتوى، حيث يجب عليها تحقيق توازن
بين عرض الحقيقة واحترام مشاعر وحقوق الأفراد.
على سبيل المثال، قامت بعض المؤسسات الإعلامية بوضع سياسات واضحة حول استخدام
المحتوى المقدم من الجمهور، وذلك لضمان عدم انتهاك الخصوصية أو التلاعب بالمعلومات.
علاوة على ذلك، يُظهر تزايد استخدام محتوى المستخدمين في الأخبار أن الشفافية والمصداقية
أصبحا من المتطلبات الأساسية في عالم الإعلام اليوم، حيث يتوقع الجمهور أن تكون المعلومات
المقدمة دقيقة وموثوقة.
مع استمرار التكنولوجيا في التقدم، من المتوقع أن يلعب محتوى المستخدمين دورًا
أكبر في تشكيل الأخبار، خاصة مع انتشار تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز.
حيث يمكن للمؤسسات الإعلامية الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل وتفسير البيانات
المستمدة من الجمهور بشكل أسرع وأكثر دقة. من ناحية أخرى، يمكن أن يُستخدم الواقع المعزز
لنقل الجمهور إلى قلب الأحداث، مما يزيد من تفاعلهم مع الأخبار ويُتيح لهم تجربة فريدة.
إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تُستخدم تقنيات بلوكشين لتتبع مصدر المعلومات
والتحقق من صحتها، مما يقلل من انتشار الأخبار الكاذبة ويزيد من مصداقية المحتوى المستمد
من الجمهور.
الخاتمة
يلعب محتوى المستخدمين دورًا محوريًا في تحويل صناعة الأخبار، حيث يُمكن أن
يُساهم في تقديم سرديات متنوعة تُغني الصورة العامة للأحداث. ومع أن هذا النوع من المحتوى
يُقدم مزايا كبيرة مثل تعزيز الشفافية والتنوع، إلا أنه يطرح أيضًا تحديات تتعلق بالمصداقية
والأخلاقيات. وبناءً عليه، يبقى التحدي الأكبر في كيفية استغلال الإمكانيات الهائلة
لمحتوى المستخدمين مع الحفاظ على مصداقية وموثوقية الأخبار
0 التعليقات:
إرسال تعليق