عرف المشهد الثقافي والفني خلال اليومين الأخيرين حراكاً متنوّعاً على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، يتراوح بين المبادرات الشبابية والإصلاحات الاجتماعية، والاهتمام المتزايد بالتراث، إلى عروض فنية عالمية تُعيد رسم حدود الإبداع المعاصر.
في المغرب، تواصل النقاشات الثقافية تفاعلها مع التطورات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها البلاد، حيث أعلنت الحكومة عن حزمة إصلاحات اجتماعية كبرى بتوجيه من جلالة الملك محمد السادس، تشمل الرفع من ميزانية التعليم والصحة وتشجيع مشاركة الشباب في الحياة السياسية. ورغم أن هذه الخطوة ذات طابع اجتماعي واقتصادي بالأساس، إلا أن تأثيرها الثقافي واضح في تعزيز دور الأجيال الجديدة في المشهد الوطني، وإعادة ربط الثقافة بالحراك المجتمعي والإبداعي، في وقت تتطلع فيه الساحة الفنية المغربية إلى مهرجانات قادمة قد تواكب هذا التحول.
أما في العالم العربي، فقد شهدت دبي حدثاً فنياً مميزاً تمثّل في معرض “Marwan: A Soul in Exile”، الذي تنظمه دار كريستيز بالتعاون مع مركز السركال للفنون، ويضم أكثر من مئتي عمل للفنان السوري الراحل مروان قصّاب باشي. هذا المعرض يعيد تسليط الضوء على تجربة فنية عميقة تتقاطع فيها المنفى بالهوية والذاكرة. وفي السعودية، سُجلت خطوة ثقافية بارزة بإدراج 184 موقعاً أثرياً ومعمارياً جديداً في السجل الوطني للتراث، ما يعكس اهتمام المملكة المتزايد بحماية الذاكرة المادية وتكريس مفهوم الثقافة كرافعة للتنمية.
وفي إفريقيا، احتفلت مدينة تمبكتو في مالي بمرور سبعمائة عام على بناء جامعها التاريخي، في حدث رمزي يؤكد ارتباط القارة الإفريقية بجذورها الروحية والحضارية. وعلى مستوى آخر، رصدت تقارير فنية تراجعاً نسبياً في مبيعات سوق الفن الإفريقي في المزادات الدولية، ما يطرح تساؤلات حول سبل دعم الفنانين المحليين وتوسيع حضورهم في المشهد العالمي، خصوصاً في ظل ازدهار المدارس البصرية الإفريقية الجديدة التي تمزج بين التراث والحداثة.
أما على الصعيد العالمي، فتتجه الأنظار نحو عروض تجمع بين الحداثة والتجريب الثقافي. فقد قدّم مصمم الرقص البريطاني أكرم خان عملاً باليهياً جديداً في السعودية بعنوان “ليلة التذكّر” بمشاركة نسائية خالصة من المجتمع المحلي، ما اعتُبر لحظة فارقة في تاريخ المسرح والرقص في المنطقة. وفي سياق متصل، أعادت مسرحية الرقص “Mimi’s Shebeen” في لندن إحياء سيرة الأسطورة الإفريقية مريم ماكيبا، المعروفة بلقب “ماما إفريقيا”، في عرض يجمع بين الموسيقى والدراما والذاكرة الجماعية للنضال ضد التمييز العنصري.
هكذا، يُظهر المشهد الثقافي خلال اليومين الأخيرين دينامية عالمية متجددة: في المغرب، تمتزج السياسة بالثقافة لتوليد وعي شبابي جديد؛ في العالم العربي، ينهض الفن الحديث والآثار معاً؛ في إفريقيا، تستعاد الذاكرة الجماعية لبناء مستقبل فني أكثر شمولاً؛ وفي العالم، يتواصل الحوار الإبداعي بين الشرق والغرب عبر لغة الفن التي تتجاوز الحدود.








0 التعليقات:
إرسال تعليق