الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، يونيو 20، 2024

جديد الكاتب المغربي عبده حقي "مكاشفات" شذرات بلورية


 مقدمة

           بقدر ما أستطيع أن أتذكر، لقد انجذبت إلى الهمسات المبهمة للحكماء والفلاسفة. لقد بدت هذه المقطوعات الشذرية، التي ستتناقلها الأجيال، وكأنها قطع متناثرة من أحجية أزلية - أحجية تمثل المعنى الحقيقي للامعنى الحياة.

في البداية، بدت هذه المكاشفات كالألغاز، كل واحدة منها تقدم لمحة من الحقيقة ولكنها لم ولن تقدم الصورة بأكملها أبدًا. لقد تحدث أحد الحكماء عن الحكمة باعتبارها نفخة لطيفة في مهب الريح، وشبهها آخر بنور شمعة وامضة يضيء الروح. وقد أثارت هذه الاستعارات فضولي الطبيعي، ودفعتني إلى التعمق أكثر.

ببطء، بدأت أفهم أن المكاشفات لم يكن المقصود منها أن تكون إجابة محددة، عن أسئلة الوجود بل بالأحرى علامات إرشادية في رحلتي مدى الحياة. إن طريق الحكمة، كما قال أحد الفلاسفة، يمر عبر أودية الشك ويتسلق قمم الخبرة. إنه طريق محفور من قبل أولئك الذين جاؤوا من قبل، ولا يقدم مسارًا جامدًا بل خريطة مشتركة هامسة في حائط الحجارة.

أدركت أن السعي وراء الحكمة لا يتعلق بتراكم المعرفة مثل المكتنز الذي يجمع الحلي. بل يتعلق الأمر بالبحث عن الفهم، وهو الخيط الحيوي الذي يغزل الحقائق في نسيج من المعنى. وأعلنت شذرة أخرى أن "الحكماء" لا يجمعون المعلومات فحسب، بل يتوقون إلى الروابط التي تبث الحياة فيها.

لكن الحكمة ليست حالة سلبية، فهي بمثابة قدح يتم عرضه على الرف. الحكمة الحقيقية، جزء آخر يتم الكشف عنه، يحترق بلهب ثابت، ويضيء أحلك أركان كياننا. فهو لا يمحو التحديات، باعتبارها استعارة أخرى، ولكن مع الوقت والمثابرة، فإنه يخفف من حدة متاعب الحياة، ويترك أرضا خصبة للنمو.

تابع


0 التعليقات: