الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، نوفمبر 22، 2024

البرازيل والمغرب: تحالف استراتيجي من أجل السلام والتقدم في الصحراء المغربية: عبده حقي


لقد عزز حزب العمال البرازيلي دعمه لخطة الحكم الذاتي المغربية. ويتماشى هذا التأييد، الذي تم التعبير عنه كالتزام بالسلام والاستقرار والتقدم الإقليمي، مع الإجماع الدولي المتنامي لصالح رؤية المغرب لحل نزاع الصحراء المغربية.

إن موقف البرازيل من الصحراء المغربية، الذي عبر عنه رومينيو بيريرا، سكرتير العلاقات الدولية في حزب العمال، يؤكد على نهج عملي ومتوازن. ويشيد بيريرا بخطة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها مبادرة موثوقة تستند إلى الحوار والقانون الدولي، مؤكداً على إمكاناتها في تعزيز الاستقرار وتحسين حياة السكان المحليين. وتعكس تعليقاته موقف البرازيل الدقيق، الذي يدافع عن حل سلمي توافقي لصراع شكل الجغرافيا السياسية في شمال إفريقيا لعقود من الزمن.

ومن الجدير بالذكر أن تأييد البرازيل لمبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب ليس بالأمر الجديد. إذ إن قرار مجلس الشيوخ البرازيلي في عام 2023 لصالح الخطة وزيارة وزير الخارجية إلى الرباط في عام 2024 يبرهن على التزام طويل الأمد بهذه القضية. وتسلط تصريحات بيريرا الضوء على كيفية إعطاء الأولوية للحلول السلمية في المشاركة الدبلوماسية البرازيلية مع تعزيز دور الوساطة الذي تلعبه الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن التركيز على الحوار والالتزام بالقانون الدولي يشير إلى نهج البرازيل الحذر، مما يضمن أن أفعالها تتماشى مع المبادئ العالمية الأوسع نطاقا.

لقد حظيت خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب في عام 2007 بدعم دولي كبير في السنوات الأخيرة. وتحدد الخطة إطاراً لمنح الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء المغربية تحت السيادة المغربية، وهو الحل الذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره عملياً وتطلعياً إلى المستقبل. ويضيف تأييد البرازيل قوة أخرى من الشرعية، خاصة بالنظر إلى دورها المؤثر في أميركا اللاتينية والجنوب العالمي.

إن الدعم الرسمي الأخير من جانب فرنسا يؤكد مصداقية الخطة، ويوضح الزخم المتزايد وراء جهود المغرب لحل النزاع. وفي الوقت نفسه، يكمل تأييد صربيا هذا الاتجاه. فقد سلط المسؤولون الصرب الضوء باستمرار على اقتراح المغرب باعتباره حلاً واقعياً ومستداماً، مما يعزز الإجماع الدولي. ويؤكد تحالف دول مثل البرازيل وفرنسا وصربيا على اعتراف المجتمع الدولي بقيادة المغرب في تعزيز الاستقرار.

إن دعم البرازيل للسلامة الإقليمية للمغرب يعكس اتجاهات أوسع في العلاقات الثنائية بين البلدين. ويشكل إعادة فتح خط الطيران بين الدار البيضاء وساو باولو، المقرر في ديسمبر، رمزاً ملموساً لهذه الشراكة المتنامية. ويشير هذا التطور، إلى جانب الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى الأخيرة، إلى الالتزام بتعميق التعاون في مختلف المجالات.

وتشمل مجالات التعاون الرئيسية ما يلي:

الأمن الغذائي : باعتبارهما قوتين زراعيتين، تتمتع البرازيل والمغرب بمكانة جيدة للتعاون في مجال الإنتاج والتوزيع المستدام للغذاء، ومعالجة التحديات الغذائية العالمية.

الاقتصاد الأخضر : إن الأولويات المشتركة في مجال الطاقة المتجددة والاستدامة البيئية تفتح آفاقا لمشاريع مشتركة، وخاصة في مكافحة تغير المناخ.

السياحة والثقافة : إن زيادة التواصل والتبادل الثقافي يمكن أن يعزز العلاقات بين الناس، مما يؤدي إلى إثراء كلا البلدين.

التكنولوجيا والابتكار : مع نمو قطاع التكنولوجيا في البرازيل ومراكز الابتكار الناشئة في المغرب، فإن الشراكات في هذا المجال تحمل إمكانات واعدة كبيرة.

إن تفاؤل رومينيو بيريرا بشأن المستقبل "الواعد" للعلاقات الثنائية يعكس العمق الاستراتيجي لهذه العلاقة، المتجذرة في القيم المشتركة والمصالح المتبادلة.

إن النجاح الدبلوماسي الذي حققه المغرب في حشد الدعم لخطته للحكم الذاتي يشكل رمزاً لاستراتيجيته الجيوسياسية الأوسع نطاقاً. فقد نجحت البلاد في ترسيخ مكانتها كقائدة في التنمية الأفريقية والتكامل الإقليمي، من خلال الاستفادة من الشراكات لتعزيز مطالبها الإقليمية. وتمثل علاقات المغرب مع صربيا مثالاً واضحاً على هذه الاستراتيجية، حيث تعمل الدولتان على تعزيز الروابط من خلال الاتفاقيات في مجالات الدبلوماسية والتعاون العسكري والتبادل الثقافي.

إن الدعم المتبادل بين المغرب وصربيا في ما يتصل بقضايا السلامة الإقليمية يبرهن على قوة المصالح المتوافقة في الدبلوماسية الدولية. إن امتنان صربيا للدعم الذي قدمه المغرب في قضية كوسوفو، على سبيل المثال، يؤكد على الشراكة المتبادلة المنفعة التي تتجاوز الحدود الإقليمية.

وعلى نحو مماثل، فإن المشاركة البناءة من جانب البرازيل تتماشى مع التزامها التاريخي بحل النزاعات سلميا. وباعتبارها عضوا في مجموعة البريكس، فإن تأييد البرازيل يعطي ثقلا لموقف المغرب داخل نظام عالمي متعدد الأقطاب يتشكل بشكل متزايد من قبل الجنوب العالمي.

إن الدعم المتزايد لخطة الحكم الذاتي المغربية له آثار كبيرة على الصراع في الصحراء المغربية. أولاً، فهو يعزز موقف المغرب في المفاوضات، ويعزز مكانته كمهندس لحل قابل للتطبيق. ثانياً، فهو يعزل جبهة البوليساريو، التي تفتقر رؤيتها للصحراء المغربية المستقلة بشكل متزايد إلى الزخم الدولي. وأخيراً، فإن تحالف الدعم المتوسع يؤكد على دور الأمم المتحدة كوسيط، في حين يسلط الضوء على الحاجة إلى حلول عملية تعطي الأولوية للسلام والتنمية.

وبالنسبة للبرازيل، فإن تأييدها لخطة المغرب يعزز من مكانتها الدبلوماسية كداعم لحل النزاعات سلمياً. كما يربط البرازيل بشريك ديناميكي هو المغرب، الذي يوفر موقعه الاستراتيجي ونفوذه في أفريقيا والعالم العربي فرصاً للتعاون في مواجهة التحديات العالمية.

إن تأييد البرازيل لخطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب للصحراء المغربية لا يشكل مجرد بيان سياسي؛ بل إنه يعكس شراكة ثنائية متعمقة قائمة على الأهداف المشتركة والاحترام المتبادل. ويشكل هذا التطور جزءاً من اتجاه أوسع نطاقاً يرى المغرب أنه يعمل على تعزيز الدعم الدولي لرؤيته للسلام والتقدم في المنطقة.

ومع تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البرازيل والمغرب، فإن تعاونهما قد يكون بمثابة نموذج للدول الأخرى التي تبحر في تضاريس جيوسياسية معقدة. فمن الأمن الغذائي إلى تغير المناخ، يمكن للبلدين أن يكسبا الكثير من الشراكة القوية، التي تدعمها التزامهما المشترك بالحوار والتنمية المستدامة.

في عالم تتحدد معالمه بشكل متزايد بالتحديات المترابطة، يجسد التحالف بين البرازيل والمغرب إمكانات الدبلوماسية البناءة في تعزيز السلام والاستقرار والازدهار. والسؤال الآن هو كيف ستتطور هذه الشراكة، بحيث لا تشكل مستقبل الصحراء المغربية فحسب، بل وأيضاً ملامح التعاون العالمي في السنوات القادمة.

0 التعليقات: