الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، سبتمبر 13، 2025

الغاز الأميركي يهدد عرش الجزائر في السوق الأوروبية: عبده حقي


تشهد سوق الطاقة الأوروبية تحوّلات جذرية من شأنها أن تغيّر موازين القوى وتعيد رسم خريطة التزود بالغاز الطبيعي، حيث بات الغاز الصخري الأميركي يزاحم بقوة الغاز الجزائري الذي شكّل لعقود ركيزة أساسية للأمن الطاقي الأوروبي. هذا التحول يحمل في طياته تهديداً مباشراً لاقتصاد الجزائر القائم بشكل كبير على صادرات الغاز.

تُعد أوروبا الزبون الأول للجزائر، إذ تمثل ما يقارب 90% من صادراتها الغازية، وتأتي دول مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وتركيا واليونان والبرتغال في صدارة المستوردين. غير أن إعلان شركة "إديسون" الإيطالية، ثاني أكبر فاعل في قطاع الغاز بإيطاليا والتابعة لمجموعة EDF الفرنسية، عن توقيع عقد طويل الأمد مع شركة "شل" لشراء الغاز الطبيعي المسال الأميركي، يشكل ضربة قوية لصادرات الجزائر. العقد يمتد لخمس عشرة سنة ابتداء من 2028، ويؤمّن لإيطاليا ما يقارب 0.7 مليون طن سنوياً من الغاز المسال المنتج من الغاز الصخري.

هذا القرار يعني أن "إديسون"، التي كانت ترتبط بعقد توريد مع شركة "سوناطراك" الجزائرية منذ 2019، ستتراجع تدريجياً عن شراء الغاز الجزائري والليبي لصالح الغاز الأميركي الأرخص ثمناً. السبب لا يكمن فقط في وفرة الإنتاج الأميركي، بل أيضاً في اختلاف معادلة التسعير؛ فالغاز الجزائري مرتبط بأسعار النفط العالمية، بينما يعتمد الغاز الأميركي على مؤشرات السوق المحلية الأميركية، ما يجعله أكثر مرونة وأقل تكلفة على المدى الطويل.

الأرقام تكشف عمق الأزمة: في عام 2024 بلغت حصة الغاز المسال الأميركي نحو 48% من واردات أوروبا مقابل 5% فقط للجزائر. ورغم أن الجزائر جارة قريبة جغرافياً من القارة العجوز، فإنها تفقد تدريجياً موقعها لصالح منافسين بعيدين مثل الولايات المتحدة وقطر ونيجيريا. وفي ظل تراجع إنتاج النفط الجزائري إلى أقل من 900 ألف برميل يومياً وتآكل الاحتياطات، يصبح الغاز المصدر شبه الوحيد للعملة الصعبة.

تتجاوز المسألة البُعد الاقتصادي لتأخذ منحى سياسياً واستراتيجياً. فالاتحاد الأوروبي، الساعي إلى تقليص تبعيته للغاز الروسي بعد حرب أوكرانيا، وجد في الغاز الأميركي حلاً يحقق له تنويعاً في مصادر الطاقة، وفي الوقت ذاته يوازن علاقاته التجارية مع واشنطن. إدارة دونالد ترامب استغلت هذا الملف لإجبار الأوروبيين على شراء المزيد من الغاز والنفط الأميركيين مقابل تخفيف الضغوط التجارية عليهم. وهكذا، صار الغاز ورقة مساومة جيوسياسية بامتياز.

في المقابل، تبدو الجزائر عاجزة عن مجاراة هذه التحولات. فغياب رؤية واضحة لتطوير صناعة الغاز الطبيعي المسال، وعدم البحث بجدية عن أسواق بديلة في إفريقيا وآسيا، يجعلانها أسيرة السوق الأوروبية التي تتقلص حصتها فيها عاماً بعد عام. والأسوأ أن خسارة هذه السوق تعني خسارة مليارات الدولارات من العائدات السنوية، ما قد يفاقم عجز الميزانية ويهدد الاستقرار الداخلي.

إن الجزائر التي كانت رائدة في مجال الغاز الطبيعي المسال منذ ستينيات القرن الماضي، مطالبة اليوم باستعادة زمام المبادرة، سواء عبر مراجعة صيغ التسعير، أو عبر الاستثمار في البنى التحتية التكنولوجية، أو من خلال تنويع الشركاء الدوليين. فالمعادلة واضحة: من يتأخر عن ركب المنافسة في سوق الطاقة العالمية، يجد نفسه خارج اللعبة. والجزائر أمام لحظة حاسمة: إما الإصلاح العاجل، أو الانزلاق نحو أزمة اقتصادية خانقة.

0 التعليقات: