الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، يناير 05، 2025

وسائل التواصل الاجتماعي وتقنين العدالة الضريبية في المغرب: عبده حقي


لا يزال الامتثال الضريبي يشكل تحديًا كبيرًا في جميع أنحاء العالم، ولكنه يتخذ أبعادًا فريدة في المغرب، حيث يسود الاقتصاد غير المهيكل وتدني الإبلاغ.

لقد بدأت المديرية العامة للضرائب تحقيقات مستهدفة الأشخاص الذين تفشل مداخيلهم المعلنة في التوافق مع ثرواتهم الواضحة، كما هو موضح على وسائل التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، وجد أن المهنيين الذين يعلنون عن أرباح شهرية متواضعة تبلغ 8000 درهم يمتلكون عقارات فاخرة تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.

هذا التناقض ليس مجرد افتراء. إن هذا يعكس قضايا نظامية في الإبلاغ عن الدخل وفئة متنامية من الأشخاص المهرة في استغلال الثغرات القانونية حيث يمنح قانون الضرائب المغربي، بموجب المادة 216، المديرية العامة للضرائب صلاحية تقييم الدخل السنوي بشكل شامل. ويشمل ذلك تقييم الودائع المصرفية ونفقات الأطراف ذات الصلة لتحديد ما إذا كان الفرد هو المستفيد الحقيقي من الأصول غير المعلنة.

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، وهي منصات رقمية مصممة للتواصل والتعبير، كنزًا من المعلومات للسلطات الضريبية. يشارك العديد من المستخدمين عن غير قصد مؤشرات وضعهم المالي - صور العطلات، والمشتريات الفاخرة، والأحداث البارزة - مما يوفر تناقضًا صارخًا مع دخلهم المعلن.

إن استخدام السلطات الضريبية لوسائل التواصل الاجتماعي للمراقبة ليس ظاهرة معزولة. على مستوى العالم، بدأت الحكومات في استخدام تقنيات مماثلة. على سبيل المثال، استخدمت هيئة الإيرادات والجمارك في المملكة المتحدة الذكاء الاصطناعي لتحليل الأنشطة عبر الإنترنت ومقارنتها بالإقرارات الضريبية. ورغم أن مثل هذه الممارسات قد تبدو متطفلة، فإنها تسلط الضوء على تطور فرض الضرائب في العصر الرقمي.

تركز عمليات التدقيق التي تقوم بها السلطات المغربية بشكل أساسي على المهنيين العاملين لحسابهم الخاص، وهي فئة ديموغرافية تشتهر بعدم الإبلاغ عن أرباحها. ومن المحامين والأطباء إلى المؤثرين ومنشئي المحتوى، يستفيد هؤلاء الأشخاص غالبًا من مرونة المعاملات النقدية والافتقار إلى الرقابة الصارمة.

تلعب الجمعيات المهنية والأطر الدولية أيضًا دورًا حاسمًا في معالجة هذه القضية. وتؤكد مبادرة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن تراجع القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح على أهمية الشفافية والإبلاغ الدقيق عن الدخل. ويتوافق المغرب، بصفته مشاركًا، مع الجهود العالمية للحد من التهرب الضريبي، مما يشير إلى التزامه بتحديث الحوكمة المالية.

لتعزيز فعالية مراقبتها، أقامت المديرية العامة للضرائب تحالفات مع هيئات وطنية أخرى. ومن بين الشراكات الرئيسية الشراكة مع الوكالة الوطنية لتسجيل الأراضي والخرائط، مما يتيح الوصول إلى بيانات ملكية العقارات. ويضمن هذا التآزر تقييمًا شاملاً لأصول دافعي الضرائب، مما يوفر أدلة قوية على التناقضات بين الثروة المعلنة والثروة الفعلية.

هذا التعاون بين الهيئات ليس من دون سابقة. ففي فرنسا، تتعاون السلطات الضريبية مع مقدمي الخدمات العامة لتتبع أنماط استهلاك الأشخاص، مما يوفر رؤى حول الدخل غير المعلن. وهذه التدابير، على الرغم من فعاليتها، غالبًا ما تثير مناقشات حول تجاوز الدولة وخصوصية الأشخاص.

يثير منهج الحكومة المغربية مخاوف أخلاقية وقانونية ذات صلة. وفي حين أن السعي إلى تحقيق العدالة في الضرائب أمر جدير بالثناء، إلا أن المنهجية يجب أن توازن بين التنفيذ واحترام حقوق خصوصية المواطنين. إن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كدليل يطمس الخط الفاصل بين المجالين العام والخاص، مما يستلزم ضمانات قانونية صارمة.

وعلى الصعيد الدولي، تضع اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي معياراً لحماية البيانات الشخصية مع السماح باستخدامها لأغراض مشروعة. ومن الممكن أن يستفيد الإطار القانوني المغربي من دمج أحكام مماثلة لضمان الشفافية والمساءلة في عمليات التدقيق الضريبي.

تمتد تداعيات هذا التدقيق المكثف إلى ما هو أبعد من الحالات الفردية. فالتهرب الضريبي يؤدي إلى تآكل قدرة الدولة على تمويل الخدمات العامة، مما يؤدي إلى تفاقم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية. ومن خلال معالجة هذه الفجوات، تهدف الحكومة المغربية إلى تعزيز الثقة في مؤسساتها وتعزيز ثقافة الامتثال.

ومع ذلك، يظل الإدراك العام عاملاً حاسماً. وكثيراً ما تثير حالات التهرب الضريبي البارزة ردود أفعال متباينة، من الدعوات إلى فرض عقوبات أكثر صرامة إلى التشكك في التنفيذ الانتقائي. وبالتالي، يتعين على الحكومة أن تقرن جهودها في مجال التنفيذ بحملات التوعية العامة، مع التأكيد على الفوائد الجماعية لنظام ضريبي عادل.

تدل استراتيجيات المديرية العامة للضرائب المبتكرة على تحول أوسع نحو سياسة مالية أكثر مساءلة وشمولاً. ومن خلال تبني التكنولوجيا والتعاون بين الهيئات، يضع المغرب سابقة للدول الأخرى التي تكافح تحديات مماثلة. ومع ذلك، فإن التقدم المستدام يتوقف على التوازن الدقيق بين اليقظة والإنصاف، والتنفيذ والتعليم.

وفي الختام، تمثل جهود المغرب لمعالجة التهرب الضريبي من خلال مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي استجابة جريئة وضرورية للتحديات المالية الحديثة. ومن خلال مواءمة الأطر القانونية والتكنولوجية والأخلاقية، يمكن للأمة أن تمهد الطريق لنظام ضريبي أكثر إنصافًا وشفافية. وسوف يعتمد نجاح هذه التدابير في نهاية المطاف على قدرتها على معالجة التفاوتات النظامية مع الحفاظ على ثقة الجمهور المغربي.

0 التعليقات: