تعيش الأمم المتحدة خلال أكتوبر 2025 لحظة حاسمة في مسار تسوية قضية الصحراء المغربية. فبعد أكثر من نصف قرن من الجدل، يبدو أن مجلس الأمن بات أقرب من أي وقت مضى إلى اعتماد مقاربة واقعية تستند إلى مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها الملك محمد السادس سنة 2007، باعتبارها الإطار الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء النزاع المفتعل الذي استنزف المنطقة المغاربية لعقود.
تؤكد النقاشات الأخيرة داخل مجلس الأمن أن المزاج الدولي يتجه نحو إنهاء المراوحة التي طالت الملف. فالتقارير الأممية الجديدة لم تعد تتحدث عن “استفتاء مستحيل” أو “نزاع غامض”، بل تركز على الحلول السياسية العملية التي تضمن الأمن والتنمية في المنطقة، وعلى رأسها مبادرة الحكم الذاتي التي تحظى بتأييد واسع داخل المنظمة الدولية.
لقد برز خلال السنوات
الأخيرة توافق متزايد بين القوى الكبرى على ضرورة دعم مقاربة المغرب القائمة على الواقعية
والمسؤولية. هذه المقاربة أثبتت، بالأرقام والمشاريع الميدانية، أن الأقاليم الجنوبية
تشهد طفرة تنموية غير مسبوقة، جعلتها نموذجًا للاستقرار في منطقة الساحل وشمال إفريقيا.
في هذا السياق، جاء
تصريح السفير الفرنسي في الرباط، كريستوف لوكورتييه، ليؤكد التوجّه الجديد لباريس نحو
شراكة تنموية متقدمة في الأقاليم الجنوبية. فقد شدد على رغبة فرنسا في أن تكون “شريكًا
فعليًا في تنمية الصحراء المغربية، لصالح السكان المحليين الذين يتطلعون إلى مستقبل
أكثر إشراقًا تحت قيادة الملك محمد السادس”.
هذا الموقف الدبلوماسي
ليس مجرد إعلان بروتوكولي، بل يعكس إرادة فرنسية في المساهمة في المشاريع الكبرى التي
تشهدها مدن العيون والداخلة، بما في ذلك الميناء الأطلسي الضخم، والمناطق الصناعية
الجديدة، والبنى التحتية السياحية التي تؤهل المنطقة لتصبح منصة اقتصادية إفريقية بامتياز.
يبدو أن المجتمع الدولي
بدأ يستوعب التحوّل العميق الذي أحدثته الاستثمارات المغربية في الجنوب. فقد تحوّلت
“المناطق المتنازع عليها” سابقًا إلى “أقطاب جذب” للمستثمرين الأجانب، بفضل النموذج
التنموي الجديد الذي يربط بين اللامركزية السياسية والحكامة الاقتصادية.
وإذا كانت الجزائر
تراهن منذ عقود على إدامة النزاع لاعتبارات جيوسياسية ضيقة، فإن التطورات الأخيرة في
مجلس الأمن تُظهر أن هذه المقاربة تعزل نفسها تدريجيًا عن الإجماع الدولي. فالدول المؤثرة،
من واشنطن إلى باريس ومدريد، تتحدث اليوم بصوت واحد: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية
هو الحل الواقعي والدائم.
من الواضح أن رياح
أكتوبر 2025 تحمل معها ملامح نهاية مرحلة وبداية أخرى. فالقضية التي طالما استُعملت
كورقة ضغط سياسية، تتجه نحو الحسم داخل أروقة الأمم المتحدة، ليس بالبيانات فقط، بل
بدعم ميداني يتجسد في الاستثمارات، والشراكات، والاعترافات المتتالية بسيادة المغرب
على صحرائه.
بهذا المعنى، فإن مشروع
الحكم الذاتي لم يعد مجرد مبادرة مغربية، بل تحول إلى إجماع دولي صاعد يؤمن بأن استقرار
المغرب هو مفتاح استقرار المنطقة بأكملها، وأن الصحراء
المغربية لم تعد ساحة
نزاع، بل فضاءً للتنمية الإفريقية المشتركة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق