لقد واجه مفهوم اتحاد المغرب الكبير في السنوات الأخيرة، تحديات هائلة وخطيرة ، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التحركات الدؤوبة التي تبذلها الجزائر للترويج للجمهورية الصحراوية الوهمية، التي تفتقر إلى اعتراف المؤسسات والمنظمات الدولية . ومن خلال الدعوة إلى هذه الجمهورية الصحراوية الوهمية، تعمل الجزائر على ردم وحدة المغرب الكبير وتضع تونس وموريتانيا في موقف حساس وحرج ، وتواصل الضغط عليهما للتوافق مع أطماعها الإقليمية.
والسؤال الذي يطرح
نفسه بإلحاح هنا هو: هل يمكن لاتحاد المغرب الكبير أن يزدهر ويتطور وينمو حقا من خلال
مخطط إقصاء المغرب، العضو المحوري والقوي، لصالح كيان وهمي قائم فقط في مخيلة السياسيين
الجزائريين وحلفائهم ؟
ونظرا للتحولات السياسية
الأخيرة، بما في ذلك احتفالات الجزائر بالذكرى السبعين لاستقلالها، فمن الضروري تحليل
الآثار المترتبة على كل دولة داخل اتحاد المغرب الكبير والجدوى الإجمالية لهذا الاتحاد
المشلول من دون دور المغرب العريق.
إن هوس الجزائر بدمج
الجمهورية الصحراوية الوهمية في الخطاب الإقليمي ليس بالأمر الجديد، غير أنه قد
تصاعد في السنوات الأخيرة. ومن خلال الرفع من شأن كيان يفتقر إلى الاعتراف السياسي
الواسع، تعمل الجزائر على تعقيد الجهود الرامية إلى تحقيق الوحدة المغاربية، وتدفع
بالانقسام بدلاً من التماسك والتضامن بين جميع الأعضاء. إن هذا المنهج لا يؤدي إلى
الانقسام فحسب، بل إنه يصرف الانتباه أيضاً عن الأولويات الأكثر إلحاحاً مثل التكامل
الاقتصادي، والتعاون الأمني، ومعالجة الأزمات السياسية داخل دول اتحاد المغرب الكبير.
ويمثل المغرب، القوة الاقتصادية والدبلوماسية الهائلة في المنطقة، تناقضاً صارخاً مع
الجمهورية الصحراوية الوهمية ، التي تفتقر إلى الشرعية السياسية والقدرة المؤسساتية
للمساهمة بشكل هادف في هذا الاتحاد المزعوم الذي ولد ميتا.
بالنسبة للجزائر، فإن
الترويج للجمهورية الصحراوية الوهمية ليس مجرد موقف أيديولوجي؛ بل هو مناورة استراتيجية
تهدف إلى إضعاف نفوذ المغرب القوي. ومع ذلك، فإن استبدال المغرب بكيان يفتقر إلى الشرعية
من المنظور العربي والإفريقي والدولي من شأنه أن يؤدي إلى اتحاد غير مستقر بنيويا وعار
من المصداقية الدولية . ويعكس اختيار الجزائر متابعة هذه الأجندة الانقسامية إعطاء
الأولوية للتنافس والصراع على تفضيل الوحدة الإقليمية والسلام.
لقد أثارت إعادة ترتيب
السياسة الخارجية للرئيس التونسي قيس سعيد لصالح الجزائر مخاوف داخل الدوائر الدبلوماسية.
ومما لاشك فيه أن تونس والمغرب تربطهما وشائج تاريخية وثقافية وأخوية عميقة الجذور،
ومع ذلك يبدو أن سياسات قيس سعيد الأخيرة ماضية في تهميش هذه الروابط لصالح التحالف
مع الجزائر.
قد يبدو تأرجح قيس
سعيد نحو الجزائر بمثابة خيار براغماتي لضمان الدعم المالي والاقتصادي والسياحي في
ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها تونس. ومع ذلك، من خلال تجاهل دور المغرب
والتحالف مع كابرانات الجزائر المثير للجدل بشأن الجمهورية الصحراوية الوهمية، تخاطر
تونس بتجاهل شريكها الحيوي التقليدي. وعلاوة على ذلك، فإن مثل هذا التحول من شأنه أن
يزعزع استقرار الحياد التاريخي لتونس في الشؤون المغاربية، مما يدفعها نحو موقف ليس
بالضرورة مفيدًا لمصالحها الوطنية. إن استعداد قيس سعيد الواضح لاسترضاء طموحات بل
أطماع الجزائر يعكس تحولًا مفترضا في الروح الدبلوماسية التونسية، وهو التحول الذي
قد يعطي الأولوية للمكاسب قصيرة الأجل على التحالفات طويلة الأمد مع
المغرب.
من جانبها لقد حافظت
موريتانيا تقليديا على منهج حذر ومتوازن تجاه اتحاد المغرب الكبير، واختارت إعطاء الأولوية
للاستقرار والحياد. ومع ذلك، فإن الضغط العدواني الذي تمارسه الجزائر لصالح الجمهورية
الصحراوية الوهمية وإعادة هيكلة اتحاد المغرب الكبير من دون المغرب قد يشكل تحديا للموقف
الدبلوماسي الموريتاني. إن محاولات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لتأمين وضمان موافقة
موريتانيا على إدراج الجمهورية الصحراوية الوهمية في اتحاد المغرب العربي تشكل اختبارا
لحكمة ومرونة موريتانيا السياسية.
لقد كان التزام موريتانيا
بمنهج متوازن عامل استقرار داخل اتحاد المغرب الكبير، حيث ساعد في منع مناورات الاستقطاب.
ومع ذلك، إذا اختارت موريتانيا دعم أجندة الجزائر التوسعية، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع
مصداقيتها الدبلوماسية وتفجير توتر علاقاتها مع المغرب. وبالتالي فإن السؤال الملح
هو ما إذا كانت موريتانيا ستستسلم لضغوط الجزائر أم ستواصل ممارسة حكمتها الدبلوماسية
التقليدية، وإعطاء الأولوية للحياد والاحترام المتبادل بين جميع أعضاء اتحاد المغرب
الكبير.
لقد تركت الأزمة الداخلية
في ليبيا البلاد عُرضة للتأثيرات الخارجية، مما جعلها تنال نصيبها من مناورات الألاعيب
السياسية الجزائرية كذلك . وفي ظل المشهد السياسي الممزق والصراع المستمر، يظل موقف
ليبيا داخل اتحاد المغرب العربي هشًا. وتشكل إمكانية الجزائر في الاستفادة من عدم الاستقرار
في ليبيا من خلال توجيه تحالفها داخل اتحاد المغرب الكبير تذكيرًا بالتحديات التي تواجهها
في استعادة قدرتها على التحرك.
إن مشاركة ليبيا في
اتحاد المغرب الكبير المزعوم تشكل أهمية بالغة للاستقرار الإقليمي، إلا أن تأثرها بالتأثيرات
الخارجية، وخاصة من الجزائر، قد يعرض مواقفها للخطر المؤكد. وقد تؤدي مناورات الجزائر
إلى تفاقم الانقسامات في ليبيا، وإعاقة تعافي البلاد من أي مساهمة حقيقية في نجاح اتحاد
المغرب الكبير. وعلى هذا فإن مشاركتها في اتحاد المغرب العربي لابد وأن تتم إدارتها
بعناية لضمان عدم تحولها إلى مجرد بيدق في استراتيجية الجزائر الإقليمية.
إن استبعاد المملكة
المغربية من أي رؤية لاتحاد المغرب الكبير المزعوم يجعل هذا الاتحاد معاقا ومعيب
الولادة من الناحية الاستراتيجية. فالمغرب لا يساهم بشكل كبير في الاستقرار الاقتصادي
فحسب، بل إنه يعمل أيضاً كحلقة وصل حاسمة بين المغرب الكبير والأسواق الدولية. وقد
حظيت جهوده الدبلوماسية وسياساته الخارجية الاستباقية بدعم كبير من كافة الدول العربية
والإفريقية والغربية، الأمر الذي عزز دوره كعضو لا غنى عنه في اتحاد المغرب الكبير.
إن مستقبل اتحاد المغرب
العربي يتطلب معالجة الفوارق الإقليمية وتعزيز التعاون الحقيقي، وليس التكتيكات الانقسامية
أو التحالفات المؤقتة . إن احتفال الجزائر بالذكرى السبعين لاستقلالها قد يثير شعوراً
بالفخر الإقليمي، إلا أن منهجها تجاه مستقبل اتحاد المغرب الكبير يظل عقيم وغير منتج
. ومن خلال إعطاء الأولوية للتنافس والإقصاء، تخاطر الجزائر بتقويض مفهوم الوحدة المغاربية
ذاته.
إن اتحاد المغرب العربي
المزعوم الذي تسعى الجزائر جاهدة إلى استبدال المغرب بكيان مصطنع غير معترف به يفتقر
ليس فقط إلى الشرعية بل وأيضاً إلى القدرة على البقاء. إن الدور الذي يلعبه المغرب
يشكل أهمية محورية بالنسبة للنمو الاقتصادي الإقليمي والتعاون الأمني والدبلوماسية
الدولية. ولكي يحقق اتحاد المغرب الكبير إمكاناته الكاملة، يتعين على الدول الأعضاء
فيه، بما في ذلك تونس وموريتانيا وليبيا، أن ترفض السياسات الإقصائية وأن تعترف بدور
المغرب الذي لا يمكن الاستعاضة عنه. ولن يتسنى لاتحاد المغرب العربي أن يأمل في تحقيق
رؤيته التأسيسية إلا من خلال تبني الوحدة واحترام سيادة كل دولة عضو ونفوذها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق