الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، سبتمبر 26، 2025

الجزائر بين انهيار الريع النفطي وانسداد الأفق الاقتصادي: ترجمة عبده حقي


منذ سنوات قليلة، أصبح واضحًا أن الجزائر تقف أمام مفترق طرق تاريخي. فاعتمادها المفرط على النفط والغاز لم يعد قادرًا على ضمان استقرار اقتصادي أو اجتماعي. ورغم أن المؤشرات التحذيرية ظهرت بجلاء منذ عام 2024، فإن السلطات لم تُقدم على إصلاحات جذرية، مما جعل البلاد تسير ـ كما وصفها البعض ـ مثل "تيتانيك" تتجه مباشرة نحو جبل جليدي، مع إدراك الجميع لحجم الخطر دون أي تغيير في المسار.

أرقام بنك الجزائر تعكس بوضوح هذا المنحنى الانحداري. فقد انخفضت مداخيل صادرات المحروقات من نحو 50 مليار دولار سنة 2023 إلى 45,2 مليار فقط سنة 2024، أي بتراجع يقارب 10%. الأخطر من ذلك أنّ قيمة الواردات في العام ذاته بلغت 45,3 مليار دولار، أي أنها تجاوزت لأول مرة العائدات النفطية والغازية. إنها لحظة قطيعة لم تعرفها الجزائر منذ سنوات طويلة، إذ لم تعد مداخيل الريع تكفي لتغطية أبسط حاجات البلاد.

احتياطي النقد الأجنبي، الذي كان يشكل طوق نجاة مؤقت، تراجع بدوره بشكل حاد. فبعد أن تجاوز 160 مليار دولار عام 2010، لم يبق منه سوى حوالي 60 مليار نهاية 2024، ثم انخفض في منتصف 2025 إلى قرابة 30 مليار. هذه الأرقام تكشف أن ما تبقى من مدخرات لن يكفي لتغطية أكثر من سنة واحدة من الواردات، وهو مؤشر على هشاشة مالية غير مسبوقة.

تتفاقم الأزمة مع الارتفاع المستمر لعدد السكان الذي يقترب من 50 مليون نسمة. هذه الدينامية الديمغرافية تعني ببساطة زيادة في الطلب على الغذاء، الأدوية، التجهيزات، والمواد الأولية. ومع ضعف الإنتاج المحلي، تصبح الحاجة إلى الاستيراد حتمية لا مفر منها. ورغم سياسات التضييق والقيود المفروضة منذ 2020، لم تتمكن الحكومة من خفض فاتورة الواردات، لأن أي نقص إضافي يهدد باندلاع اضطرابات اجتماعية واسعة.

ليست المشكلة في الأسعار وحدها، بل أيضًا في تراجع حجم الإنتاج نفسه. تقارير البنك المركزي الجزائري لعام 2024 تشير إلى انخفاض بنسبة 5% في كميات المحروقات المصدَّرة، في حين هبطت صادرات الغاز ـ التي تمثل أكثر من 60% من إجمالي الصادرات ـ بنسبة 8,1%. هذا التراجع الكمي يُضاف إلى الانخفاض السعري العالمي، فيضاعف من حدة الأزمة.

حتى مع تسجيل فائض طفيف في الميزان التجاري سنة 2024، فإن الميزان الكلي للمدفوعات ظل في حالة عجز بسبب النفقات المرتبطة بالخدمات والالتزامات الخارجية. وهذا يعني أن الصورة أكثر قتامة مما يبدو، وأن البلاد لا تحقق اكتفاءً من حيث التدفقات المالية.

خلاصة الوضع أن الجزائر تدخل ابتداءً من 2025 مرحلة جديدة، عنوانها نهاية القدرة على الاعتماد على النفط والغاز كمصدر وحيد للثروة. فهذه الموارد غير متجددة، والاستثمار في حقول جديدة يتطلب شراكات ضخمة ومدة زمنية لا تقل عن عقد كامل. أي أن الأفق القصير والمتوسط سيكون مثقلًا بالمخاطر الاجتماعية: فقر متزايد، بطالة، وتراجع في مستوى المعيشة.

لقد شكل عام 2024 نقطة تحول، وعام 2025 سيكون بداية مرحلة أكثر خطورة. إذا لم تُبادر القيادة الجزائرية إلى إصلاحات اقتصادية جريئة، وتنويع مصادر الدخل، وتشجيع الاستثمارات المنتجة، فإن البلاد ستدخل نفقًا من الأزمات المتتالية. فما تبقى من احتياطي النقد الأجنبي لا يعدو أن يكون مسكنًا مؤقتًا لا يصمد أمام التآكل السريع.

إنها لحظة الحقيقة، حيث لم يعد الريع النفطي يكفي، ولم تعد الوعود السياسية قادرة على إخفاء الواقع. الجزائر أمام تحدٍ وجودي: إما الانفتاح على إصلاح اقتصادي شامل، أو السقوط في دوامة فقر لا مخرج منها.

0 التعليقات: