الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، أغسطس 28، 2025

اتهامات روسية خطيرة تضع الجزائر في قلب فضيحة إقليمية: عبده حقي


في تطور غير مسبوق، فجّرته وكالة الأنباء الروسية الرسمية "تاس" في 22 أغسطس الجاري، وجدت الجزائر نفسها في قلب عاصفة من الاتهامات الثقيلة تتعلق بدعم أنشطة عسكرية سرية في منطقة الساحل الإفريقي.

المثير أن هذه المرة لم تأتِ الاتهامات من صحيفة فرنسية أو مصدر مغربي أو خليجي، بل من مؤسسة إعلامية روسية رسمية، تُعتبر من أعرق الوكالات في العالم، ما يمنح القضية بُعداً خطيراً يهدد مكانة الجزائر وعلاقاتها مع شركائها الدوليين.

بحسب ما نشرته "تاس"، اتهم مسؤول أمني روسي بارز يُدعى ألكسندر إيفانوف ــ وهو شخصية مرتبطة مباشرة بعمليات مجموعة "فاغنر" سابقاً و"كوربس إفريقيا" حالياً ــ السفارة الأوكرانية في الجزائر بالإشراف على إيصال طائرات مسيرة ومعدات عسكرية إلى جماعات متمردة في مالي. التقرير أوضح أن هذه الأنشطة جرت بمعرفة أو على الأقل بــ"تغاضي" السلطات الجزائرية.

الاتهامات الروسية وضعت الجزائر في موقع صعب، خصوصاً أن الحديث يدور عن دعم جماعات انفصالية متحالفة مع حركات إرهابية مسلحة في مالي، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي ويمثل تدخلاً سافراً في شؤون دولة ذات سيادة.

إن هذه المزاعم تتقاطع مع ما سبق أن وجّهته سلطات مالي وبوركينا فاسو والنيجر ضد الجزائر، متهمة إياها برعاية الإرهاب وتغذية النزاعات في المنطقة. وقد دفع ذلك هذه الدول الثلاث إلى تأسيس "تحالف دول الساحل" لمواجهة التهديدات المشتركة، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها إعلان فقدان الثقة الكاملة في الجزائر.

ورغم خطورة الاتهامات ومصدرها الرسمي، التزمت الجزائر صمتاً مريباً، فلم تستدعِ السفير الروسي في الجزائر، ولم تُصدر وزارة خارجيتها أي بيان للرد أو التوضيح. وهو موقف يثير التساؤل: هل يعكس الصمت شعوراً بالحرج أم خشية من تفجير أزمة جديدة مع موسكو في وقت تعيش فيه الجزائر عزلة إقليمية ودبلوماسية متفاقمة؟

تاريخياً، كانت الجزائر من أقرب حلفاء روسيا في المنطقة، مستوردةً أسلحتها ومتماهية مع مواقفها الدبلوماسية. لكن أن تخرج وكالة رسمية روسية لتوجه اتهامات بهذا الحجم، فهذا مؤشر واضح على فتور العلاقات وربما دخولها مرحلة برود خطير. فهل تعتبر موسكو أن الجزائر لم تعد حليفاً موثوقاً؟

القضية لا تقتصر على الاتهام نفسه، بل على تداعياته السياسية. فالصمت الجزائري يفتح الباب أمام خصومها لاستغلال هذه المعطيات لتأكيد الرواية القائلة بأن الجزائر "راعية للفوضى في الساحل". كما أن الغموض في الموقف الرسمي يضر بصورة الدولة التي لطالما ادعت محاربة الإرهاب.

إن تجاهل الجزائر لهذه الفضيحة قد يكون أخطر من مضمونها، لأنه يعزز صورة بلد يفتقر إلى استراتيجية دبلوماسية واضحة، ويجد نفسه محاصراً بين أزمات مع جيرانه في المغرب وتونس، وتوترات مع فرنسا، وها هو اليوم يفقد حتى دعم موسكو التقليدي.

المعادلة الجديدة خطيرة: الجزائر باتت تُتهم من أقرب حلفائها، وصمتها لا يزيد المشهد إلا تعقيداً. إنها أزمة ثقة حقيقية تضع الدبلوماسية الجزائرية أمام اختبار وجودي في منطقة ملتهبة.


0 التعليقات: