تشهد مدينة فاس في هذه الأيام دينامية حضرية لافتة، تعكس استعدادها لاستحقاقات رياضية كبرى، في مقدمتها كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. فمن يتجول في قلب المدينة، بين شارعي محمد الخامس والحسن الثاني، يلحظ بوضوح الأوراش المفتوحة: إعادة طلاء الواجهات، تجديد الأرصفة، وترميم المعالم البصرية التي تمنح العاصمة العلمية طابعاً متجدداً يزاوج بين الأصالة والحداثة.
غير أنّ المشهد لا يخلو من مفارقة مثيرة للدهشة؛ إذ بينما تعلو السقالات الحديدية واجهات العمارات والمقاهي، ويعمل عمّال الصباغة في ظروف دقيقة، تظل المقاهي تحتها مكتظة بروادها، يحتسون قهوتهم وكأنهم في مأمن من الخطر. مشهد غير مألوف للسائح، وربما صادم، أن يرى زبائن يجلسون مطمئنين بينما فوق رؤوسهم عمال يتنقلون بين السقالات، في غياب واضح لإجراءات السلامة والوقاية.
هذه الصورة تختزل علاقة المغاربة بالقهوة: عشق يتجاوز حسابات الخطر، وطقس يومي لا يُعطل حتى تحت ظلال الأخشاب والحديد. لكنّها أيضاً تثير سؤالاً جوهرياً حول من يتحمّل المسؤولية في ترك المواطنين والسياح عرضة لاحتمالات السقوط أو الحوادث، دون توجيه أو تدبير وقائي.
إن التحولات التي تعرفها فاس اليوم هي ضرورة تنموية وواجهة حضارية تليق بالمدينة العريقة، لكنها لن تكتمل إلا إذا رافقتها رؤية مسؤولة تعطي الأولوية لسلامة الناس. لذلك، يظل الملتمس الأساسي هو تجنّب ارتشاف القهوة تحت السقالات إلى أن تنتهي هذه الأشغال، حتى تظل القهوة، رمز الدفء المغربي، متعة ولذة لا مغامرة محفوفة بالمخاطر.
ودامت قهوتكم لذيذة، في مدن آمنة وجميلة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق