الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، مارس 30، 2025

جنوب إفريقيا تدعم الانفصال في الصحراء المغربية وتقمعه في دولتها : عبده حقي


في وقتٍ يتشكل فيه المشهد الجيوسياسي العالمي بشكل متزايد بفعل ارتفاع أصوات المطالب المتضاربة بالسيادة وتقرير المصير والسلامة الإقليمية، تقف جنوب أفريقيا عند مفترق طرق من التناقض السياسي والأخلاقي. فمن جهة، تدافع بريتوريا بشدة عن الأجندة الانفصالية في الصحراء المغربية، متذرعةً بمبدأ "تقرير المصير" ومن جهة أخرى، تنفي رفضًا قاطعًا هذا المنطق لحركة انفصالية متصاعدة داخل حدودها - وهي حركة استقلال كيب الغربية.

إن هذا الازدواج في المواقف بات يثير تساؤلاتٍ عميقة: هل تسترشد السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا بمبادئ أخلاقية مثالية وثابتة، أم أنها مجرد تحالف انتهازي مدفوع بولاءات أيديولوجية وحسابات جيوسياسية بالية؟

غالبًا ما يُؤطَّر اعتراف جنوب أفريقيا بما يُسمى "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الوهمية " ودعمها المستمر لجبهة البوليساريو في سياق ما يسمى بإنهاء الاستعمار والتضامن مع حركات التحرير. إلا أن هذا المنظور يتجاهل الشرعية التاريخية لمطالب المغرب بالصحراء والواقع الذي فرضه على الأرض. فالمنطقة مُدمجة في الحكامة والحكم المغربي، وتشهد معجزة تنمويةً هائلة، واستثماراتٍ ضخمة في البنية التحتية، ومشاركةً واعية ومتزايدةً في العمليات الديمقراطية.

يُعتبر استحضار "حق تقرير المصير" هنا بمثابة صدىً من أصداء حقبة الحرب الباردة أكثر منه انعكاسًا للواقع الراهن. ومن اللافت للنظر أن جنوب أفريقيا تُحافظ على هذا الموقف رغم تراجع الدعم لجبهة البوليساريو في أفريقيا وتزايد الاعتراف الدولي بالسيادة المغربية على المنطقة، لا سيما من قِبَل القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة فرنسا وإسبانيا وإسرائيل وعددٍ متزايدٍ من الدول الأفريقية والعربية.

بينما تُنادي بريتوريا بتقرير المصير في الخارج، فإنها لا تُصغي إلى أصواتها المحلية. لقد صعّدت حركة استقلال كيب الغربية، بقيادة مجموعة مناصرة استقلال كيب (CIAG)، جهودها مؤخرًا، معلنةً عن خطط لإرسال وفد إلى واشنطن لحشد الدعم الدبلوماسي والمالي، في خطوة جريئة تُشير إلى دعم عزم المجموعة المطالبة بالاستقلال.

لا تنبع هذه المساعي الانفصالية من صراع عرقي أو مخلفات الاستعمار، بل تنبع من خيبة أمل متزايدة في فشل الحكم الداخلي، وسوء الإدارة الاقتصادية، والرغبة في الحكم الذاتي الإقليمي.

تُثير هذه الحركة، التي تدعمها شريحة من الأفريكانيين البيض، مخاوف مشروعة بشأن الفيدرالية والتمثيل والمساءلة في جنوب أفريقيا ما بعد الفصل العنصري.

ماذا كان رد بريتوريا؟ الصمت في أحسن الأحوال، والرفض القاطع في أسوأها. يبدو أنه لا مجال لـ"تقرير المصير" عندما يتحدى الهيكل الوحدوي لأمة قوس قزح.

إن هذا التناقض في موقف جنوب أفريقيا يكشف عن تناقض أعمق: التطبيق الانتقائي لمبادئ لا تستند إلى القانون الدولي أو القيم الديمقراطية، بل إلى المصالح الأيديولوجية والسياسات الإقليمية.

إن هذا الازدواج يتنافى مع مصداقية بريتوريا كصوت "متخلق" في الدبلوماسية الأفريقية. فهو يُنفّر الحلفاء المحتملين، ويُقوّض الثقة في سياستها الخارجية، ويُظهر صورةً مُقلقةً لدولةٍ غير مستعدةٍ لتطبيق ما تُطالب به في الخارج على الصعيد الداخلي.

علاوةً على ذلك، فإنّ خطوةَ مجموعة كيب الغربية للتواصل مع المحافظين الأمريكيين - بما في ذلك اجتماعٌ مُحتمل مع دونالد ترامب - قد تُدول قضيةً محلية، تمامًا كما دُوِّلت قضية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية المزعومة والوهمية قبل عقود. إذا أُريد لمبدأ "تقرير المصير" أن يكون ذا معنى عالمي، فيجب تطبيقه بالتساوي - من العيون إلى كيب تاون.

المغرب قدَّم دعمًا مهمًّا لحركات التحرر في إفريقيا عمومًا، وجنوب إفريقيا بشكل خاص، رغم أن العلاقات بين البلدين شهدت لاحقًا توترات بسبب مواقف متباينة، خصوصًا حول قضية الصحراء الغربية. لكن في فترة الكفاح ضد نظام الأبارتهايد، كان للمغرب دورٌ إيجابي في دعم نضال شعب جنوب إفريقيا ضد الاستعمار والتمييز العنصري.

إن المغرب كان من بين الدول الإفريقية التي دعمت بقوة حركات التحرر الوطني في القارة الإفريقية خلال الستينيات والسبعينيات، بما فيها المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) الذي كان يقوده نيلسون مانديلا.

في المحافل الدولية، تبنّى المغرب مواقف واضحة ضد نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، وساند القرارات الأممية المناهضة له.

وهناك شهادات من بعض قادة ANC تُشير إلى أن المغرب وفّر تدريبًا عسكريًا لعدد من مقاتلي الحركة في فترات الاستعمار.

كما زُوّدت بعض حركات التحرر الإفريقية بأسلحة ودعم لوجستي، خصوصًا عبر دعم الجبهة المناهضة للاستعمار والتمييز العنصري.

كما استقبل المغرب على أراضيه نشطاء سياسيين أفارقة من حركات تحرر مختلفة.

كما لعب دورًا في تأسيس مجموعة من المنتديات الإفريقية التي دعمت نضال جنوب إفريقيا، مثل منظمة الوحدة الإفريقية التي كانت من أبرز الداعمين للقضية.

الملك الراحل الحسن الثاني كان له علاقات وطيدة مع عدد من القادة الأفارقة، من ضمنهم نيلسون مانديلا، وقد عبّر مانديلا عن تقديره لهذا الدعم بعد تحرر جنوب إفريقيا.

رغم أن العلاقات بين الرباط وبريتوريا توترت بعد استقلال جنوب إفريقيا بسبب اعترافها بـ"الجمهورية الصحراوية الوهمية"، فإن التاريخ يسجل أن المغرب كان من أوائل الدول التي دعمت نضال شعب جنوب إفريقيا في مواجهة العنصرية والاستعمار.

يجب على جنوب أفريقيا أن تُعالج هذه المفارقة. إذا كانت تؤيد حق تقرير المصير حقًا، فعليها أن تُهيئ مساحة سياسية للنقاش الداخلي والتعبير الديمقراطي - بما في ذلك الاستفتاءات على الحكم الذاتي الإقليمي، سواءً وافقت عليها أم لا.

وعلى العكس، إذا كانت تتمسك بقدسية الوحدة الوطنية في الداخل، فلا يجوز لها أن تدعو إلى التقسيم في الخارج تحت ستار التحرير.

إن التاريخ يحاسب ويراقب الأمم التي تُنادي بشيء وتمارس شيئًا آخر. جنوب أفريقيا، التي وُلدت من منطلق أخلاقي رفيع أثمره النضال ضد الفصل العنصري، مدينةٌ لإرثها بمواءمة سياستها الخارجية مع مواقف متماسكة ومبدئية - لا مع بقايا أيديولوجية أو مقايضة جيوسياسية.

0 التعليقات: