أستيقظ من نفسي كما تستيقظ الحروف من جسدها المخفي،
أمدّ يدي إلى فراغ يتنفّس، فيمسكني الهواء ويعلّقني مثل أيقونة في معبد بلا
جدران.
أقيس حرارة قلبي بمحرار من دخان، وأرسم عمري على جدارٍ لا يراه أحد إلا الغياب.
أمشي في جسدي كأنني مسافر في شارع مظلم لا بداية له ولا نهاية،
أفتح نوافذ داخلي لأدخلني،
أصرخ في صمتي فيعود إليّ صوتي غريبًا مثل طائر منفي،
وأترك قدمي تسير بلا اسم، بلا زمن.
أحمل رأسي كقمر منفيّ من سمائه،
أضعه على الطاولة مثل خبزٍ يابسٍ أكلته الأرواح،
أراقب كيف تنمو داخله شجرة من زجاج،
ثم أبتلع ظلها كي لا يراني أحد في مرايا الحلم.
أكتب لأن أصابعي تنزف،
الكلمات ليست لي لكنها تسكنني كما يسكن الطيفُ بيتًا مهجورًا،
أشربها مثل ماءٍ مسموم،
فتنبت في روحي أزهار سوداء لا تعرف الموت ولا تعرف الحياة.
أحبك كأنك خطأ مقدّس في الجملة الأولى من سفرٍ مفقود،
كأنك نقطة انفلتت من معناها لتصبح جرحًا يغنّي،
كأنك يدٌ ما زالت تتعلّم اللمس فوق جلد الخليقة،
أو سرٌّ يتجوّل بين أفلاك لا نعرف أسماءها.
أسمع الليل وهو يتنفس داخلي،
أراه يجرّني مثل كلب أعمى،
أُسقِط روحي في حفرة لا قاع لها،
وأضحك لأن السقوط صار وطني، والهاوية صارت نشيدي.
أجلس على كرسي من رماد وأحاور الموت كأنه أخي الضائع،
أضع كأس الماء أمامه فيبكي،
وأكتشف أن الدموع هي اللغة الوحيدة التي لم يعلّمنا إيّاها أحد.
أحلم أنني بحر بلا شاطئ،
أُحاصر السمك بعينيّ،
أمزّق الموج بأسناني،
وأغرق في نفسي كلما أردت النجاة من نفسي.
أحمل وجهي كمرآة مكسورة من زمنٍ آخر،
أرى فيه أشخاصًا لم أعرفهم،
كلهم يحدّقون بي من داخلي ويسألونني: من أنت؟
ولا أجيب، لأن اسمي يتبخّر كل ليلة مثل بخورٍ في معبدٍ مغمور بالرمال.
وأكتب الرباعية الأخيرة وأنا غائب،
يدي تتحرك وحدها مثل طائر مذبوح يكتب بالدم،
الكلمات تسقط مثل مطر من حديد،
وأنا أبتسم لأنني لم أعد أفهم شيئًا،
ولأن عدم الفهم هو الفهم الوحيد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق