في خطوة جديدة تعكس إصرار الجزائر على تكريس دعمها العلني لجبهة البوليساريو، قام وفد يمثل الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي يوم 25 سبتمبر 2025 بزيارة إلى ما تُسمى "المؤسسات الصحراوية" داخل المخيمات، حيث التقى بعدد من مسؤولي الجبهة واطلع على مشاريع في مجالات الثقافة والفنون، من بينها مدرسة الموسيقى والمدرسة الوطنية للفنون الجميلة، إضافة إلى التحضير لمهرجان "آرتيفاريتي" المقرر تنظيمه في أكتوبر المقبل.
رغم أن الزيارة عُرضت
في الإعلام الانفصالي كعمل تضامني تنموي، إلا أن دلالاتها السياسية أعمق بكثير، وتحمل
أبعاداً استراتيجية تستهدف التأثير على مسار قضية الصحراء ومحاولة خلق وقائع موازية
تعاكس المسار الذي يقوده المغرب بدعم دولي متزايد.
إن هذه الزيارة تكشف
مجدداً أن الجزائر لا تكتفي بدور الداعم اللوجستي والسياسي للبوليساريو، بل تسعى لتقديم
نفسها كـ "راعٍ حصري" و"شريك تنموي" داخل المخيمات، في محاولة
لتثبيت صورة كيان قائم بذاته يُمارس وظائف الدولة.
غير أن هذا المسعى
يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة التي لا تعترف بأي "كيان" في المنطقة خارج
سيادة المغرب، ويؤكد الطابع التدخلي للجزائر في نزاع إقليمي تحاول الأمم المتحدة تسويته
بالوسائل السياسية.
المشاريع المعلن عنها،
مثل المدارس الفنية والمهرجانات، ليست سوى أدوات "قوة ناعمة" تهدف إلى:
إضفاء شرعية رمزية
على الجبهة من خلال الظهور بمظهر الفاعل الثقافي والتنموي.
استقطاب الأجيال الشابة
وربطها بخطاب انفصالي يقدم نفسه كبديل "حضاري" للوجود المغربي.
ترويج صورة خارجية
عن "كيان ثقافي" يملك مقومات الدولة ويستحق التعامل الدولي.
بهذا، يتحول الاستثمار
الثقافي إلى سلاح سياسي يوازي الحملات الإعلامية التقليدية.
التحركات الجزائرية
تنطوي على مخاطر ملموسة بالنسبة للموقف المغربي:
إرباك الرأي العام
الدولي عبر تقديم البوليساريو كطرف "منتج للتنمية" وليس كحركة انفصالية.
محاولة التشويش على
النموذج التنموي المغربي في الأقاليم الجنوبية، حيث استثمرت المملكة مليارات الدراهم
في مشاريع البنية التحتية، الطاقات المتجددة، والمبادرات الاجتماعية.
توظيف المنابر الإعلامية
الدولية لتضخيم هذه الأنشطة وإبرازها كإنجازات "سيادية"، بما قد يُستغل في
بعض المحافل الدبلوماسية.
في مواجهة هذه الاستراتيجية،
يرى مراقبون أن على المغرب أن يرد عبر:
تفعيل الدبلوماسية
الثقافية وتكثيف الشراكات الدولية التي تبرز النموذج المغربي في التنمية بالصحراء.
فضح الطابع التدخلي
للجزائر في المحافل الدولية، لإظهار أن ما يجري لا يعدو كونه تمويلاً سياسياً موجهاً.
تعزيز الحضور الإعلامي
المغربي لعرض الحقائق الميدانية ومواجهة الدعاية الانفصالية.
فتح آفاق التعاون الثقافي
العالمي من داخل مدن الصحراء المغربية، بما يُرسخ صورتها كجزء طبيعي من المشروع الوطني.
الزيارة الجزائرية
لمؤسسات البوليساريو هي خطوة في مسار طويل من محاولات فرض وقائع بديلة على الأرض. غير
أن المغرب، بدبلوماسيته النشطة ومشاريعه التنموية الملموسة في الصحراء، يملك أوراقاً
أقوى لتثبيت شرعيته التاريخية والقانونية.
فالرهان، في نهاية
المطاف، يبقى على تكريس التنمية الواقعية، وتعزيز التحالفات الدولية، وتوظيف القوة
الناعمة المغربية لمواجهة أي محاولات لتزييف الحقائق أو قلب الموازين الرمزية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق