الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الأربعاء، نوفمبر 26، 2025

يومية أخبار الثقافة والفنون والإعلام والتكنولوجيا والأدب الرقمي: إعداد عبده حقي

 


حَرَكَةً ثقافية كَثِيفَةً تَعْكِسُ تَحَوُّلًا عَمِيقاً فِي طُرُقِ إِنْتاجِ الْمَعْنَى وَتَدَاوُلِ الْمَعْرِفَةِ وَالْخَيالِ. وَفِي صُبْحِ هٰذَا الْيَوْمِ يُمْكِنُ رَصْدُ خَيْطٍ ناظِمٍ يَرْبِطُ بَيْنَ مَعْرِضٍ تَشْكِيلِيٍّ فِي رَباطٍ أَوْ مَرَّاكُش، وَمَهْرَجانِ قِصَصٍ شَعْبِيَّةٍ فِي دِرْعِيَّة، وَمُؤْتَمَرٍ عَنِ الذَّكَاءِ الِاصْطِناعِيِّ فِي كِينْشاسا، وَحَفْلِ جَوائِزَ لِلْأَدَبِ الرَّقْمِيِّ فِي توروونتو؛ كُلُّهَا تَشْتَرِكُ فِي سُؤالٍ واحِدٍ: كَيْفَ يُعادُ تَشْكِيلُ الْهُوِيَّةِ وَالسِّرْدِيَّةِ فِي عَصْرِ الشَّاشَةِ وَالخُوارِزْمِيَّةِ؟

فِي الْمَغْرِبِ، تُواصِلُ الْمُدُنُ الْكُبْرَى تَكْرِيسَ صُورَتِها كَفَضاءاتٍ لِلْفُنُونِ وَنَمَطِ الْعَيْشِ الثَّقافِيِّ. فَمَعْرِضُ «مِدْحَةُ الْإيماءِ / إيلوج دو جِسْت» فِي الرِّباطِ يَمْتَدُّ فِي أُفُقٍ زَمَنِيٍّ جَدِيدٍ، حَيْثُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْجَسَدِ وَالْحَرَكَةِ وَالتُّراثِ فِي تَرْكِيبَاتٍ بَصَرِيَّةٍ تُسائِلُ الْعَلاقَةَ بَيْنَ الْمِهْنَةِ الْيَدَوِيَّةِ وَالْفَنِّ الْمُعاصِرِ. وَفِي مَرَّاكُش يَسْتَعِدُّ مُتْحَفُ إِيف سان لوران لِخِتامِ مَعْرِضٍ مَحْوَرِيٍّ حَوْلَ أَثَرِ الْمُصَمِّمِ الْفَرَنْسِيِّ فِي تَقاطُعاتِ الْمَوْضَةِ وَالثَّقافَةِ الْمَغْرِبِيَّةِ، فِي حِينٍ تَسْتَمِرُّ فَعَّالِيَّاتٌ تَشْكِيلِيَّةٌ وَمَدَنِيَّةٌ أُخْرَى فِي الرِّباطِ وَمَدُنٍ مُتَوَسِّطَةٍ، تُعَزِّزُ مَكانَةَ الْبِلادِ كَمَخْبَرٍ لِلتَّجْرِبَةِ الْفَنِّيَّةِ وَالسِّياحَةِ الثَّقافِيَّةِ.

أَمَّا فِي الْعالَمِ الْعَرَبِيِّ، فَتَتَوَسَّعُ مَوْسِمِيَّةُ الْفُنُونِ لِتَشْمَلَ تَجْارِبَ بَصَرِيَّةً وَسَرْدِيَّةً جَدِيدَةً. فِي الشَّارِقَةِ يَضِيءُ مَعْرِضُ «مَنارَاتُ الضَّوْءِ» جُدْرانَ الْمَدينَةِ بِأَعْمالٍ صُوَرِيَّةٍ تَسْتَثْمِرُ الضَّوءَ كَعُنْصُرٍ تَشْكِيلِيٍّ رَئِيسٍ، وَتُبْرِزُ جَمالِيَّاتِ الْخَطِّ وَالْعِمارَةِ الإِسْلامِيَّةِ فِي سِياقٍ رَقْمِيٍّ وَتَصْوِيرِيٍّ مُحْدَثٍ. وَفِي الرِّياضِ يَتَصَدَّرُ مَهْرَجانُ «مَوْسِمِ دِرْعِيَّة» الْمَشْهَدَ بِفَعَّالِيَّةٍ خَاصَّةٍ لِحِكايَةِ الْقِصَصِ، تَجْمَعُ بَيْنَ الرِّوايَةِ الشَّفَهِيَّةِ التُّراثِيَّةِ وَالْعُرُوضِ التَّفاعُلِيَّةِ بِاللُّغَتَيْنِ الْعَرَبِيَّةِ وَالإِنْجِلِيزِيَّةِ، فِي جِسْرٍ واضِحٍ بَيْنَ مَاضِي السَّرْدِ وَمُسْتَقْبَلِهِ الشِّبْكِيِّ.

عَلَى مُسْتَوى إِفْرِيقِيَّا، تَبْدو لُغَةُ الْفُنُونِ الْبَصَرِيَّةِ أَيْضاً كَاسِرَةً لِحِصارِ الْعُنْفِ وَالْهَشاشَةِ. فِي مَدِينَةِ غوما بِجُمْهُورِيَّةِ الْكونغو الدِّيمُقْراطِيَّةِ يَجْتَمِعُ فَنَّانُونَ مَحَلِّيُّونَ مَعَ فَنَّانَةٍ فَرَنْسِيَّةٍ حَوْلَ مَعْرِضٍ يَجْمَعُ بَيْنَ الْبِيئَةِ وَالسَّلامِ وَالأمْنِ، حَيْثُ تَتَحَوَّلُ اللَّوْحَةُ إِلَى مَنْبَرٍ لِلتَّنْبِيهِ إِلَى تَغَيُّرِ الْمُناخِ وَتَلَوُّثِ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ فِي مَنْطِقَةٍ مُثْقَلَةٍ بِالنِّزاعاتِ الْمُسَلَّحَةِ. وَفِي مَجالِ الْمَوْسِيقَى يَتَأَهَّبُ الْعالَمُ لِوَثائِقِيٍّ جَدِيدٍ حَوْلَ النَّجْمِ النِّيجيرِيِّ وَيِزْكيد، يُسَلِّطُ الضَّوْءَ عَلَى تَقاطُعِ مَشْهَدِ الأَفْروبيت مَعَ صُناعَةِ الصُّورَةِ التِّلِفِزْيُونِيَّةِ الْعَالَمِيَّةِ. 

فِي الْمَجالِ الإِعْلامِيِّ وَالصَّحافِيِّ وَالرَّقْمِيِّ، يَتَحَرَّكُ الْمَغْرِبُ فِي مَساحَةٍ حَسَّاسَةٍ بَيْنَ الدِّفاعِ عَنِ الأَخْلاقِيَّاتِ الْمِهَنِيَّةِ وَمُواجَهَةِ تَحَدِّيَاتِ الْمُحْتَوَى الْمُسَرَّبِ وَالْحِساباتِ الْمُزَيَّفَةِ. فَقَدْ دَعَتِ النَّقابَةُ الْوَطَنِيَّةُ لِلصَّحافِيِّينَ إِلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ بَعْدَ تَسَرُّبِ تَسْجِيلٍ لاِجْتِماعٍ لَجْنَوِيٍّ أَخْلاقِيٍّ، مِمَّا أَعَادَ النِّقاشَ حَوْلَ حُدُودِ التَّسْرِيبِ وَحُرِّيَّةِ التَّغْطِيَةِ وَحُقُوقِ الْمَصادِرِ. وَفِي الْفَضاءِ الرَّقْمِيِّ تَكْشِفُ مَعْطَياتٌ جَدِيدَةٌ عَنْ شَبَكاتٍ مِنَ الْحِساباتِ الْمُزَوَّرَةِ الَّتِي تَسْتَهْدِفُ صُورَةَ الْمَمْلَكَةِ وَمَلِكِها، مِمَّا يَدْفَعُ نِقاشاً وَاسِعاً حَوْلَ أَمْنِ الْمَعْلُوماتِ وَالاسْتِقْلالِيَّةِ الرَّقْمِيَّةِ فِي الْبِلادِ. هذانِ الْمِيلانِ يَضَعانِ الصَّحافَةَ الْمَغْرِبِيَّةَ فِي صُلْبِ مُواجَهَةٍ بَيْنَ حِمايَةِ حُرِّيَّةِ التَّعْبيرِ وَضَرورَةِ التَّصَدِّي لِحُرُوبِ الْمَعْلُوماتِ. 

فِي الْعالَمِ الْعَرَبِيِّ وَالإِفْرِيقِيِّ الْأَوْسَعِ، يَظْهَرُ أَنَّ الْأَدَواتِ الرَّقْمِيَّةَ لَمْ تَعُدْ مَجَرَّدَ وَسائِلَ تَوْصِيلٍ، بَلْ أَضْحَتْ بِنْيَةً تَحْتِيَّةً رَئِيسَةً لِلتَّطَوُّرِ. فِي دُبَي يُطْلِقُ مَرْكَزٌ عَرَبِيٌّ مُتَخَصِّصٌ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مَشْروعاً رَقْمِيّاً مُتَقَدِّماً لِبِنَاءِ مِضْمارٍ واسِعٍ لِنُصُوصٍ مُشَكَّلَةٍ وَمَقْرُوءَةٍ آليّاً، مِمَّا يُساهِمُ فِي تَطْوِيرِ التَّعَلُّمِ الْآليِّ لِلُّغَةِ وَدَعْمِ مَشاريعِ الْكُتُبِ الإِلِكْتُرُونِيَّةِ وَالْكِتابِ الْمَسْمُوعِ. وَفِي الْقِمَّةِ الدَّوْلِيَّةِ بِجُنوبِ إِفْرِيقِيَّا تُعْلِنُ مُبَادَرَةٌ إِقْلِيمِيَّةٌ كَبِيرَةٌ لِتَمْوِيلِ مَشاريعِ الذَّكَاءِ الِاصْطِناعِيِّ فِي الْقَارَّةِ، مَعَ التَّرْكِيزِ عَلَى التَّطْبِيقَاتِ التَّرْبَوِيَّةِ وَالصِّحِّيَّةِ وَالْمُناخِيَّةِ، فِي تَوَجُّهٍ يَنْظُرُ إِلَى التِّقْنِيَةِ كَأَدَاةٍ لِلتَّنْمِيَةِ لا كَخَطَرٍ فَقَطْ. وَفِي كِينْشاسا يَجْمَعُ مُنْتَدًى قَارِّيٌّ لِلِابْتِكارِ الرَّقْمِيِّ خُبَراءَ الْحُكُوماتِ وَالشَّرِكاتِ النّاشِئَةِ لِبَحْثِ سُبُلِ تَسْرِيعِ التَّحَوُّلِ الرَّقْمِيِّ السَّيادِيِّ فِي إِفْرِيقِيَّا. 

عَالَمِيّاً، تَنْتَقِلُ مَعْرَكَةُ الذَّكَاءِ الِاصْطِناعِيِّ مِنْ مَخْتَبَرِ الشَّرِكاتِ إِلَى قاعَةِ التَّشْريعِ. فِي أُورُوبَّا يُعادُ فَتْحُ مِلَفِّ تَطْبِيقِ التَّشْرِيعِ الْخَاصِّ بِالنُّظُمِ الذَّكِيَّةِ، مَعَ مَطالِبَ بِتَأْجِيلِ بَعْضِ الْعُقُوباتِ لِإِتَاحَةِ مَجالٍ أَوْسَعَ لِلتَّكَيُّفِ التِّقْنِيِّ وَالصِّنَاعِيِّ. فِي الْوِلاياتِ الْمُتَّحِدَةِ، يَضْغَطُ جَمْعٌ مِنْ مُدَّعِي الْعُمُومِ فِي الْوِلاياتِ عَلَى الْكُونغْرِسِ لِعَدَمِ مَنْعِ الْقَوانِينِ الْمَحَلِّيَّةِ الَّتِي تُرِيدُ أَنْ تَضَعَ حُدُوداً عَلَى اسْتِخْدامِ الذَّكَاءِ الِاصْطِناعِيِّ، فِي حِينٍ تَعْلِنُ حُكومَةٌ أُسْتُرالِيَّةٌ عَنْ إِنْشاءِ مَعْهَدٍ وَطَنِيٍّ لِسَلامَةِ الذَّكَاءِ الِاصْطِناعِيِّ، مِمَّا يُشيرُ إِلَى اتِّجاهٍ عالَمِيٍّ نَحْوَ مُحاوَلَةِ تَحْكِيمِ هٰذِهِ التِّقْنِيَةِ قَبْلَ أَنْ تَنْفَلِتَ نَتائِجُها عَنْ السَّيْطَرَةِ. هٰذِهِ التَّقَلُّباتُ التَّشْرِيعِيَّةُ تَهُمُّ بِلاداً مِثْلَ الْمَغْرِبِ وَالدُّوَلَ الْعَرَبِيَّةَ وَالإِفْرِيقِيَّةَ، لِأَنَّهَا تَرْسُمُ إِطارَ اللُّعْبَةِ الرَّقْمِيَّةِ الَّتِي تَتَشَكَّلُ فِيهَا الْأَسْواقُ وَحُرِّيَّاتُ التَّعْبيرِ مَعاً. 

فِي سِياقِ الأَدَبِ الرَّقْمِيِّ، تَتَحَوَّلُ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ وَالتَّجْرِبَةُ الأَدَبِيَّةُ فِي الْعالَمِ إِلَى مَسْرَحٍ واسِعٍ لِلتَّجْرِبَةِ. فِي الْفَضاءِ الْعَرَبِيِّ تَتَكَرَّسُ مَشاريعُ ضَخْمَةٌ لِإِطلاقِ مَكْتَبَةٍ عَرَبِيَّةٍ رَقْمِيَّةٍ تَجْمَعُ مَئاتِ الْآلافِ مِنَ الْعَنَاوِينِ وَتُتِيحُها قِراءةً وَاسْتِماعاً، مَعَ بَرْنامَجٍ مُوازٍ لِبِنَاءِ «مَتْنٍ قَابِلٍ لِلْقِراءَةِ الآلِيَّةِ» يَسْتَنْفِرُ باحِثِينَ وَلُغَوِيِّينَ وَمُبَرْمِجِينَ. وَفِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَمَكَّةَ تَحْضُرُ الْمُؤْتَمَراتُ الْمُخْتَصَّةُ فِي تَعْلِيمِ اللُّغَةِ وَأَدَبِها وَهِيَ تُناقِشُ التَّحَدِّياتِ الرَّقْمِيَّةَ وَتَكْشِفُ أَنَّ تَدْرِيسَ الْقِصَّةِ وَالشِّعرِ وَالنَّصِّ التُّراثِيِّ لَمْ يَعُدْ مَنْفَصِلاً عَنْ أَدَواتِ الْمُحاكاةِ وَالتَّطْبِيقَاتِ التَّفاعُلِيَّةِ. 

وَعَالَمِيّاً يَسْتَمِرُّ حُضورُ «مُنَظَّمَةِ الأَدَبِ الإِلِكْتُرُونِيِّ» كَمِنَصَّةٍ مَرْجِعِيَّةٍ لِهٰذا النَّوعِ مِنَ الْإِنْتاجِ، مِنْ خِلالِ مُؤْتَمَرِها السَّنَوِيِّ فِي توروونتو وَحَفْلِ جَوائِزَ يُتَوِّجُ نُصُوصاً تَجْرِيبِيَّةً تَجْمَعُ بَيْنَ الشِّعْرِ وَالْبَرْمَجَةِ وَاللَّعِبِ الرَّقْمِيِّ. هٰذِهِ الْحَرَكَةُ تُضِيفُ إِلَى الْخارِطَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالإِفْرِيقِيَّةِ بُعْداً جَدِيداً، إِذْ يُمْكِنُ لِلْكُتّابِ الْعَرَبِ وَالأَفَارِقَةِ، وَمِنْهُمْ أَصْواتٌ مَغْرِبِيَّةٌ صاعِدَةٌ، أَنْ يَنْخَرِطُوا فِي حِوارٍ كَوْنِيٍّ حَوْلَ مَعْنَى النَّصِّ فِي زَمَنِ الْكودِ وَالْبِياناتِ الْكَبِيرَةِ. وَهكَذا يَتَشَكَّلُ يَوْمِيّاً نِظامٌ إِبْصارِيٌّ وَسَرْدِيٌّ جَدِيدٌ تَتَجاوَرُ فِيهِ لَوْحَةٌ فِي غوما، وَمَعْرِضٌ فِي الرِّباطِ، وَمُنْتَدًى رَقْمِيٌّ فِي كِينْشاسا، وَمَوْقِعُ مَكْتَبَةٍ عَرَبِيَّةٍ عَلَى الْإِنْتِرْنِت، وَمِنْصَّةُ أَدَبٍ إِلِكْتُرُونِيٍّ فِي أَمِيرِكا الشِّمالِيَّةِ، لِتُرْسِمَ مَعاً مَلامِحَ ثَقافَةٍ عالَمِيَّةٍ جَدِيدَةٍ يَكُونُ لِلْمَغْرِبِ وَالْعالَمِ الْعَرَبِيِّ وَإِفْرِيقِيَّا فِيهَا حَضُورٌ نَشِطٌ وَمُتَجَدِّدٌ. 


0 التعليقات: