الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، أكتوبر 12، 2025

الناقد الأدبي المهنة المحفوفة بالمخاطر: ترجمة عبده حقي


كيف يمكن أن ننجز مقالات نقدية الأدب في زمن تتغير فيه النصوص بسرعة؟ إن الناقد— سواء كان أديبًا أو أكاديميًّا أو صحفيًّا — قد يغامر بمصداقيته حين ينخرط في هذا المضمار.

في الكتاب الجماعي L’Instant critique du contemporain الذي أعدّته كورين غرونويلت، يُقَدَّم الأدب المعاصر باعتباره “مجال مخاطرة” للناقد، إذ ينخرط في نصوص ما تزال في طور الإنتاج، وقابلة للتحول المستمر. المقالات التي نُشرت في هذا العمل تسعى إلى تحليل طبيعة هذه المخاطرة وتأثيراتها، ليس انطلاقًا من النصوص وحدها، بل من دور النقد في تشكيلها واستقبالها.

تُشير غالبية المساهمات إلى أن الأدب المعاصر قد غيّر جذريًّا طبيعة العلاقة بين الناقد والنص، خاصة حين يكون كلاهما معاصِرًا في الزمان. ومن هذا المنطلق، يقترح الكتاب التعامل مع “النقد” بصيغ متعددة، فالحديث ليس عن جسم نقد واحد موحّد، بل عن اختلاف خطابه وتناقضه بين وجهات نظر متنوعة.

إن بنية الكتاب تحاكي هذا التعدد النقدي، إذ قُسّم إلى ثلاثة أجزاء حسب التقسيم الذي اقترحه ألبرت تيبود:

النقد الأكاديمي: يطالع الباحثون من خلاله طرقهم وممارساتهم، ويتساءلون عن تحديد المجال ومرجعيته.

النقد المضادّ أو (البديل): يشمل نقد الصحافة والنقد على الشبكات الاجتماعية، أي ما يمكن أن نطلق عليه “نقدًا شعبيًّا.

النقد من داخل الحقل الأدبي: أي علاقة الكتاب مع بعضهم بعضًا، وكيف يتبادلون الأدوار بين المبدع والمراجع.

في الجزء الأول، يُقدّم بعض الأكاديميين تقييمًا لواقع النقد الجامعي المعاصر، معتبرين أن إعادة التفكير في المفاهيم الأساسية قد تصبح ضرورة. أحدهم يُعارض فكرة وجود نموذج مسبق للنقد، ويدعو إلى مقاربات أكثر تجريبية، تتعامل مع النص باعتباره تجربة معرفية وليست فقط موضوعًا للتصنيف.

أما في الجزء الثاني، فيُسلَّط الضوء على ما يُعرف بالنقد المضاد، أو النقد الذي يرفض الهيمنة التقليدية. تدرس بعض المساهمات كيف أن “النقد الاجتماعي الرقمي” يُضيف قيمة جديدة وهي “القابلية للمشاركة”: فأفضل الكتب هي تلك التي تُروَّج وتُشارك بسهولة بين الجمهور، وهو أمر يشكك في سلطة النشر التقليدية. كما يُعالج أحد الفصول كيف استخدمت مجلة Les Lettres françaises النقد الأدبي كأداة للتعبير السياسي، بحيث أصبح المراجع جزءًا من النقاش العام وليس مجرد متلقٍ محايد.

في الجزء الثالث، يُعتمد على مفهوم “النقد العلاقاتي” بين الكتاب، حيث يُصبح الكاتب نفسه ناقدًا لزميله أو لقرينه الزمني، مع تبادل الأفكار والتأثير المتبادل. هكذا تتبدد الحدود بين الأجيال، وتظهر “عائلة أدبية” مشتركة تتشارك في التأثر والإجابة.

الكتاب بحد ذاته يرسم لوحة شاملة لوجهات النظر المختلفة حول النقد الأدبي المعاصر، لكن من اللافت أنه يعتمد أساسًا على مساهمات أكاديمية، دون إشراك منتجين نقديين من ميادين الصحافة أو من الكتاب مباشرة. كما أن اعتماد تقسيم تيبود قد يُثير تساؤلات بشأن محاولة ترسيخ حدود تأتي من الماضي، في حين أن الفضاء النقدي اليوم أكثر انفتاحًا على التداخل والتمازج.

في المجمل، يُظهر هذا العمل أن النقد الأدبي ليس مجرد واجب تقريري أو تقييم، بل هو عملية اشتباك معرفي، تنفتح وتتحول مع تطوّر الأدب المعاصر، وتُعيد تشكيله بقدر ما تتشكل به.

0 التعليقات: