الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الاثنين، نوفمبر 24، 2025

خارطة الكتب العربية الجديدة محاولة للإنصات إلى ما تكتبه الأرواح العربية اليوم


أكتب هنا — لا كمُراجع صارم، بل كقارئ يميلُ إلى الإصغاء — عن مجموعة من الكتب التي خرجت في الأسابيع الأخيرة، بين أكتوبر ونوفمبر من سنة 2025. لستُ أبحث عن تلخيص جاهز، ولا عن عناوين مُبهرة، بل عن ذلك الخيط الخفي الذي يشدّ كل هذه الإصدارات إلى بعضها: شيء يشبه رغبة جماعية في التنفّس وسط عالم يضيق.

ما لفتني أوّلًا هو أنّ هذه الكتب، رغم تباعد مؤلفيها واختلاف بيئات نشرها، تتحرك جميعها في الهامش الذي يفصل بين الذات والعالم. كأنّ كل كاتب يحاول أن يتأكد من أن صوته لم يختفِ في الضجيج الكبير.

1. كما يتنفّس الكلِم… حين تتحول السيرة إلى نافذة على جيل كامل

الكتاب الذي قدّمه رشيد عفيف مع السوسيولوجي أحمد شرّاك ليس مجرد “سيرة”، بل أقرب إلى جلسة طويلة، فيها شكوى ومرح، وفيها ذكريات تُروى بإيماءات أكثر مما تُكتب.
شرّاك يظهر هنا كابن لمرحلة مغربية كاملة، مرحلة ما بعد الاستقلال بكل ما حملته من ثِقل الأحلام المكسورة.

الشيء الصادق في هذا العمل أنّه لا يبحث عن البطولة، بل عن الإنسان حين يلتفت خلفه ويرى خيطًا من الضوء يمتدّ من طفولته حتى يومنا.
ربما لهذا السبب بدا الكتاب قريبًا إلى القلب، على نحو يصعب توصيفه نقديًا.

2. سياسات عربية 74… مرآة مُتعبة لما تبقّى من الربيع العربي

أمسكت بالعدد الجديد من “سياسات عربية” وكأنني أفتح ملفًا نسيته عمدًا.
الملف الخاص بالثورات العربية لا يعيد الحماس القديم، بل يقدّم قراءة هادئة، أحيانًا باردة، لأشياء فقدنا القدرة على وصفها.

لكن اللافت أنّ التحليل هذه المرة لا يشبه ما كُتب قبل عشر سنوات: هناك اعتراف ضمني بأننا أمام واقع جديد تمامًا، وأنّ الخريطة السياسية العربية دخلت في منعطفٍ لا يشبه أيّ سابق.
الدورية هنا تؤدّي ما يشبه وظيفة الطبيب الذي يشرح للمريض حالته دون أن يَعِده بالشفاء.

3. ولادة على حافة العبور… رواية تبدأ من النهاية لأنّ البداية تراجعت قليلًا

رامي طعامنة يغامر بزمنٍ يمشي بالعكس. من الموت إلى الولادة.
الفكرة ليست جديدة عالميًا، لكن طريقة تنفيذه تمنحها ملمسًا عربيًا محمّلًا بالأسئلة:
هل يمكن للإنسان أن يعود إلى لحظة لم يولد فيها بعد؟
وهل نحن فعلًا نتقدّم، أم أننا نرجع القهقرى دون أن ننتبه؟

الرواية، ببساطة، تضع القارئ أمام نفسه، أمام جدار داخلي لا يمكن كسره إلا بقراءة ثانية أو ثالثة.

4. هي وهو… نصّ مسرحي ولكنه يشبه غرفة صغيرة بلا نوافذ

حميد عقبي يكتب نصًا مسرحيًا يبدو كأنه محادثة طويلة بين شخصين يعرفان كلَّ شيء عن بعضهما، ومع ذلك لا يجرؤان على قول شيء.
الطبعة الثنائية، العربية والإنجليزية، تمنح العمل فضاءً آخر، وتفتح الباب أمام قارئ لا يعرف خلفية الكاتب، فيقرأه كحكاية إنسانية مجرّدة.

العلاقة بين الرجل والمرأة هنا ليست قصة حب، بل مواجهة ناعمة بين كائنين يحاول كل منهما ألّا ينهار.

5. كنتُ وحدي… شعر يشبه الجلوس قرب نافذة في مساء بارد

ديوان منير الدايري يكتبُ الوحدة كما لو أنها شخص ثالث يجلس معه في الغرفة.
القصائد لا تبحث عن اللغة العالية، بل عن النبرة التي تشبه التنفّس.
هناك صمت كثيف يتسلل بين السطور، صمت لا يقصد البلاغة، بل يشبه لحظة تقول فيها لنفسك: “لن أتكلم الآن… فهذا يكفي.”

6. كلّ الأشياء تخلو من الفلسفة… الفلسفة حين تتراجع خطوة كي تعود أشدّ وضوحًا

كتاب مشهد العلّاف لا يشبه الكتب الفلسفية التي نعرفها.
إنه أقرب إلى مذكرات رجل قضى عمره يفكر في شيء واحد: لماذا نصمت؟
ولماذا يبدو الصمت ـ أحيانًا ـ أصدق من أيّ جملة؟

العلّاف يعيد الفلسفة إلى مكانها الأول: إلى تلك اللحظة التي يجلس فيها الإنسان أمام نفسه ويسمع ما لم يجرؤ على قوله قبلًا.

7. رسالة اللاغفران… كتاب يبحث عمّا هو مخفيّ تحت جلد الثقافة

لا تفاصيل كثيرة متاحة، لكن العنوان وحده يشي أن الكاتب يريد تفكيك شيء “غير مرئي”:
خطابٌ يفرض نفسه، سلطة تشتغل بصمت، ثقافة تُهذّبنا ونحن لا نشعر.

هناك عمل نقدي عميق وراء هذا العنوان، ولو اكتُمل، سيكون من تلك الكتب التي تغيّر طريقة رؤيتنا للثقافة.

8. سيدة الكونتينر… رواية فلسطينية تبحث عن كائن هشّ وسط العالم المليء بالحديد

راجي بطحيش يكتب دائمًا كمن يمشي على جرحٍ قديم.
“سيدة الكونتينر” تبدو رواية عن المخفيّ في حياة اللاجئين: الأشياء التي لا تُحكى في نشرات الأخبار،
تلك التي تحدث في الليل، بين العائلات، بين الخوف والرغبة، بين الوطن والبحر.

هذا النوع من الكتابة يذكّر القارئ بأن القضية ليست شعارًا، بل حياة تتآكل بصمت.

9. ملفات كردية… الوثيقة حين تتحول إلى صوت مغيّب

الكتاب أقرب إلى أرشيف مفتوح. شهادات، وثائق، مقابلات…
وهو مهم لأن القضية الكردية، رغم حضورها الدائم في الجغرافيا، بقيت منفصلة عن الخطاب العربي العام.

هنا محاولة، وإن كانت أولية، لإعادة النظر في تاريخٍ تم تجاهله عمدًا أو سهوًا.

10. متحف الرغبة… كتابة أنثوية تتقدم على أطراف اللغة

وداد نبي تستمر في مشروعها اللغوي الذي لا يهادن.
الرغبة هنا ليست جسدًا، بل صوت يحاول أن يخرج من قفص الكلمات.
النصوص تتكلم عن المرأة، نعم، لكن بشكل يُربك القارئ: فهي ليست ضحية، وليست بطلة، بل كيان يبحث عن لغته الخاصة.

11. ترجمة رواية كورونا… خطوة صغيرة لكنها تُغيّر الكثير

قصي الشيخ عسكر يأخذ روايته إلى الإنجليزية، إلى قارئ لا يعرف شيئًا عن تفاصيل الجائحة في العراق،
فيقرأها كحكاية إنسانية محضة.
الترجمة هنا ليست ترفًا، بل جسرًا يعبره النص نحو ذاكرة أخرى.

12. جمال الهنداوي… حين تصبح الفلسفة طبقًا جانبيًا بجانب الحمص

عنوانٌ ذكيّ، ونصوص قصيرة كأنها تنهيدات سريعة.
الهنداوي يمزج الضحك بالحكمة، واليوميّ بالفلسفي، بطريقة تجعل القارئ يبتسم دون أن يعرف لماذا.

13. كتب موسم أصيلة… مكتبة تسير في الشارع

يظلّ موسم أصيلة حدثًا له نكهته:
كتب كثيرة، أصوات مختلفة، وأسماء لا تُشبه بعضها.
أصيلة كانت دائمًا مساحة تقول للكاتب العربي: «تعال… قل ما تريد، ولن يُقاطعك أحد.»

خاتمة… الكتب ليست مجرد أوراق

بعد قراءة هذه الإصدارات، يبدو أن الكتابة العربية اليوم تتحرك في أربع جهات متوازية تقريبًا:

  • جهة تبحث عن الذات،

  • وأخرى تحفر في الواقع السياسي،

  • وثالثة تغامر بالسرد،

  • ورابعة تنصت إلى الفلسفة والروح.

ومهما تباينت الطرق، فإن شيئًا واحدًا يجمعها:
الرغبة في الفهم… الفهم فقط.
ولعل هذا ما يجعل هذه الكتب، على اختلافها، إشارات مضيئة في زمن يميل كثيرًا إلى العتمة.


0 التعليقات: