الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، سبتمبر 24، 2025

أيهما أخطر على الإسلام الإلحاد أم التطرف ؟ : عبده حقي


منذ بدايات القرن العشرين والإسلام يعيش تحت قلق الأسئلة الكبرى: كيف يتفاعل مع الحداثة وكيف يستجيب لتحديات العولمة والقيم الكونية؟ وكيف يصون جوهره الأخلاقي والروحي في عالم موسوم بسرعة التحولات؟ غير أن أبرز التحديات التي تطرح اليوم بإلحاح على المسلمين والعالم الإسلامي برمته تتمثل في ظاهرتين تبدوان متناقضتين، لكنهما تلتقيان في خطورتهما على الدين وصورته المعتدلة : الإلحاد والتطرف.

فالأول يرفض الحاجة إلى الدين أصلًا ويختزل الإنسان في بعده المادي، أما الثاني فيستغل الدين لإنتاج خطاب الإرغام والعنف والجمود. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: أيهما أخطر على الإسلام، وهل يمكن الفصل بينهما في زمن باتت فيه الصور الذهنية أقوى من الحقائق؟

الإلحاد ليس غريبًا عن التاريخ الإسلامي. فقد عرفه المسلمون في العصر العباسي تحت مسميات مثل "الزندقة" و"الملاحدة"، وغالبًا ما ارتبط بتيارات فكرية أو فلسفية سعت إلى التشكيك في النصوص أو تأويلها خارج سياقها العقائدي. لكن الإلحاد المعاصر في العالم الإسلامي يأخذ أشكالًا جديدة، متأثرًا بموجات فكرية غربية منذ نيتشه الذي أعلن عن "موت الإله"، مرورًا بمفكري ما بعد الحداثة الذين سعوا إلى تقويض كل مرجعية مطلقة.

في السياق العربي، يمكن ملاحظة أن ظاهرة الإلحاد صارت تتنامى خاصة بين الشباب والنخب المثقفة والعالمة، وغالبًا كرد فعل على ازدواجية بعض المجتمعات الإسلامية: خطاب ديني صارم في العلن يقابله فساد سياسي أو اجتماعي في الواقع. كما أن الثورة الرقمية، وما أتاحته من انفتاح على نقاشات وثقافات غير مسبوقة، جعلت الإلحاد موضوعًا حاضرًا بكل يسر في الفضاءات الافتراضية.

في المقابل، لا يمكن إنكار أن التطرف الديني هو الخطر الأكثر إلحاحًا على صورة الإسلام عالميًا وعلى استقرار المجتمعات الإسلامية ذاتها. التطرف عكس الإلحاد لا يرفض الدين، بل يوظفه توظيفًا قسريًا وإكراهيا، يفرغ النصوص من مقاصدها الإنسانية ويحوّلها إلى أدوات للقتل والإقصاء.

إن التطرف لا يهدد الإسلام من الخارج كما يفعل الإلحاد، بل من الداخل، لأنه ينطلق من النصوص ذاتها لكن بمنطق الإقصاء والعنف، ويجعل من الدين رهينة لدى فئة متشددة وضيقة. والنتيجة هي تعطيل إمكانات التجديد والاجتهاد، وتشويه صورة الدين باعتباره مشروعًا للحياة والعدل لا مشروعًا للموت.

إذا كان الإلحاد يمثل تحديًا فكريًا وثقافيًا يحتاج إلى تجديد الخطاب الديني وفتحه على الفلسفة والعلوم الحديثة، فإن التطرف يشكل خطرًا وجوديًا وسياسيًا، لأنه يهدد وحدة المسلمين ويغلق أبواب الإصلاح، فضلًا عن إساءته المباشرة لصورة الإسلام عالميًا.

إن التعامل مع هذين الاتجاهين المتعاكسين  يتطلب استراتيجية مزدوجة:

من جهة، مواجهة الإلحاد بالحجة الفكرية، عبر إعادة الاعتبار إلى البعد الفلسفي والروحي للإسلام، وإظهار قدرته على التفاعل مع العلوم الحديثة دون أن يفقد جوهره.

ومن جهة أخرى، مواجهة التطرف بالسياسة والفكر معًا، من خلال إصلاح التعليم الديني، تشجيع الخطاب الوسطي المتجدد، ومكافحة استغلال الدين لأهداف سياسية أو أيديولوجية.

إن تجربة مفكرين معاصرين مثل محمد أركون أو طه عبد الرحمن أو محمد عابد الجابري وخزعل الماجدي وغيرهم تفتح آفاقًا لهذا التجديد، حيث يسعى كل منهم إلى تحرير الدين من أسر الجمود أو منطق العنف، وإعادته إلى دوره كفضاء للمعنى والقيم الإنسانية.

إن الإلحاد يختبر قدرة الإسلام على التجديد الفكري، والتطرف يختبر قدرته على الإصلاح الداخلي. وبين الاختبارين، تتحدد صورة الإسلام في القرن الحادي والعشرين: إما دينًا حيًا قادرًا على الإسهام في الحضارة الإنسانية، أو أسيرًا لصورة شوهاء يفرضها خصومه وأبناؤه المتشددون على حد سواء.

0 التعليقات: