الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، سبتمبر 11، 2025

المغرب في مرآة عصره الحديث : (26) : تشكيل حكومة التناوب برئاسة عبد الرحمان اليوسفي ملف من إعداد عبده حقي


تشكيل حكومة التناوب برئاسة عبد الرحمان اليوسفي (الاتحاد الاشتراكي)، وهي أول مرة يقود فيها زعيم معارض الحكومة بتوافق مع القصر.

شكّلت حكومة التناوب التي كُلّف عبد الرحمن اليوسفي بتشكيلها إثر انتخابات 14 نوفمبر/1997 (وأُعلن عن ولادتها رسميًا في 14 مارس 1998) محطةً فاصلة في التاريخ السياسي المغربي الحديث. فقد جاءت بعد إصلاح دستوري عام 1996 أسّس لبنية ثنائية للبرلمان، ومرّت بمفاوضات دقيقة بين القصر والمعارضة التاريخية، وانتهت إلى صيغة انتقال متفاوض عليه أعادت ترتيب العلاقة بين الشرعية الانتخابية والشرعية الملكية التنفيذية.

من دستور 1996 إلى انتخابات 1997: هندسة المشهد قبل التناوب

أقرت مراجعة الدستورعام 1996 إنشاء برلمان بغرفتين، بما أعاد توزيع مراكز الثقل داخل الحقل السياسي. في هذا السياق جرت انتخابات 1997 التي منحت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الرتبة الأولى من حيث عدد المقاعد داخل مجلس النواب، ما أفضى إلى معادلة جديدة: معارضة قوية تملك رصيدًا نضاليًا وانتخابيًا، ونظام ملكي يسعى إلى إدارة انتقال آمن يستوعب المطالب الإصلاحية.

في 4 فبراير 1998 كلِّف الملك المرحوم الحسن الثاني عبد الرحمن اليوسفي بتشكيل الحكومة. هذه الخطوة فتحت بابًا لثقة متبادلة بين المؤسسة الملكية والمعارضة التاريخية. لم يكن الهدف القطيعة، بل التدرج والتشارك: حكومة سياسية واسعة يتقدّمها الاتحاد الاشتراكي وتضم أحزابًا أخرى، مقابل احتفاظ الملك بحقائب سيادية تقليدية وتعيين شخصيات تقنية في حقائب مفصلية. كان التناوب بذلك وسيلة لامتصاص الاستقطاب وتحييد تدريجي لمنطق الصراع الصفري.

ما الذي تغيّر فعليًا؟

الشرعية السياسية والرمزية: حصلت المعارضة على اعتراف مؤسسي بنضالها التاريخي وتحول جزء من رأسمالها الأخلاقي إلى رأسمال حكومي.

البرمجة الاقتصادية والانفتاح الخارجي: استمر مسار التحرير الاقتصادي والخصخصة في إطار أكثر ضبطًا اجتماعيًا، ودخل اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي حيّز التنفيذ عام 2000.

المجال الحقوقي والمؤسساتي: انفرجت البيئة الحقوقية بشكل ملموس منذ 1999 مع إطلاق سراح سجناء وعودة منفيين، تزامنًا مع عزل وزير الداخلية إدريس البصري، في خطوة شكلت رمزًا لتفكيك إرث الدولة الأمنية.

السيرورة الثقافية-اللغوية: تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001 كرّس الاعتراف بالتعدد اللغوي-الهوياتي في إطار سياسة إدماج ثقافي تدريجي.

ورغم هذه التحولات، ظلت حدود السلطتين التشريعية والتنفيذية قائمة أمام اختصاصات واسعة للجالس على العرش. ومع تعيين تكنوقراطي على رأس الحكومة في 2002، بدا واضحًا أن التناوب لم يتحول بعد إلى مبدأ تداول دوري للسلطة.

أخرج التناوب أحزاب الكتلة من موقع المعارضة الدائمة إلى اختبار الكفاءة التدبيرية. ربح الاتحاد الاشتراكي رصيدًا وخسر بعضًا من نقائه الاحتجاجي، بينما أعاد حزب الاستقلال التموضع كشريك قديم-جديد، وتقدمت قوى الوسط كوسيط براغماتي. على مستوى الثقافة السياسية، تكرّس مبدأ التفاوض كأداة لإدارة التغيير، تغيير بالتراضي لا بالكسْر، وبالتدرج لا بالطفرة.

بين انتقالين: من تناوب 1998 إلى حكامة العهد الجديد

تزامنت حكومة اليوسفي مع انتقال ملكي عام 1999 أعاد توزيع الأدوار داخل السلطة التنفيذية. ورغم أن العديد من القرارات الكبرى ستأتي لاحقًا، فإنها تأسست في بيئة سابقة مهد لها التناوب، من تطبيع تدريجي بين الدولة والمعارضة إلى توسيع خطاب الحقوق والتنمية.

الخلاصة التحليلية

لقد أبرز مكسب التناوب أنه نقل السياسة المغربية من منطق الأزمة المزمنة إلى منطق إدارة الإصلاح. أعاد تعريف العلاقة بين الشرعية الانتخابية والشرعية الملكية عبر صيغة تعاقد مرن سمحت بتخفيف الاحتقان وإطلاق إصلاحات مؤسسية واقتصادية وحقوقية، لكنه كشف في الوقت نفسه حدود المأسسة حين تُقدَّم اعتبارات الاستمرارية على مقتضيات التداول الحزبي. هكذا يمكن اعتبار محطة 1997/1998 لحظة تأسيسية لثقافة الإصلاح التوافقي، خطوة كبرى نحو ترميم الثقة وبناء مسار تحديث تدرّجي، مع احتفاظ المؤسسة الملكية بمفاتيح التحكيم الاستراتيجي.

المراجع الموثوقة

Le Monde diplomatique: “A democratic transition in Morocco?” (ديسمبر 1998).

المنظمة البرلمانية الدولية (IPU): تقارير انتخابات 1997 لمجلسي النواب والمستشارين.

Cairn/مجلة Maghreb-Machrek: “Les premiers pas du gouvernement Youssoufi”.

Michael Willis, Politics and Power in the Maghreb (Hurst, 2012).

Middle East Report (MERIP): “Political Authority in Crisis” (2001).

الموسوعة الحرة: صفحات حكومة اليوسفي الأولى وسيرة عبد الرحمن اليوسفي.

TelQuel: “Il était une fois l’alternance” (ملف تاريخي عن سنوات 1998-2002).

OpenEdition: “The Socialist Union of Popular Forces Party in Morocco”.

NDI: تقرير بعثة الملاحظة الانتخابية 1997.

روابط لمكتبات رقمية

Cairn (Maghreb-Machrek): مقال حول حكومة اليوسفي.

OpenEdition Books: فصل عن الاتحاد الاشتراكي والتناوب.

Le Monde diplomatique (أرشيف رقمي): مقال حول الانتقال الديمقراطي في المغرب.

IPU – قاعدة بيانات الانتخابات البرلمانية: تقارير 1997.

Google Books: Politics and Power in the Maghreb لمؤلفه Michael Willis.

يتبع


0 التعليقات: