يشهد الأدب العربي في السنوات الأخيرة تحولات غير مسبوقة، نتيجة التداخل المتسارع بين التقنية والكتابة. ومع بروز أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على إنتاج نصوص سردية متكاملة، ظهر سؤال عميق: هل يمكن للآلة أن تكتب رواية؟ في هذا السياق، تبرز رواية "إيريكا في غرفة الأخبار" للكاتب المغربي عبده حقي باعتبارها تجربة تأسيسية في استكشاف العلاقة بين الأدب والتقنية، وتُعدّ من أوائل الأعمال الروائية العربية التي تتبنى الذكاء الاصطناعي ليس فقط كأداة بل كعنصر جمالي وموضوعي داخل النص.
اختار عبده حقي أن
يجعل من "غرفة الأخبار" فضاءً روائيًا، وأن يُدخل شخصية "إيريكا"
– الروبوت الصحفية – في قلب دينامية السرد. هنا تتقاطع خبرة الكاتب في المجال الصحفي
مع حساسيته الأدبية: فالرواية لا تحكي حكاية خيالية فحسب، بل تُعيد مساءلة مصداقية
الخبر، أخلاقيات الإعلام، وسلطة المعلومة في زمن الذكاء الاصطناعي.
بهذا المعنى، تتحول
الرواية إلى مختبر سردي يتجاوز الميثود التقليدي للرواية ليُحاكي بنية النصوص الإخبارية،
حيث يتجاور الخبر العاجل مع التحقيقات، والهوامش مع التعليقات، في انزياح واعٍ عن القوالب
الكلاسيكية.
ما يميز هذا العمل
هو أن الذكاء الاصطناعي قد تحول إلى شخصية روائية: "إيريكا" ليست رمزًا فقط
للآلة، بل هي مرآة لجدل معاصر حول حضور الإنسان في مواجهة تقنيات تُهدد بأن تحل محله.
يتجسد هذا في الحوار
بين الإنسان والآلة، حيث تُطرح أسئلة وجودية: من يملك الحق في السرد؟ من يقرر الحقيقة؟
وهل يمكن للآلة أن تكون محايدة بينما صُنعت في سياقات سياسية واقتصادية مشحونة؟
الرواية تندرج ضمن
ما يُعرف في النقد الأدبي بـ الميتاسرد (Metafiction)، إذ تُعلن عن ذاتها نصًا حول الكتابة ذاتها.
عبده حقي يُدخل القارئ في لعبة مزدوجة: من جهة، متابعة حكاية صحفية آلية تتحرك في فضاء الأخبار. ومن جهة أخرى، تفكيك العملية نفسها: كيف يُنتَج
النص عندما يكون المؤلف مزيجًا من إنسان وآلة؟
هذا التوتر الميتاسردي
يمنح الرواية بعدًا فلسفيًا، يجعلها أقرب إلى تأمل في الكتابة أكثر من كونها رواية
تقليدية.
القيمة الجمالية والفكرية
تجديد الشكل الروائي:
اعتماد بنية قريبة من النصوص الإعلامية، ما يُكسِر رتابة السرد الخطي.
طرح أسئلة أخلاقية
وفلسفية: حول حرية التعبير، حدود الحقيقة، وسلطة التقنية.
المساهمة في أدب عربي
رقمي: تمثل الرواية خطوة نحو إدخال الأدب العربي في دائرة النقاش العالمي حول الذكاء
الاصطناعي والإبداع.
أثرها في الأدب المغربي
والعربي
رواية "إيريكا
في غرفة الأخبار" لا يمكن قراءتها في معزل عن السياق الثقافي المغربي الذي عُرف
بجرأته في التجريب الأدبي، من محمد شكري إلى محمد برادة. لكن هنا يتجدد التجريب عبر
الوسيط الرقمي.
أما في الفضاء العربي،
فهي تفتح نقاشًا نقديًا حول مستقبل الرواية: هل سيظل الكاتب البشري مركز العملية الإبداعية،
أم أن الذكاء الاصطناعي سيصبح شريكًا أو حتى منافسًا؟
لقد أثارت الرواية
اهتمامًا إعلاميًا وثقافيًا، واعتُبرت – إلى جانب بعض المحاولات في مصر والخليج – أحد
النصوص التأسيسية في "الرواية العربية بالذكاء الاصطناعي".
خاتمة
يمكن القول إن عبده
حقي لم يكتب مجرد رواية جديدة، بل دشّن مشروعًا أدبيًا يُدخل الأدب المغربي والعربي
إلى أفق مختلف، حيث يصبح النص الروائي فضاءً للتفاعل بين الإنسان والآلة. "إيريكا
في غرفة الأخبار" ليست فقط تجربة في السرد، بل أيضًا بيان أدبي-فلسفي حول ضرورة
أن يواكب الأدب العربي التحولات الكبرى للذكاء الاصطناعي، وألا يظل متفرجًا على ثورة
قد تُعيد تشكيل معنى الكتابة والإبداع برمّته.
0 التعليقات:
إرسال تعليق