لم يكن عام 1973 عامًا عاديًا في تاريخ المغرب السياسي، بل شكّل لحظة مكثفة من الصراع بين السلطة ومجموعة من التيارات اليسارية الثورية التي اختارت الخروج من العمل السياسي العلني إلى السرية والمواجهة المباشرة.
لقد كانت تلك السنة مسرحًا لتصاعد تنظيمات ماركسية سرية، حملت شعارات الثورة والعدالة الاجتماعية، وسعت إلى زعزعة النظام القائم بوسائل مسلحة، لكنها سرعان ما اصطدمت بجدار أمني صلب، سطر بداية عقود من القمع والانكسار، وفي ذات الوقت فتح أفقًا جديدًا في الوعي السياسي المغربي.
في مطلع السبعينيات،
كان المغرب يعيش حالة من التوتر السياسي الشديد حيث محاولتا الانقلاب في 1971 و1972
كشفتا عن هشاشة النظام في مواجهة المعارضة داخل الجيش وبعض النخب. وفي ظل هذه الظروف،
توسّعت صلاحيات الدولة الأمنية وأغلقت كل قنوات التعبير الحر، مما دفع فئات واسعة من
الشباب والطلبة إلى تبني العمل السري بديلاً عن الوسائل القانونية.
عزز الملك الحسن الثاني
سلطته بعد النجاة من محاولتي الانقلاب، فتم توسيع نفوذ الأجهزة الأمنية، وتكريس الحكم
الفردي، وضرب المعارضة بكل أشكالها. لكن المفارقة أن هذه القبضة الحديدية كانت في حد
ذاتها دافعًا مباشرًا لتكاثر التنظيمات السرية، خصوصًا في صفوف اليسار الراديكالي المتأثر
بتجارب كوبا وفيتنام والصين والثورة الفلسطينية.
تعود جذور التنظيمات
اليسارية السرية في المغرب إلى الانشقاقات التي وقعت داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،
والاتحاد الوطني لطلبة المغرب، عقب أحداث 23 مارس 1965. هذه الأحداث، التي قوبلت بقمع
دموي ضد احتجاجات طلابية، ولّدت قناعة عميقة لدى جيل من الشباب بأن التغيير السياسي
من داخل النظام صار مستحيلًا.
ظهرت في هذا السياق
تنظيمات سرية مثل "إلى الأمام"، و"23 مارس"، و"اليسار الاشتراكي
الثوري"، التي تبنّت الماركسية اللينينية، وبعضها ذهب بعيدًا نحو الماوية، معتبرًا
أن الثورة المسلحة هي الخيار الوحيد لإسقاط النظام المخزني، وبناء دولة اشتراكية قائمة
على سلطة العمال والفلاحين الفقراء.
تميزت هذه التنظيمات
ببنية خلايا صغيرة سرية، واعتمدت على الكفاح المسلح كأفق استراتيجي، واشتغلت على التثقيف
السياسي الثوري، والتعبئة وسط الطلبة والشغيلة وساكنة البوادي، وتنسيق تدريبات عسكرية
في الخارج خاصة في الجزائر وليبيا وسوريا.
بلغ هذا المسار ذروته
في 3 مارس 1973، حين حاولت مجموعة من المناضلين المسلحين تنفيذ انتفاضة مسلحة انطلاقًا
من جبال مولاي بوعزة في الأطلس المتوسط. المخطط كان يستهدف إشعال ثورة بدوية قاعدية
مستلهمة من تجارب أمريكا اللاتينية، من خلال مهاجمة مراكز الشرطة والاستيلاء على السلاح
وتحرير المعتقلين السياسيين.
لكن العملية لم تدم
طويلًا، إذ تم إحباطها بسرعة بفعل اختراق أمني مسبق. اندلعت اشتباكات متفرقة مع القوات
المسلحة، انتهت بقتل واعتقال العديد من المشاركين. الدولة ردّت بحملة قمعية واسعة،
طالت المئات، وأصدرت محاكم عسكرية أحكامًا قاسية، شملت الإعدام والسجن المؤبد.
كانت تلك الانتفاضة
لحظة صدمة للجميع. بالنسبة للسلطة، كانت إشارة على جدية التهديد الذي تمثله التنظيمات
اليسارية. أما بالنسبة للمناضلين، فقد كشفت عن حدود المغامرة الثورية في بلد محكوم
بأجهزة أمنية قوية، ومجتمع لم يكن مهيأً بعد للاحتضان الشعبي الواسع للفعل المسلح.
تنظيم "إلى الأمام"
كان من أكثر التنظيمات اليسارية تنظيرًا وعمقًا في التحليل الطبقي للمجتمع المغربي.
ركّز على أن البنية المخزنية للدولة، وتحالف الملكية مع البرجوازية، هو أساس التخلف
والتبعية الاقتصادية. لقد سعى التنظيم إلى تأسيس شبكة خلايا سرية في المدن والقرى،
واستقطب مثقفين وطلبة ونقابيين.
من أبرز رموزه عبد
اللطيف زروال، الذي اختُطف سنة 1974، وتوفي تحت التعذيب في معتقل سري، دون أن يُعرف
قبره حتى اليوم. مثّل زروال رمزًا للشجاعة الفكرية والسياسية، وظلت ذكراه حية في الذاكرة
اليسارية المغربية.
أما تنظيم
"23 مارس"، فقد نشأ من رحم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وتميّز بمواقف أكثر
مرونة على المستوى الثقافي والهوياتي، حيث كان من أوائل التنظيمات التي دافعت عن الأمازيغية
وحقوق الأقليات. فقد جمع بين التكوين الفكري الصلب والعمل النضالي الميداني، وسعى إلى
خلق جبهة يسارية واسعة توحّد مختلف التيارات الثورية.
لكن خلافات أيديولوجية
داخلية، وتضييق أمني مستمر، أدت إلى انقسام التنظيم، وتشتت أعضائه بين المنفى، والعمل
الثقافي، والانخراط لاحقًا في العمل الحزبي القانوني.
بعد موجة 1973، دخل
المغرب في مرحلة جديدة من القمع المكثف عُرفت بـ"سنوات الرصاص" حيث الأجهزة
الأمنية شددت قبضتها، وتم اللجوء إلى الاعتقالات التعسفية، والاختفاءات القسرية، والتعذيب
في مراكز مثل "درب مولاي الشريف" و"قلعة مكونة" و"تمارة".
العديد من المناضلين
السياسيين قضوا سنوات في الزنازين دون محاكمة، وبعضهم خرج محطّمًا نفسيًا أو بإعاقة
جسدية. كما استُخدمت سياسة "العقاب الجماعي"، حيث طالت الانتهاكات أسر المعتقلين،
وتم عزلهم اجتماعيًا ومهنيًا.
لكن الدولة لم تعتمد
فقط على القوة العارية، بل بدأت أيضًا في بناء تحالفات مع أطراف يسارية معتدلة، وتشجيع
انشقاقات داخل التنظيمات السرية، وفتح المجال لاحقًا أمام نوع من "الترويض السياسي"،
الذي سيسهم لاحقًا في إدماج بعض التيارات اليسارية في الحقل السياسي الرسمي خلال التسعينيات.
رغم فشل هذه التنظيمات
في تحقيق أهدافها الثورية، إلا أن أثرها بقي حيًا في الذاكرة السياسية المغربية. لقد
أعادت صياغة معنى المعارضة، وربطت بين النضال السياسي والسؤال الاجتماعي، وفضحت ممارسات
القمع والتعذيب، وفتحت أفقًا جديدًا للكتابة السياسية، والشهادات، والوثائق التي أخرجت
المسكوت عنه إلى النور.
كما أسّست هذه التجربة
لتقاليد جديدة في العمل السياسي، مثل التنظيم القاعدي، الثقافة النقدية، والمساءلة
الشعبية، والتي ستجد صداها لاحقًا في الحركات الحقوقية، والكتابات السياسية، والتجارب
الحزبية الجديدة.
إن سنة 1973 قد
شكلت لحظة مفصلية عكست عمق التوتر بين طموح التغيير الجذري واستراتيجيات الدولة في
الاحتواء والقمع. ورغم ما شهدته تلك المرحلة من مآسٍ إنسانية وإخفاقات تنظيمية، إلا
أنها تركت إرثًا من الشجاعة الفكرية والسياسية لا يمكن محوه. إنها السنة التي واجه
فيها الحلم جدار الحديد، وخرجت منها الذاكرة المغربية أكثر تشظيًا… وأشد مقاومة.
مجموعة بنو هاشم: من
ظلال سنوات الرصاص إلى ذاكرة العدالة الانتقالية
في مطلع الثمانينيات،
كان المغرب يعيش على وقع أزمات اجتماعية وسياسية متتالية. الجامعات والشارع العام امتلأا
بالاحتجاجات، فيما كانت أجهزة الدولة تراقب كل تحرك شبابي أو طلابي بعين الريبة. وسط
هذا المناخ ظهرت قصة خمسة شبان عُرفوا لاحقاً باسم مجموعة بنو هاشم، وهي التسمية التي
التصقت بهم لكون أحدهم يحمل هذا الاسم، ولأنها صارت عنواناً لتجربة اعتقال استثنائية
في قسوتها وظلت شاهداً على زمن الاختفاء القسري.
من هم مجموعة بنو هاشم؟
تكوّنت المجموعة من
محمد الرحوي، محمد النضراني، مولاي إدريس الحريزي، عبد الرحمن القونسي، وعبد الناصر
بنو هاشم. كانوا طلبة وتلميذاً في مقتبل العمر، انخرطوا في العمل الطلابي والفكري داخل
الجامعة والثانويات، في زمن كانت فيه التنظيمات اليسارية الراديكالية مثل "إلى
الأمام" تثير قلق السلطة.
لماذا اعتُقلوا؟
لم يكن اعتقالهم مبنياً
على جرائم واضحة أو محاكمات عادلة، بل كان سياسياً بالدرجة الأولى. اشتُبه في انتمائهم
لليسار الثوري وتبنّيهم أفكاراً راديكالية، فوجدوا أنفسهم ضحايا للاختفاء القسري، حيث
اقتيدوا من مقاعد الدراسة إلى زنازن سرية بعيداً عن أعين القضاء والرأي العام.
رحلة العذاب: من الرباط
إلى الجنوب
بدأت حكايتهم في ما
كان يُعرف بـ "الكومبليكس" في أكدال بالرباط، وهو مركز أمني سيء السمعة،
حيث قضوا شهوراً طويلة في عزلة تامة. بعد ذلك نُقلوا إلى المعتقل السري بأكدز في جنوب
شرق البلاد، وهو واحد من أكثر أماكن الاعتقال قسوة في المغرب. هناك عاشوا ظروفاً مهينة:
زنازن مظلمة خانقة، طعام شحيح، أمراض وإهانات ممنهجة، إلى جانب مشاهدة رفاق آخرين يسقطون
ضحايا الموت البطيء.
في مطلع الثمانينيات،
جرى ترحيلهم إلى سجن قلعة مكونة، حيث استمر احتجازهم إلى غاية منتصف 1984 تقريباً.
قضوا ما يقارب تسع سنوات بين أماكن مختلفة للاعتقال السري، دون أن يعرف أهاليهم أو
المحامون مصيرهم الحقيقي.
شهادات أُفرغت من الصمت
مع بداية الألفية،
حين فُتح ملف العدالة الانتقالية عبر هيئة الإنصاف والمصالحة، خرجت أصوات أفراد المجموعة
من الصمت. محمد الرحوي كتب تجربته في مؤلف مطوّل، بينما قدّم عبد الناصر بنو هاشم شهادات
مؤثرة عن سنوات الاختفاء. أما محمد النضراني وعبد الرحمن القونسي، فقد حملا التجربة
إلى مجال السرد البصري والأدبي عبر كتب وصور وألبومات، جعلت من "بنو هاشم"
رمزاً لتجربة أوسع من مجرد خمسة معتقلين.
من المعتقل إلى الذاكرة
مواقع مثل معتقل أكدز
أو قلعة مكونة لم تعد مجرد فضاءات نائية، بل صارت معالم في الذاكرة الجماعية المغربية.
بعد توصيات الإنصاف والمصالحة، ظهرت مبادرات لتحويل هذه الأماكن إلى فضاءات للتذكر
والتثقيف الحقوقي، حتى لا يتكرر ما حدث. وقد ظل اسم "مجموعة بنو هاشم" حاضراً
في هذه الجهود كإحدى القصص التي تختزل معاناة جيل بأكمله.
دلالات القضية
تُظهر قصة المجموعة
أن الاعتقال لم يكن موجهاً ضد أفراد بعينهم بقدر ما كان جزءاً من سياسة شاملة لإسكات
أي صوت معارض. لكنها تكشف أيضاً عن قدرة الضحايا على تحويل الألم إلى سردية مقاومة،
وعن التحوّل الذي عرفه المغرب في بداية الألفية مع الاعتراف الرسمي بسنوات الانتهاكات
الجسيمة ومحاولة جبر الضرر.
خاتمة
قضية "بنو هاشم"
لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل فصل من تاريخ المغرب الحديث يذكّر بأثمان الحرية وبأهمية
المصالحة مع الذاكرة. لقد تحوّل اسمهم إلى رمز للمعاناة، ولكنه أيضاً صار رمزاً للأمل
في أن تكون التجربة درساً مؤسساً لمغرب أكثر عدلاً وإنصافاً.
حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي بين الإصلاح والجذرية
تاريخ اليسار المغربي
منذ الاستقلال هو تاريخ الانشقاقات بقدر ما هو تاريخ التضحيات. فمنذ الخروج من عباءة
حزب الاستقلال سنة 1959 وتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقيادة المهدي بن بركة،
ظلّ اليسار يبحث عن موقعه بين المعارضة الراديكالية والمشاركة الإصلاحية. ومع مرور
العقود، لم تكن هذه الصراعات الفكرية والتنظيمية مجرّد خلافات عابرة، بل شكلت معالم
لمسار سياسي طويل امتزج فيه القمع بالرهان الديمقراطي، والجذرية بالبراغماتية. ويبرز
انشقاق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وتأسيس حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي
سنة 1983 كأحد أبرز تجليات هذا المسار المتوتر.
بعد استقلال المغرب
سنة 1956، سرعان ما ظهرت التباينات داخل الحركة الوطنية. ففي سنة 1959، أسس المهدي
بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم وآخرون الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،
كرد فعل على هيمنة قيادة حزب الاستقلال التقليدية، وكمشروع يساري طامح لإقامة ديمقراطية
اجتماعية حقيقية. رفع الاتحاد الوطني شعارات جذرية: العدالة الاجتماعية، تأميم الثروات،
بناء دولة حديثة، والقطع مع الاستبداد.
لكن الدولة واجهت الحزب
بقمع شديد، خصوصاً بعد اغتيال المهدي بن بركة سنة 1965 في باريس، ومحاكمات واعتقالات
طالت مناضليه. وقد أدى القمع من جهة، والانقسامات الداخلية من جهة أخرى، إلى إضعاف
الحزب. ومع بداية السبعينيات، برز اتجاه إصلاحي بقيادة عبد الرحيم بوعبيد، قرر خوض
المعركة الانتخابية رغم كل العراقيل، ليؤسس سنة 1975 الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
كامتداد جديد للاتحاد الوطني.
مثّل الاتحاد الاشتراكي
القوة السياسية المعارضة الرئيسية في السبعينيات والثمانينيات. فقد تبنى عبد الرحيم
بوعبيد استراتيجية تقوم على "النضال الديمقراطي"، أي خوض الانتخابات والمشاركة
في المؤسسات لانتزاع مكاسب تدريجية.
ومع ذلك، لم يكن هذا
الخيار مقبولاً لدى كل قواعد الحزب. فجزء كبير من المناضلين، خاصة في النقابات والحركة
الطلابية، اعتبر أن المشاركة تعني تمييع الصراع السياسي مع النظام، وأنها ابتعاد عن
روح الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
أحداث السبعينيات وأوائل
الثمانينيات كانت حاسمة:
1963: أول انتخابات تشريعية، أعقبتها حملة قمع واسعة
ضد المعارضة اليسارية، وسجن المئات بتهمة "المؤامرة".
1973: محاولات مسلحة فاشلة قادها يساريون في الجنوب
(مولاي بوعزة)، زادت من تشدد السلطة.
1981: انتفاضة الدار البيضاء ضد غلاء المعيشة، انتهت
بمئات الضحايا والمعتقلين، واعتُبر الاتحاد الاشتراكي مسؤولاً معنوياً عن تعبئة الشارع.
في خضم هذه التطورات،
اتسع الخلاف داخل الاتحاد الاشتراكي بين الجناح الإصلاحي المتشبث بالعمل المؤسساتي،
والجناح الجذري الذي رأى في ذلك تنازلاً عن جوهر الصراع.
تأسيس حزب الطليعة
الديمقراطي الاشتراكي
سنة 1983، أعلن قادة
بارزون من الجناح اليساري الراديكالي، وعلى رأسهم عبد الرحمن بنعمرو، عن تأسيس حزب
الطليعة الديمقراطي الاشتراكي.
وقد اختار الحزب الجديد
أن يكون وريثاً "شرعياً" للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، محتفظاً بخطابه
الثوري والجذري، ومعلناً القطيعة مع خيار المشاركة البرلمانية الشكلية.
ملامح الحزب الجديد:
المرجعية: وفاء لإرث
المهدي بن بركة وعبد الله إبراهيم، وتأكيد على بناء مجتمع اشتراكي ديمقراطي.
الموقف من الانتخابات:
تبنى في بدايته خط المقاطعة باعتبارها وسيلة لكشف محدودية النظام السياسي.
القاعدة الاجتماعية:
وجد دعماً أساسياً في صفوف الحركة الطلابية (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب) وبعض النقابات
المناضلة.
الخطاب: ركّز على فضح
الاستبداد، الدفاع عن حقوق الإنسان، والتشديد على ضرورة تغيير جذري يطال طبيعة النظام.
أثر الانشقاق على المشهد
اليساري
أدى تأسيس حزب الطليعة
إلى تعميق تشرذم اليسار المغربي. فبدلاً من أن يشكل الاتحاد الاشتراكي جبهة قوية في
مواجهة النظام، وجد نفسه أمام يسار جذري يتهمه بالمهادنة. وفي المقابل، عانى الطليعة
من ضعف الإمكانيات التنظيمية ومن تضييق الدولة، مما قلّص من تأثيره الجماهيري الواسع.
ومع ذلك، كان لوجوده
أثر سياسي مهم:
أبقى على جذوة المعارضة
الجذرية مشتعلة داخل الساحة.
قدّم إطاراً سياسياً
للقوى الطلابية والنقابية الثورية.
لعب دوراً أساسياً
لاحقاً في بناء تحالفات يسارية مثل التحالف اليسار الديمقراطي.
من التناوب إلى اليسار
الجذري
في سنة 1998، دخل الاتحاد
الاشتراكي تجربة التناوب التوافقي، حيث قاد عبد الرحمن اليوسفي حكومة تاريخية أنهت
عقود المعارضة. غير أن هذا التحول أكد للعديد من مناضلي الطليعة صحة موقفهم، إذ اعتبروا
أن الاتحاد الاشتراكي ذاب في مؤسسات النظام وخسر هويته الثورية.
وبالمقابل، ظل الطليعة، رغم محدودية قاعدته، وفياً لخطه النقدي الجذري، مشاركاً في المعارك النقابية والحقوقية، ومنفتحاً على قوى يسارية أخرى كحزب النهج الديمقراطي.
إن انشقاق الاتحاد
الاشتراكي وتأسيس حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي يعكس المسار الجدلي للحركة اليسارية
المغربية: بين الإصلاح من الداخل والقطيعة الجذرية، بين المشاركة والمقاطعة، بين التكيف
مع موازين القوى والتمسك بالمبادئ.
ورغم أن هذا الانشقاق
ساهم في إضعاف اليسار كقوة موحدة، فإنه ساهم أيضاً في الحفاظ على تنوع التجربة السياسية
المغربية، وعلى بقاء الصوت الجذري في مواجهة الاستبداد والتطبيع السياسي.
فالطليعة اليوم، وإن ظل حزباً صغيراً، يمثل ذاكرة نضالية حية، ويذكّر بأن رهانات الديمقراطية الحقيقية في المغرب لم تُحسم بعد، وأن مسار اليسار ما زال مفتوحاً بين الإصلاح والجذرية.
قائمة المراجع والمصادر
Jaabouk, Samir.
"March 3, 1973: When young leftists wanted to overthrow King Hassan II’s
regime." Yabiladi.com.
Pennell, C. R.
Morocco: From Empire to Independence. Oneworld Publications, 2003.
El Ayadi,
Mohamed, and Rachik, Hassan. L'État et la société au Maroc: Approche
sociologique. Casablanca, 2005.
Vermeren,
Pierre. Le Maroc de Mohammed VI: La transition inachevée. La Découverte, 2009.
Slyomovics,
Susan. The Performance of Human Rights in Morocco. University of Pennsylvania
Press, 2005.
"Ila
al-Amam (Morocco)", Wikipedia
[en.wikipedia.org/wiki/Ila_al-Amam_(Morocco)]
"Harakat 23
Mars", Wikipedia [en.wikipedia.org/wiki/Harakat_23_Mars]
Human Rights
Watch. Keeping Each Other Safe: The Moroccan Human Rights Movement and the
State. New York, 1995.
Assafir
Al-Arabi. "The Realities of the Left in Morocco." 2020.
Amnesty
International Reports (1970–1980) on Morocco.
0 التعليقات:
إرسال تعليق