شكل عام 1969 محطة مفصلية في تاريخ اليسار المغربي، إذ شهدت الساحة السياسية بروز حزب التحرر والاشتراكية باعتباره الامتداد القانوني للحزب الشيوعي المغربي الذي تم حله في مطلع الستينيات. لم يكن الأمر مجرّد تغيير تسمية، بل محاولة لإعادة إدراج الخط الماركسي ضمن معجم "التحرر الوطني" وتجاوز الحساسية الرسمية من لفظ "الشيوعية". بيد أن التجربة لم تعمّر طويلاً، إذ سارع المخزن إلى حظر الحزب بعد أشهر قليلة من تأسيسه، ليعود لاحقاً عام 1974 باسم جديد هو حزب التقدم والاشتراكية.
السياق السياسي: سنوات
الاستثناء والاختناق
لقد تزامن هذا التطور
مع أجواء سياسية مشحونة: إرث انتفاضة مارس 1965، تعليق الحياة البرلمانية، وصعود نظام
أمني يقيّد الحريات ويلاحق المعارضين. في المقابل، كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية
قد أصبح قطباً معارضاً واسع النفوذ، لكنه بدوره عرف انشقاقات داخلية وتوترات بين جناحه
البرلماني وجناحه الطلابي الراديكالي.
في هذا المناخ، اتجهت
فئة من الشباب المتأثر بالمد الماركسي-اللينيني العالمي نحو العمل السري، لتولد لاحقاً
تنظيمات مثل "إلى الأمام" و"23 مارس"، في حين اختار الشيوعيون
التاريخيون العودة إلى العمل الشرعي عبر حزب التحرر والاشتراكية.
1969: بين الاسترجاع الوطني والصراع الداخلي
لا يمكن فصل هذه التحولات
عن المناخ الوطني الأوسع. فقد شهد العام ذاته استرجاع سيدي إفني في يونيو 1969، وهو
حدث عزّز سردية الدولة حول "الوحدة الترابية" وحشد جزءاً كبيراً من الرأي
العام خلف السلطة. كما احتضن المغرب في شتنبر من السنة نفسها أول قمة إسلامية بالرباط
عقب حريق المسجد الأقصى، ما منح المؤسسة الملكية رصيداً دبلوماسياً جديداً على الصعيدين
العربي والإسلامي. هذه المكاسب الوطنية ضيّقت الخناق أكثر على المعارضة الراديكالية،
التي صارت تُصوَّر كمعارضة هامشية أو حتى خطراً على التماسك الوطني.
خرائط اليسار: الإصلاح
مقابل الثورة
من هذه اللحظة برز
تمايز واضح في مسارات اليسار المغربي:
خط إصلاحي قانوني مثّله
حزب التحرر والاشتراكية، ساعياً إلى الاشتغال في النقابات والمجالس البلدية متى أتيحت
له الفرصة.
خط جماهيري برلماني
تمثله تجربة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، التي ستتحوّل لاحقاً إلى الاتحاد الاشتراكي.
خط ثوري سري جسدته
تنظيمات "إلى الأمام" و"23 مارس"، المتأثرة بالمدّ الطلابي والثقافي
لمجلة "أنفاس" وبالمدّ الثوري العالمي بعد 1968.
هذا التقسيم الثلاثي
رسم ملامح الحقل اليساري في السبعينيات، حيث اتخذ بعضه شكل أحزاب قانونية، وبعضه الآخر
غاص في السرية وتعرض لأقسى أشكال القمع.
الأثر البعيد
إرث 1969 يتجلّى في
نتيجتين أساسيتين:
تكريس "قوس قانوني"
للتيار الشيوعي المغربي عبر حزب التقدم والاشتراكية لاحقاً، الذي ما زال فاعلاً في
الحياة السياسية إلى اليوم.
بروز يسار راديكالي
سري تحوّلت بعض مكوناته لاحقاً إلى تنظيمات سياسية علنية، مثل منظمة العمل الديمقراطي
الشعبي في الثمانينيات.
لقد كان عام 1969 لحظة
إعادة توزيع أدوار داخل المعارضة المغربية: الشرعية القانونية مُنحت بيدٍ ضيقة، والعمل
السري قوبل بقمع شديد، والدولة عززت موقعها بفضل مكاسب دبلوماسية وترابية. وبذلك، يمكن
القول إن 1969 لم يكن سنة تأسيس حزب جديد فحسب، بل محطة أعادت رسم خريطة اليسار المغربي
وحددت مساراته لعقود.
المراجع والمصادر
Parti de la
libération et du socialisme –
تاريخ التأسيس والمنع (1968–1969).
Moroccan
Communist Party –
مسارالتحول إلى حزب التحرر والاشتراكية.
الوثائق الرسمية لحزب
التقدم والاشتراكية – علاقة PPS بــ PLS وPCM.
Oxford Research
Encyclopedia: Marxists of the Maghreb – تحليل سياق اليسار المغربي.
UC Press:
Morocco: God and King – دراسة حول السلطة والمعارضة.
تعريف حركة
"23 مارس" وانبثاقها سنة 1970.
تعريف حركة "إلى
الأمام" ومسارها السري في السبعينيات.
سجلات الأمم المتحدة
– استرجاع سيدي إفني 1969.
أرشيف مجلة Souffles/أنفاس – النصوص الثقافية والسياسية للتيار
اليساري الجديد.
روابط مكتبات رقمية
UN Digital
Library – Sidi Ifni 1969
Souffles/Anfas
Archive
UC Press E-Books
Collection
Oxford Research
Encyclopedia – African History
يتبع
0 التعليقات:
إرسال تعليق