النقاش حول مستقبل الدرهم المغربي يعرف تطوراً لافتاً في الأوساط الاقتصادية، بعد بروز مؤشرات متزايدة على اعتماده في بعض المعاملات التجارية بإفريقيا جنوب الصحراء. ويرى خبراء أن هذا التوجه قد يفتح الباب أمام العملة الوطنية لاكتساب دور إقليمي، في ظل توسع الاستثمارات المغربية بالقارة وتنامي المبادلات التجارية مع شركاء أفارقة.
خلال العقدين الأخيرين، ضاعف المغرب من حضوره الاقتصادي في غرب إفريقيا عبر قطاعات البنوك والاتصالات والطاقة والأسمدة، وهو ما أوجد شبكة مالية وتجارية أوسع. وبحسب مصادر مالية، بدأت بعض الشركات تعتمد الدرهم في صفقاتها مع نظيراتها المغربية، الأمر الذي يُعتبر خطوة عملية نحو تدويل العملة.
ويرى مراقبون أن عودة
المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وتوقيع سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية عززت هذا التوجه،
في وقت يبحث فيه العديد من الشركاء الأفارقة عن بدائل عملية لتقليل الاعتماد على العملات
الأجنبية المكلفة مثل اليورو والدولار.
لكن محللين يحذرون
من صعوبات لا يمكن تجاهلها، أبرزها محدودية وزن الاقتصاد المغربي مقارنة بقوى إفريقية
كبرى مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا. كما أن حساسية "السيادة النقدية" لدى الدول
المستقبلة تجعل من الصعب القبول السريع بإدخال عملة أجنبية إلى أنظمتها المصرفية.
إضافة إلى ذلك، فإن
نجاح أي عملة إقليمية يرتبط بمدى استقرارها في مواجهة التضخم والتقلبات العالمية. ويشدد
خبراء ماليون على أن تعزيز احتياطيات المغرب من النقد الأجنبي وتبني سياسات نقدية صارمة
سيكونان شرطاً أساسياً لكسب ثقة الشركاء.
مع ذلك، يرى اقتصاديون
أن المجال مفتوح أمام اعتماد محدود للدرهم في بعض القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة
والأسمدة، أو في إطار التجارة البينية الثنائية، ما سيُقلص من تكاليف التحويل ويعزز
الانسياب المالي.
ويرجح مراقبون أن هذه
التجربة، إذا نجحت، قد تُمهد الطريق لتحويل الدرهم إلى عملة مرجعية في عدد من دول غرب
إفريقيا، دون أن يصل بالضرورة إلى مرتبة "العملة القارية الأولى" في المدى
المنظور.
الدرهم المغربي يقف
اليوم بين طموح التوسع وإكراهات الواقع. وبينما يرى البعض أن الظروف مهيأة لتثبيت حضوره
في فضاء إقليمي محدد، يؤكد آخرون أن الطريق ما يزال طويلاً ويتطلب مزيداً من الثقة،
والاستقرار، والدعم السياسي. وفي كل الأحوال، يبقى المشروع مرهوناً بقدرة المغرب على
موازنة طموحاته مع متطلبات السوق الإفريقية وتعقيداتها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق