في سياق تتصاعد فيه التوترات الإقليمية إلى مستويات تنذر بانفجار شامل، اختارت الجزائر مرة أخرى الاصطفاف إلى جانب القوى التي تغذي الفوضى وتراكم التهديدات في المنطقة، بدلًا من تبني سياسة خارجية متوازنة تحمي مصالح الشعوب العربية وتجنب المنطقة ويلات الحروب. التصريحات الصادرة عن وزارة الخارجية الجزائرية، بعد الاتصال الهاتفي بين الوزير أحمد عطاف ونظيره الإيراني عباس عراقجي، تكشف عن توجه سياسي لا يتسم بالحكمة، بل بالمجازفة بدور الجزائر كدولة محايدة، وتحويلها إلى طرف مباشر في صراع إقليمي ذي أبعاد دولية.
اللافت في البيان الجزائري
ليس فقط إدانته للهجوم الإسرائيلي على منشآت إيرانية، بل محاولة إضفاء شرعية على السلوك
الإيراني المثير للقلق، دون التطرق إلى ممارسات طهران في سوريا ولبنان والعراق واليمن،
أو إلى مشاريعها التوسعية التي تُهدد الأمن العربي قبل الإسرائيلي. فهل أصبحت الجزائر
ترى في النظام الإيراني حليفًا استراتيجيًا؟ وهل تنظر إلى الحروب بالوكالة التي تقودها
إيران في العالم العربي كجزء من "حق الدفاع عن النفس"؟
من المؤسف أن السياسة
الخارجية الجزائرية تتصرف كما لو أنها امتداد دبلوماسي لطهران، متناسية تاريخ إيران
في دعم الانقسامات الطائفية، وتجاهلها للقانون الدولي من خلال تطوير برامجها النووية
والصاروخية خارج الأطر الرقابية الفاعلة. الحديث عن "احترام ميثاق الأمم المتحدة"
و"إدانة العدوان" يبدو مبتورًا حين يصدر من طرف يتغاضى عن دعم إيران المباشر
لمليشيات مسلحة تتحدى الدول الوطنية وتقوض سيادتها.
تكرار الجزائر لمواقفها
المنحازة لإيران يعكس تحولًا خطيرًا في عقيدتها الدبلوماسية التي لطالما ادعت الوقوف
على مسافة واحدة من جميع الأطراف. فبدل أن تلعب دور الوسيط أو الداعم للشرعية الدولية
في كل الاتجاهات، نجدها تنخرط في خطاب أحادي، متأثر على ما يبدو بعقيدة عدائية موروثة
تجاه الغرب، وتوظيف متكرر لقضية فلسطين كغطاء للانحياز إلى أطراف غير عربية تهيمن عليها
أجندات دينية وقومية توسعية.
عندما تتحدث الجزائر عن "دوامة العنف واللاأمن" في المنطقة، فهل تستثني الضربات الإيرانية الصاروخية عبر المليشيات التابعة لها؟ وهل تغفل التدخلات الإيرانية في شؤون جيرانها العرب، والتي لا تقل فتكًا عن أي ضربة عسكرية توجهها إسرائيل؟ إن تجاهل هذه الحقائق يشوه صورة الجزائر كعضو في الجامعة العربية، ويثير تساؤلات حول دورها المستقبلي في ملفات مثل سوريا واليمن وحتى العلاقات مع دول الخليج.
ولعل الأهم من كل ذلك
أن موقف الجزائر يعمّق عزلة دبلوماسية متزايدة داخل المحيط المغاربي والعربي. المغرب،
مثلًا، اختار الانفتاح والتحالفات المتعددة الاتجاهات، ونجح في خلق توازن دبلوماسي
حافظ على مصالحه القومية دون الانجرار إلى محور إيراني أو اصطفاف طائفي. أما الجزائر،
فبوقوفها إلى جانب طهران، إنما تضحي بأوراقها كدولة فاعلة في بناء توافقات عربية حقيقية،
وتغامر بعلاقاتها مع شركاء تقليديين في الخليج ومصر وحتى أوروبا.
ختامًا، فإن البيان
الجزائري ليس مجرد موقف دبلوماسي عابر، بل هو انعكاس لرؤية استراتيجية تتجاهل التحولات
العميقة في المنطقة، وتحجب عن الشعب الجزائري الحق في سياسة خارجية رشيدة تحمي المصالح
الوطنية أولًا، وتعيد تموضع الجزائر كقوة توازن لا كصدى لنظام يثير القلق العالمي أكثر
مما يحظى بالثقة. وعلى الجزائر أن تعيد النظر قبل أن تجد نفسها في عزلة أكبر، تُفرض
عليها لا لأنها ضعيفة، بل لأنها اختارت الاصطفاف الخاطئ.
0 التعليقات:
إرسال تعليق