الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، نوفمبر 01، 2024

تأملات حول المؤتمر العالمي للتحول الرقمي في الإعلام: عبده حقي


في عصر التقدم التكنولوجي السريع، أصبحت وسائل الإعلام واحدة من أكثر المجالات ديناميكية، حيث يتم إعادة تشكيلها باستمرار من خلال ابتكارات التحول الرقمي. من ظهور منصات وسائل التواصل الاجتماعي إلى صعود الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار، يتغير المشهد الإعلامي بسرعة، مما يجعل كل من المنتجين والمستهلكين يتدافعون للتكيف مع المشهد الجديد . بالنسبة لأولئك المشاركين في وسائل الإعلام، فإن فهم التحول الرقمي ليس مجرد خيار - بل ضرورة. لهذا السبب فإن الأحداث مثل مؤتمر "التحول الرقمي في وسائل الإعلام: استراتيجيات واتجاهات جديدة" القادم من 16 إلى 18 نوفمبر 2024، ضرورية، حيث تقدم للمحترفين فرصة فريدة للتفاعل مع أحدث الاستراتيجيات والاتجاهات والأدوات التي تحدد مستقبل وسائل الإعلام. ولكن قبل استكشاف أهمية مثل هذه الأحداث، من الأهمية بمكان فهم الجوانب الأساسية للتحول الرقمي في وسائل الإعلام ولماذا يعد مواكبة ذلك أمرًا ضروريًا للغاية للبقاء.

إن التحول الرقمي في وسائل الإعلام لا يقتصر على التكيف مع التقنيات الجديدة؛ بل إنه يمثل تحولاً في كيفية سرد الأخبار، وكيفية إشراك الجماهير، وكيفية تسخير البيانات لإنشاء المحتوى وتوزيعه. وتواجه الصحافة التقليدية، التي كانت منذ فترة طويلة في قلب وسائل الإعلام، تحديات غير مسبوقة مع احتلال المنصات الرقمية والطلب على محتوى أسرع وأكثر جاذبية مركز الصدارة. ويشمل التحول عدة عناصر رئيسية: صعود الأخبار الرقمية، وتبني التحليلات والذكاء الاصطناعي، والحاجة إلى تلبية احتياجات الجماهير على منصاتهم المفضلة.

إن العنصر الأول في التحول الرقمي هو سرد الأخبار الرقمية. فعلى النقيض من وسائل الإعلام المطبوعة أو المذاعة والمرئية التقليدية، يسمح سرد الأخبار الرقمية بدمج الوسائط المتعددة ــ مقاطع الفيديو والرسومات التفاعلية والتحديثات المباشرة وحتى المحتوى الذي ينشئه المستخدمون. وتتيح وسائل الإعلام الاجتماعية والمواقع الإلكترونية وتطبيقات الهاتف المحمول إمكانية الوصول إلى الجماهير في أي لحظة، الأمر الذي يخلق توقعات بالفورية والتفاعل لا تستطيع الصحافة التقليدية أن تضاهيها بسهولة. وللحفاظ على أهميتها، يتعين على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية أن يجدوا السبل لإشراك الجماهير عبر هذه المنصات.

يأتي بعد ذلك دور تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي، وهي الأدوات التي أعادت تعريف وسائل الإعلام في العصر الرقمي. في الماضي، اعتمدت المنظمات الإعلامية على الخبرة والغريزة لفهم جمهورها؛ واليوم، توفر البيانات رؤى حول اختيارات الجمهور، مما يسمح بإعداد محتوى مصمم خصيصًا. وفي الوقت نفسه، يعمل الذكاء الاصطناعي على تبسيط العمليات ويمكنه حتى المساعدة في إنشاء المحتوى. على سبيل المثال، يمكن للخوارزميات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي إنشاء قصص إخبارية بسيطة، مثل تحديثات الطقس أو ملخصات الأحداث الرياضية، مما يسمح للصحفيين بالتركيز على العمل الاستقصائي المتعمق. ومع ذلك، في حين تقدم هذه الأدوات فرصًا جديدة، فإنها تثير أيضًا أسئلة أخلاقية حول نزاهة الأخبار وخطر غرف الصدى حيث تخدم الخوارزميات فقط المحتوى الذي يعزز وجهات نظر المستخدمين الحالية.

لعقود من الزمان، كانت الصحافة مرادفة للتقارير المتعمقة والدقة والمسؤولية الأخلاقية. ومع تقدم التحول الرقمي، يتساءل كثيرون عما إذا كانت الصحافة التقليدية قادرة على الاحتفاظ بمكانتها كركيزة للمعلومات الموثوقة في المجتمع. والإجابة معقدة. ففي حين قد تكافح الصحافة التقليدية للتنافس مع سرعة المنصات الرقمية وإمكانية الوصول إليها، فإنها تظل حاسمة للحفاظ على معايير الدقة والصرامة الاستقصائية. على سبيل المثال، غالبًا ما تتطلب الصحافة الاستقصائية الوقت والتفاني والخبرة التي لا يمكن للخوارزميات الرقمية أن تحل محلها. وعلاوة على ذلك، لا يزال العديد من المستهلكين يقدرون المصداقية المرتبطة بمصادر الأخبار التقليدية.

ولكن لا يمكن إنكار أن عادات استهلاك وسائل الإعلام لدى الأجيال الشابة تشكل الصناعة. ويعتمد عدد متزايد من الناس على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية للحصول على الأخبار، وغالبا ما يقدرون السرعة وإمكانية الوصول على الدقة والعمق. ونتيجة لهذا، تجد منافذ الأخبار التقليدية نفسها عند مفترق طرق: إما التكيف مع الاتجاهات الرقمية أو المخاطرة بالتحول إلى غير ذات صلة. وتعمل المؤسسات الإعلامية بالفعل على دمج النهج التقليدي والرقمي، حيث تستثمر الصحف في الاشتراكات الرقمية ومحتوى الفيديو واستراتيجيات وسائل التواصل الاجتماعي للحفاظ على الصلة.

إن الأحداث مثل مؤتمر "التحول الرقمي في وسائل الإعلام: استراتيجيات واتجاهات جديدة" ضرورية لعدة أسباب. أولاً، توفر هذه المؤتمرات منصة لمحترفي وسائل الإعلام لاستكشاف أحدث التطورات في الصناعة. تعمل هذه المؤتمرات كمساحة للتواصل والتعلم والتعاون، وهي كلها ضرورية في مجال يتطور باستمرار. من خلال الحضور، يمكن لمحترفي وسائل الإعلام البقاء في طليعة المنحنى، وتعلم كيفية تكييف ممارسات الصحافة التقليدية مع عالم رقمي يعطي الأولوية للسرعة والابتكار وإشراك الجمهور.

ثانياً، تسلط المؤتمرات الضوء على الاستراتيجيات والاتجاهات الناشئة التي قد يكون من الصعب التعامل معها بمفردها. لا تقتصر اتجاهات الوسائط الرقمية على منصات فردية؛ فهي تنطوي على مزيج من التحليلات واستراتيجية المحتوى وخصوصية البيانات والأخلاقيات. قد يكون فهم كيفية دمج هذه العوامل في استراتيجية متماسكة أمرًا شاقًا، لكن المؤتمرات تقدم رؤى الخبراء ودراسات الحالة وورش العمل العملية لتوجيه المتخصصين في وسائل الإعلام. على سبيل المثال، قد يتعلم الحاضرون كيفية الاستفادة من البيانات لتحسين رواية الأخبار، أو الوصول إلى جماهير جديدة، أو ضمان الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في إنشاء المحتوى.

وعلاوة على ذلك، تؤكد هذه المؤتمرات على ضرورة الإبداع والقدرة على التكيف في الوسائط الرقمية. ومع سعي شركات الوسائط إلى الوصول إلى جماهير متنوعة، يتعين عليها أن تفكر خارج الأشكال التقليدية. على سبيل المثال، توضح شعبية محتوى الفيديو القصير على منصات مثل تيك توك أن شركات الوسائط يجب أن تكون منفتحة على أشكال المحتوى الجديدة لتظل قادرة على المنافسة. ومن المرجح أن يستكشف الحاضرون استراتيجيات لإعادة توظيف الصحافة التقليدية ضمن هذه الأشكال الناشئة، مما يضمن ازدهار الصحافة الجيدة على المنصات الرقمية أيضًا.

يعتمد نجاح وسائل الإعلام الرقمية على استراتيجيات مبتكرة لا تجتذب الجماهير فحسب، بل تحافظ عليهم أيضًا. ومن بين هذه الاستراتيجيات مفهوم سرد الأخبار عبر منصات متعددة. يتفاعل مستهلكو وسائل الإعلام اليوم مع أجهزة ومنصات متعددة يوميًا، من الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية إلى مكبرات الصوت الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي. وللحفاظ على فعاليتها، يجب على المؤسسات الإعلامية إنشاء سرديات متماسكة تتدفق عبر هذه الأجهزة، مما يضمن أن تكون تجربة الجمهور سلسة ومتسقة بغض النظر عن المكان الذي يستهلكون فيه المحتوى.

وتتمثل استراتيجية أخرى بالغة الأهمية في إشراك الجمهور من خلال المحتوى التفاعلي. فقد ولت أيام الاتصال أحادي الاتجاه من وسائل الإعلام إلى الجمهور؛ والآن يتوقع الجمهور أن يكون جزءاً من القصة. وتعد استطلاعات الرأي، وأقسام التعليقات، والمناقشات المباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي من الطرق الشائعة لإشراك القراء والمشاهدين، وخلق شعور بالانتماء إلى المجتمع والحوار حول موضوع ما. ومن خلال استخدام مثل هذه التقنيات، تستطيع المؤسسات الإعلامية تعزيز الولاء والشعور بالارتباط بجمهورها، وتحويله من مستهلكين سلبيين إلى مشاركين نشطين في عملية سرد الأخبار.

وأخيرا، برزت التخصيصات الشخصية كاستراتيجية أساسية. فمن خلال استخدام تحليلات البيانات، تستطيع شركات الإعلام تخصيص المحتوى وفقا للتفضيلات الفردية، وتقديم تجربة منظمة من المرجح أن تحتفظ بالقراء. والواقع أن المحتوى المخصص يعزز الصلة بالموضوع، وهو أمر بالغ الأهمية في عالم الإعلام المشبع بالمعلومات.

في عالم حيث يكون مستهلكو وسائل الإعلام متصلين دائمًا، فإن المخاطر عالية بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في البقاء على صلة بالمجال. إن التحول الرقمي هنا ليبقى، وأولئك الذين لا يتكيفون يخاطرون بالتخلف عن الركب. ومع تقارب الصحافة التقليدية مع الاستراتيجيات الرقمية، يجب على المحترفين تبني التغيير مع الحفاظ على القيم الأساسية للصحافة الجيدة: الدقة والأخلاق والشفافية.

إن المؤتمرات مثل "التحول الرقمي في وسائل الإعلام: استراتيجيات واتجاهات جديدة" تعمل كتذكير بأن التعلم والتكيف هما عمليتان مستمرتان. وهي توفر فرصة حيوية لمحترفي وسائل الإعلام لإعادة التفكير في مناهجهم وصقل مهاراتهم وإعادة تشكيل استراتيجياتهم. إن التحول الرقمي في وسائل الإعلام لا يتعلق فقط بتبني أدوات جديدة؛ بل يتعلق أيضًا بفهم الاحتياجات والسلوكيات المتغيرة للجمهور والتطور لتلبية هذه الاحتياجات والسلوكيات. سيستمر المشهد الإعلامي في التطور، ولن يظل مؤثرًا في عالم الإعلام المتغير بسرعة إلا أولئك الذين هم على استعداد لاحتضان رحلة التحول الرقمي.

0 التعليقات: